رئيس سابق للحكومة اللبنانية: ينبغي التحقق من العوائد المرتقبة قبل تخصيص أي مرفق

الحص يجد تلزيم الإدارة أفضل من البيع الكامل

مطالبات بالتحقق من العوائد المرتقبة قبل تخصيص أي مرفق في لبنان (ا.ب)
TT

لاحظ الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية، الدكتور سليم الحص، أن قرار الخصخصة (بمعنى التفرغ نهائيا عن ملكية مرفق معين)، ينبغي أن يبنى على المقارنة بين ما كان يمكن أن تجنيه الدولة من إدارة المرفق وما يمكن أن تجنيه من عائد على حصيلة بيع المرفق.

واعتبر أن «الخصخصة تعني تخلي الدولة للقطاع الخاص عن مرفق يعود إليها في مقابل ثمن معين. هذا التعريف العام يقودنا إلى تساؤلات كثيرة، أولها: هل المقصود التفرغ عن ملكية مرفق معين أو عن إدارته فقط؟ كلا الاحتمالين وارد، ولا شك أن التخلي عن ملكية مرفق هو أبعد أثرا، فبيع مرفق معين يعني التفرغ منه كليا ونهائيا، أما التفرغ عن إدارة المرفق فيعني وضع الإدارة في يد من يستطيع إدارة المرفق بكفاءة أعلى من تلك التي تتوافر للدولة. ويكون عقد الإدارة لفترة زمنية محددة، كما تبقى الإدارة خاضعة لإشراف الدولة أو متابعتها على الأقل. وفي نهاية العقد تعود الإدارة إلى الدولة. فقرار تلزيم الإدارة أهون، بطبيعة الحال، من قرار التفرغ نهائيا عن المرفق. والقرار في حال تلزيم الإدارة يبنى على مقارنة مقدار ما كانت تجنيه الدولة من المرفق ومقدار ما يرتجى أن تجنيه من عقد الإدارة بعد تلزيمها. والمعادلتان، أي التفرغ عن ملكية مرفق أو تلزيم إدارته، تمارسان في الدولة الواحدة في كثير من الحالات».

واعتبر أنه «لا يجوز الإقدام على خصخصة مرفق معين في حال كون العائد المحصل منه فعليا أعلى من العائد الذي يمكن أن تجنيه الدولة من عائد على حصيلة صفقة الخصخصة، الذي كثيرا ما يحسب على أساس نسبة الفائدة التي تدفع على الدين العام. وخلاصة القول إن الخصخصة تستوجب إجراء دراسة جدوى لكل مرفق يراد التفرغ عنه. ودراسة الجدوى هي التي تقرر ما إذا كانت خصخصة مرفق معين ستعود على الدولة بالفائدة. فلا يجوز، والحال هذه، إصدار أحكام عامة مسبقة تقطع بضرورة سلوك طريق الخصخصة في كل الحالات، على ما نسمع أحيانا كثيرة من دعاة الخصخصة، ولا سيما المتحمسون منهم، فدراسة الجدوى عند التفكير في الخصخصة هي التي تقرر ما إذا كانت الخطوة ذات مردود إيجابي على الدولة، وبالتالي ينبغي الإقدام عليها».

