الصين تستغل قوانين التجارة العالمية لصالحها

تعتمد على محاربة الحمائية بين شركائها التجاريين وتحافظ على انخفاض قيمة عملتها

صادرات الصين للولايات المتحدة تفوق الواردات بنسبة تفوق أربعة إلى واحد (رويترز)
TT

رغم الصعوبات التي يواجهها أكبر اقتصادات العالم في التغلب على الأزمة المالية، تزايدت الأدلة في ظل ارتفاع معدلات التصدير الصينية على أن بكين تستغل مهارة التضارب الموجود في قوانين التجارة الدولية لتحفيز اقتصادها على حساب الدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.

فمن أجل الحفاظ على هيمنتها في ما يتعلق بالصادرات، تبذل الصين جهودا تعتمد على عاملين أساسيين: محاربة الحمائية بين شركائها التجاريين، والمحافظة على انخفاض قيمة عملتها. وتدافع الصين عن تلك السياسات الاقتصادية بشراسة. فيوم الأحد، انتقد رئيس الوزراء الصيني وين جياباو الضغوط الدولية التي تمارَس على الصين من أجل أن تسمح بارتفاع قيمة عملتها قائلا إن قيمة عملة الصين «الرنمينبي» يجب أن تبقى «ثابتة». ولكي تعزز تقدمها، تستغل بكين التناقض الأساسي بين هيئتين دوليتين كبريين: «منظمة التجارة العالمية» التي تفرض عقوبات متشددة واجبة التنفيذ على الدول التي تعترض سبيل التجارة، و«صندوق النقد الدولي» الذي يمثل هيئة رقابية على السياسة الاقتصادية العالمية دون أن يكون له أي سلطة على الدول التي لم تقترض منه مثل الصين.

وكانت الصين قد سجلت فائضا تجاريا بلغ 198 مليار دولار مع باقي أنحاء العالم خلال العام الماضي، حيث كانت الصادرات إلى الولايات المتحدة تفوق الواردات بنسبة تفوق أربعة إلى واحد. وعلى الرغم من ذلك، رفعت بكين خلال الأشهر الاثني عشر الماضية المزيد من القضايا إلى المحاكم التجارية النافذة بمنظمة التجارة العالمية بجنيف تشتكي فيها الممارسات التجارية لغيرها من الدول بمعدلات تفوق أي دولة أخرى.

بالإضافة إلى أن بكين كانت تعمل على إحباط سلسلة من تقارير صندوق النقد الدولي منذ عام 2007 تشير إلى كيف قامت الصين بخفض قيمة عملتها بطريقة هائلة، وفقا لثلاثة من الأشخاص المطّلعين على الإجراءات التي تتخذها الصين.

وذلك حيث تقوم الصين بشراء الدولار وغيره من العملات الأجنبية - بما يقدر بعدة مئات من مليارات الدولارات سنويا - من خلال بيع عملتها، وهو ما يقلل من قيمتها. وقد ساعد ذلك التدخل الصادرات الصينية على الارتفاع بنسبة 46 في المائة في فبراير (شباط) مقارنة بالعام السابق.

ويرى الكثير من خبراء الاقتصاد الأكاديميين تناقضا أساسيا في النظام العالمي للرقابة على التجارة والعملة. فيقول جاديش باغواتي الخبير الاقتصادي بجامعة كولومبيا: «يرغب الكثير منا أن يرى المؤسسات الدولية الأخرى مثل صندوق النقد الدولي تعزز قوانينها بما يشبه الطريقة التي تعمل بها منظمة التجارة الدولية».

وكانت الدول الغربية تأمل خلال العام الماضي أن تؤتي الضغوط الدولية التي تمارَس على الصين - بعد سنوات من الشكوى من إبقاء الصين عملتها منخفضة بطريقة مصطنعة - ثمارها. وذلك حيث يسهم انخفاض قيمة العملة في رخص سعر الصادرات الصينية إلى الأسواق الأجنبية فيما يجعل الواردات باهظة السعر، وهو ما يجعلها تحقق فائضا تجاريا، ويقلل من معدلات البطالة في البلاد، فيما يرفع معدلات البطالة لدى شركائها التجاريين.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وافق كل من الرئيس الأميركي أوباما، والرئيس الصيني هو جينتاو، وغيرهما من القادة في مجموعة العشرين من الدول المتقدمة والصناعية في بيتسبرغ على أن تبدأ دول مجموعة العشرين مشاركة خططهم الاقتصادية بدءا من نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك بغرض تنسيق الطريقة التي يخرجون بها من برامج الإنقاذ المالية لحماية العالم من أن ينتقل من حالة الركود الاقتصادي إلى التضخم الاقتصادي. وقد وافقت دول مجموعة العشرين على أن يقوم صندوق النقد الدولي بدور الوسيط.

ولكن شخصين مطّلعين على رد فعل الصين قالا إن الحكومة الصينية قد تخلفت عن الميعاد المحدد في نوفمبر (تشرين الثاني) ثم قدمت مستندا غامضا يحتوى في أغلبه على بيانات تاريخية. وقال هذان الشخصان إن الصين تخشى أن تعطي الذخيرة لمنتقدي سياستها المتعلقة بالعملة في صندوق النقد وغيره. وقد طلب كلا الشخصين عدم الإفصاح عن هويتهما نظرا إلى مواقف الصين بشأن السياسات الاقتصادية.

