فرق بين المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري

سعود الأحمد

TT

الأسبوع الماضي حضرت ندوة نظمها نادي الاقتصادية الصحافي بجريدة «الاقتصادية»، حول موضوع «المسؤولية الاجتماعية للبنوك السعودية». ولاحظت أنه على الرغم من أن المدعوين يعتبرون نخبة منتقاة من الكتاب والمتخصصين، فإنه بدا واضحا أن هناك خلطا بين المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، إلى درجة أن البعض يرى أن على البنوك أن تعوض من خسروا في سوق الأسهم، وينسى «محاسبة» من ربحوا وهربوا من السوق! وهو ما يزيد الحاجة إلى تقنين برامج المسؤولية الاجتماعية وتأطيرها.

إدارات البنوك ليس من حقها، كما قد يعتقد البعض، أن تتبرع بشيء من أموال المساهمين على المحتاجين من أفراد المجتمع من الفقراء والمساكين، ومن تقتنع أنه في حاجة إلى لمساعدة، لكنها في المقابل مطالبة بالقيام بواجبها تجاه المجتمع، شأنها شأن الشركات المساهمة، وبقية المنشآت الاقتصادية الأخرى. ومن ذلك المشاركة في البرامج التنموية، وبخاصة برامج التنمية المستدامة، مثل مشاريع رفع مستوى الوعي العام بمجالات الخدمات المصرفية، والمشاركة في برامج التعليم والتدريب والتوظيف، ونقل التقنيات المتطورة وتوطينها وبرامج العمل من المنازل، ورعاية كراسي التعليم العالي والبحث العلمي المتخصص وتمويلها، والمشاركة في تمويل بحوث الأمراض المزمنة، كغسل الكلى، والأمراض المستعصية، كالسرطان، وما إلى ذلك من المشاركات ذات الطابع الشمولي والنفع العام.

وفي هذا الصدد، علينا ألا نغفل أن مسؤولية البنوك هنا لا تنبع من كونها بنوكا تتوافر لديها أموال ضخمة يمكنها الصرف منها، ولكن لأنها لبنات مهمة في جسم الاقتصاد الوطني، تستفيد مما يفيد المجتمع الذي تنتمي إليه، شأنها في ذلك شأن بقية المنشآت الاقتصادية الكبيرة، سواء كانت شركات مساهمة أو مؤسسات فردية. بل إنني أعتقد أنه في مجال الحث على المشاركة في المسؤولية الاجتماعية، يجب ألا ننسى أن هناك مؤسسات فردية ذات أسماء معروفة من الموردين والوكلاء الذين استفادوا على مدار عقود من الزمن من الخدمات والتسهيلات التجارية والصناعية العامة. وكانوا يستوردون من مختلف أنحاء العالم بأقل الأسعار، ويبيعونها محليا بهوامش ربحية مضاعفة، وحققوا من ذلك الثروات الطائلة من دون حساب. هذه المؤسسات حري بها أيضا أن تقدم للمجتمع شيئا مما تستوجبه عليها المسؤولية الاجتماعية.

وزيادة في الإيضاح، لنفترض على سبيل المثال أنك أحد مساهمي بنك تجاري، فإن من حقك أن تعترض على إدارة البنك تتبرع بأموال بنكك وأرباحه للجمعيات الخيرية. ولو كنت في زيارة لأحد مديري الفروع ووجدته ينفق من أموال البنك على أحد المتسولين، فلا بد أنك ستطرح عليه أكثر من تساؤل، لأنك تعلم يقينا أن هذا الباب سيفتح المجال للتلاعب بأموال البنك الذي تساهم في ملكيته! والذي أود التأكيد عليه، أنني لست هنا بصدد تأييد هذا النقد أو تبريره أو المنافحة عن البنوك، لكنني أجد أن هناك فجوة وبونا شاسعا بين ما تقدمه البنوك للمجتمع وبين ما ينتظر منها. ولمعالجة هذا الأمر، لا بد من تكثيف الجهود التوعوية التي تسلط الضوء على هذا الأمر. وفتح المجال لآراء أصحاب الرأي من المتخصصين وذوي الخبرات، الذين لديهم اطلاع على ما لدى الدول التي سبقتنا في هذا المجال، حتى تتحقق الفائدة، وتتضح الصورة للرأي العام بشكل أفضل.

* كاتب ومحلل مالي