وتابع، خلال ندوة عن «الموازنة الفضلى بين القطاعين العام والخاص» نظمتها أمس في بيروت «المنظمة العربية لمكافحة الفساد»، قائلا: «في رؤية التنمية المستدامة ينبغي النظر إلى مشاريع الخصخصة تماما كمشاريع التوظيف في إطار التنمية. في كلتا الحالين هناك حاجة واضحة إلى إجراء دراسة جدوى، فكما يحدث في مشاريع التنمية يجب كذلك في مشاريع الخصخصة. وكثيرا ما ينظر إلى الخصخصة على أنها من ضرورات التزام نظام الاقتصاد الحر. وفي هذه الحال، تعتبر الخصخصة مجدية من دون إجراء مقارنة بين نسبة العائد المحقق ونسبة العائد المرتجى. فالخصخصة، في هذه الحال، تكون مطلوبة لذاتها. ونحن نرى أن في هذه النظرة الكثير من المبالغة، فحتى في البلدان المتميزة بالتزامها نظام الاقتصاد الحر تبقي الدولة بعض المرافق في يدها لدوافع غير اقتصادية، وكثيرا ما تكون الاعتبارات اجتماعية. ثم إن الأزمة المالية العالمية الأخيرة لم تبق على بلد في العالم لا تحتفظ الدولة فيه ببعض المرافق. فعمليات الإنقاذ من تداعيات الأزمة أسفرت عن تملك الدولة لبعض المرافق المهتزة، بمنطق معاكس للخصخصة. هذا ينطبق حتى على الولايات المتحدة الأميركية، أكبر دول الاقتصاد الحر». وأدار وزير المال اللبناني السابق، الدكتور جورج قرم، جلسات الندوة، وافتتحها رئيس «المركز الأردني لأبحاث حوار السياسات الوطنية»، الدكتور طاهر حمدي كنعان، بالحديث عن «الخصخصة وتحديات التنمية المستدامة في الأقطار العربية»، فأورد تمهيدا عن تعريف «النظرية، والمفاهيم والتجربة التطبيقية».

وبعد عرض مفصل لتجارب الخصخصة في عدد من بلدان أوروبا، دعا إلى «ضرورة الانفكاك عن النزعة الوثنية لعبادة السوق التي راجت منذ ثمانينات القرن الماضي، بحيث أصبحت الدولة وتدخلها في النشاط الاقتصادي موضع اتهام حتى تثبت البراءة». وأضاف أن «الحوافز المادية في القطاع العام محدودة، ولكن من الممكن جعلها تتناسب طرديا مع إتقان الأداء، من خلال الحرص على استقلال الإدارة وتحصينها ضد التأثر بسلبيات الضغوط الاجتماعية والفئوية، ومن خلال العمل على تنمية الحوافز المعنوية التي تحض على الأداء المتقن. حتى في القطاع الخاص، حيث حافز الربح هو السائد، نجد مع ذلك أن الحوافز المعنوية لا تغيب عن البيئة الإنتاجية في هذا القطاع».

ورأى أن «توزيع المسؤوليات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي ضمن المجتمع والدولة يختلف بالاختلاف بين السلع العامة والسلع الخاصة والسلع ثنائية الغرض». وقال: «فيما يخص النشاط الاقتصادي الجزئي (المايكرو)، توزع المسؤوليات حوله بين ثلاثة قطاعات ذات مؤهلات مختلفة للتعامل مع كل من السلع الخاصة والسلع العامة، وهي القطاع الحكومي (العام)، والقطاع الأهلي غير الربحي (المجتمع المدني)، وقطاع الأعمال الربحي. أما السلع الخاصة، فالمبدأ أن مسؤولية النشاط في إنتاجها وتوزيعها ينبغي أن تناط بقطاع الأعمال، بشرط خضوع ذلك النشاط لقوى السوق التنافسية الخالية من الاحتكار. أما السلع العامة فيجب أن يستقر النشاط الاقتصادي في إنتاجها وتوريدها في حيز المسؤولية الحكومية، مع استثناءات مبررة بدقة وخاضعة لقوانين، مثل: التعاقد مع القطاع الخاص في مجال الإدارة من دون التملك، للإنشاء والتشغيل ونقل السيطرة BOT، وبيع حصص في شركة تملكها الدولة للقطاع الخاص لاستقطاب موارد مالية لتمويل توسعات كبيرة في القدرات الإنتاجية للشركة، أو لاستقطاب تجهيزات وخبرات يصعب الحصول عليها إلا من خلال شريك استراتيجي متخصص في الإنتاج موضوع البحث. وينصح بألا تزيد حصة الشريك الاستراتيجي في هذه الحال على 50 في المائة من الأسهم. أما السلع ذات الغرض المزدوج فحكمها حكم السلع العامة، مع جواز أن يشارك في النشاط الخاص بها القطاع الأهلي غير الربحي، كما هي الحال في الجامعات الخاصة غير الربحية (هارفارد، وكمبردج، وأكسفورد)».