أثر تنظيم الشيكات على الاقتصاد السعودي

TT

مسألة تزايُد عدد ومبالغ الشيكات المرتدة، وبالأخص الشيكات دون رصيد، لا شك أنها كانت تمثل ضعفا وبقعة سوداء في التنظيم التجاري السعودي، بخلاف ما هو معمول به في مختلف دول العالم المتطور، وقد تأخرت الجهات التنظيمية - كثيرا - في معالجة ظاهرة انتشار الشيكات المرتجعة لعدم توفر رصيد كافٍ. إلى أن بلغ عدد القضايا القائمة لدى جهات الفصل في الأوراق التجارية بحسب الإحصائيات المعلنة خلال العام الماضي 5800 ووصل أجمالي قيمة قضايا الشيكات خلال ثلاث السنوات الماضية إلى 10 مليارات ريال (2.66 مليار دولار). فقد كانت قضية «فلتان» الشيكات دون رصيد تمثل نقطة سوداء في جسم الاقتصادي السعودي ونظامه التجاري. ولم تكن خسائر هذا الخلل النظامي محصورة في خسائر الأفراد ورجال الأعمال الذين كانت حقوقهم تضيع، بل كان تأثيرها سلبيا على الاقتصاد الوطني، وبالأخص دوره في جذب الاستثمارات المالية.

ولعلي لا أنظر إلى الجزء الفارغ من الكأس في هذه القضية، وأسلط الضوء على المملوء منه. وأقول إن النقلة النوعية في التنظيم تتمثل في اعتبار مصدر الشيك دون رصيد (بقصد التلاعب)، إنما هو يسيء للمجتمع ويؤثر سلبا على المصلحة العامة. وهو حدا بالنظام إلى إحالة هذا النوع من القضايا إلى هيئة التحقيق والادّعاء العام واعتبارها جريمة عامة تخضع لعقوبات الإجراءات الجزائية كأي جريمة أخرى. ولأن طول فترة التقاضي كانت واحدة من بين نقاط الضعف في قضايا الشيكات، فقد جاء النظام الجديد بإلزام محاكم الفصل في منازعات الأوراق التجارية لتصدر قراراتها خلال ثلاثين يوما من تاريخ إحالتها إليها. ولمعالجة مشكلة عدم اكتراث البعض من المتلاعبين، لعلمهم أن النهاية ستكون بإلزامهم بالدفع دون عقوبات رادعة، كأنهم يأخذون مهلة اختيارية. فقد شدد النظام على مرتكب هذه الجريمة بعقوبة السجن والتشهير في الصحف اليومية الصادرة في منطقة مرتكب الجريمة. ولأن هذا الأمر يحتاج إلىتعاون أكثر من جهة حكومية معنية لتفعيله، وأن المتلاعب في السابق كان يجد فرصته باستغلال الثغرات القانونية في ما يتعلق بالتنسيق بين الجهات المعنية، فقد تم تشكيل لجنة تنظيم هذا الأمر لتضم وزارات الداخلية، والعدل، والتجارة والصناعة، والاتصالات وتقنية المعلومات، والمالية (مصلحة الجمارك)، وكذلك مؤسسة البريد السعودي. ولأن البنوك طرف رئيسي في هذا الشأن فقد ضم التشكيل مؤسسة النقد العربي السعودي، لدراسة تفعيل المواد الخاصة بالعناوين في نظام الأحوال المدنية ونظام الإقامة ونظام السجل التجاري. وحتى يتم الوصول إلى المجرم فقد تضمن النظام إلزام كل مواطن أو مقيم أو مؤسسة أو شركة بوضع عنوان رسمي تنتج من المراسلة عليه الآثار القانونية وأن يلتزم كل منهم في حالة تغير ذلك العنوان بتحديد عنوانه الجديد.

ليأتِ التنظيم الجديد ليحفظ الحقوق بين المتعاملين ويلزم المقترضين بدفع ما عليهم من ديون ويقلل من السيولة النقدية المتداولة، وليزِدْ من حجم الإقراض ويحفز الاستثمارات المحلية ويجذب الاستثمارات الأجنبية، بما يصب في مصلحة النمو الاقتصادي الوطني.

ختاما... لا نريد لتحقيق المصلحة التي أرادها مجلس الوزراء بقراره بتنظيم الشيكات المرتدة، إلا تفعيل القرار وبرمجته في صورة آليات عملية يلتزم بها الجميع.

* كاتب ومحلل مالي