وإذا ما ثبت أن الصين تتلاعب بعملتها، فسوف يمثل ذلك تحديا سياسيا واقتصاديا بالنسبة إلى إدارة أوباما التي طالبت الصين يوم الخميس الماضي بأن تقدم «سعرا لتداول العملة يعتمد على تغيرات السوق». ويضع رد فعل الصين المتحدي الإدارة الأميركية في موقف صعب، حيث إن الصين هي أكبر مشترٍ لسندات الخزانة الأميركية في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة من عجز قياسي في الموازنة ومن ثم تحتاج إلى أن تستمر الصين في شراء تلك السندات لتمويل الدين الأميركي. ومن جهة أخرى، يجب على وزارة الخزانة أن تحدد في 15 أبريل (نيسان) إذا ما كانت سوف تدرج الصين كدولة تتلاعب بقيمة عملتها أم لا، حيث إنه إذا تم إدراج الصين على تلك القائمة، فسوف يشجع ذلك أعضاء الكونغرس الذين كانوا يناقشون بالفعل إذا ما كان يجب فرض قيود على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن الصين سوف توجه انتقادات حادة لمثل تلك الإجراءات باعتبارها شكلا من أشكال الحمائية التي قد تؤدي إلى تدهور أكبر في العلاقات الثنائية التي تشوبها بالفعل التوترات.

ومن جهة أخرى، بدأت الصين تصف تدخلها في قيمة عملتها بأنه إجراءات لحفز اقتصادها. ولكن على نقيض الإنفاق الحكومي الزائد في الولايات المتحدة وغيرها من الدول، فإن التدخل في سعر العملة لا يعزز الطلب العالمي ولكنه ينقله من البلدان الأخرى إلى الصين.

جدير بالذكر أن هناك عاملين كان لهما دور رئيسي في انهيار التجارة العالمية في الثلاثينات: الحمائية وتغيير سعر العملة لاستغلال الأوضاع على حساب الدول الأخرى. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، أنشأت الدول الكبرى مؤسستين يعرفان اليوم باسم «منظمة التجارة العالمية»، و«صندوق النقد الدولي» للحد من مخاطر التعرض مرة أخرى للكساد.

وعلى نقيض سلفها، التي كانت لديها هيئة تحكيم ضعيفة يمكن أن تعرقل الدولة الخاسرة أحكامها بسهولة، فإن منظمة التجارة لديها هيئات تحكيم نافذة منذ عام 1995، وبإمكان تلك الهيئات أن تمهد الطريق لفرض عقوبات تصل إلى مليارات الدولارات.

ويعد رفع القضايا ضد دولة أخرى أقوى إجراء متاح للدول في النزاعات التجارية، ولكنه مكلف أيضا، حيث إن إعداد قضية ودفعها للمحاكم يمكن أن يكلّف ببساطة ملايين الدولارات كمصروفات قانونية وبالتالي فإن الدول محدودة الدخل نادرا ما ترفع مثل تلك القضايا.

يُذكر أن الصين انضمت إلى منظمة التجارة الدولية في عام 2001 ولم ترفع سوى ثلاث قضايا فقط خلال سبع سنوات، ولكن معدل رفعها للقضايا تزايد مؤخرا حيث رفعت أربع قضايا من بين الخمس عشرة قضية المرفوعة خلال العام الماضي، اثنتان ضد الولايات المتحدة في ما يتعلق بالدواجن والإطارات، واثنتان ضد الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بأدوات الربط المصنوعة من الصلب والدواجن.

ولكن صندوق النقد لا يمتلك صلاحيات مشابهة لصلاحيات منظمة التجارة، حيث إن سياسة صندوق النقد الدولي تقضي بأن تقدم الدول الوثائق والمعلومات في مواعيد محددة مع إمكانية حجب المعلومات المتعلقة بحركة السوق فقط. ولكن بمقتضى القانون، يصبح بإمكان الدول الأعضاء أن تقرر حجب أحد التقارير، وفقا لأحد المسؤولين بالمنظمة.

وكانت الصين تسمح بتقديم تقاريرها حتى قررت الهيئة التنفيذية بصندوق النقد الدولي في يونيو (حزيران) 2007 أن تلك التقارير يجب أن تجذب المزيد من الانتباه إلى سياستها المتعلقة بالعملة، فقامت الصين بهدوء بمنع صدور التقارير المتعلقة بسياستها منذ ذلك الوقت دون أن تقدم أي مبررات لصندوق النقد الدولي.

وقد أخبرنا أحد الأشخاص الذي لديه نسخ من أحدث التقارير المتعلقة بالصين والذي صدر في الصيف الماضي أن فريق صندوق النقد الدولي توصل إلى أن الرنمينبي تم «خفض قيمته بقوة».

ويقرر صندوق النقد الدولي إذا كانت العملة قد تم خفض قيمتها بقوة إذا كانت أقل بنسبة 20 في المائة من قيمتها العادلة بالسوق.

وتسمح أربعة أخماس الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولي بنشر التقارير السنوية المتعلقة باقتصاداتها، فيما تحجب الدول التي لديها سيطرة أكثر تشددا - مثل ميانمار، والسودان، وتركمانستان، والمملكة العربية السعودية، رغم أن البرازيل لم تنشر تقاريرها كذلك - تلك التقارير. ومن جهة أخرى، لم يستجب البنك المركزي الصيني للاتصالات الهاتفية والرسائل التي كانت تسعى للحصول على تعليقه. ويعد المؤشر الرئيسي لتدخل الدولة في أسواق عملتها هو مستوى احتياطي النقد الأجنبي. وكانت الصين قد وقفت الارتفاع التدريجي لقيمة الرنمينبي في مقابل الدولار في يوليو (تموز) 2008، في الفترة من 30 يونيو 2008 وحتى 31 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، وقد ارتفع معدل احتياطي النقد الأجنبي في الصين بقيمة 590 مليار دولار. ويعكس جزء من تلك الزيادة الفوائد على السندات وارتفاع الأسهم وتذبذب العملة.

* خدمة «نيويورك تايمز»