المفوضية الأوروبية تدعو قادة أوروبا إلى ضرورة إيجاد حل للأزمة اليونانية

باباندريو: لن نفلس.. وفي طريقنا للتنمية والاستقرار

أزمة اليونان من أهم القضايا التي سيناقشها الاتحاد الأوروبي في اجتماعه المقبل
TT

بعث رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو رسالة إلى قادة دول الاتحاد الأوروبي، قبل قمتهم المقرر عقدها يوم 25 مارس (آذار) الحالي في بروكسل، حثهم فيها على الموافقة على وضع آلية لتقديم مساعدة مالية لليونان إذا اقتضى الأمر ذلك، حتى يتم انتشال أثينا من الانهيار والتأثير سلبيا على بقية دول الاتحاد الأوروبي.

ودعا باروسو قادة الاتحاد الأوروبي إلى الاتفاق على هذه الأداة في أسرع وقت، موضحا أنه لا يوجد متسع كاف من الوقت للإبقاء على الوضع الحالي لمدة أطول، مؤكدا أن المفوضية على استعداد لعرض أداة مساعدة لليونان تتشكل من منظومة من القروض الثنائية المنسقة وفقا لما اتفق عليه وزراء مالية منطقة اليورو الأسبوع الماضي.

من جانبه، قال رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو «قراراتنا صارمة، وتضحياتنا إيجابية.. اليونان لن تفلس، ونحن حاليا في طريقنا للاستقرار والتنمية». وأوضح باباندريو في اجتماعه بالمجلس الوطني لحزب الباسوك الاشتراكي أن سيناريوهات إفلاس اليونان «في خبر كان».

بالإضافة إلى ذلك، وجه باباندريو رسالة إلى زعماء أوروبا «لن نطلب من أي شخص دفع ديوننا وتحمل أخطائنا»، كما تحدث عن «المهنئين» - حسب وصفه - والذين كما ذكر يشيعون أخبارا كاذبة عن اليونان مع اعتبارات واضحة.

وأبلغ باباندريو اجتماعا سنويا لنقابة العاملين في القطاع الخاص باليونان أن البلاد في حالة حرب، وفي معركة ضد المصالح الخاصة سواء في الداخل أو الخارج.. موضحا أن هذه المعركة موجهة ضد المضاربين، ومن أجل تحقيق الشفافية، بحيث تكون الأسواق في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة السوق.

من جهتها، أوضحت ألمانيا، أول من أمس، أنها لا تستبعد اللجوء إلى موارد صندوق النقد الدولي لمساعدة اليونان إذا ما اقتضى الأمر، وبرلين ليست الوحيدة التي تتبنى هذا الموقف، حيث إن كلا من هولندا وفنلندا والسويد وبريطانيا وإيطاليا، تطرح بدورها إمكانية اللجوء ولو جزئيا إلى صندوق النقد الدولي في إطار آلية دعم مالي.

تجدر الإشارة إلى أن دول منطقة اليورو الست عشرة كانت قد رفضت في بداية الأمر بالإجماع فكرة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، تحت ذريعة أن ذلك سوف يشكل اعترافا بفشلها، وحتى الآن تعارض المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي بالإضافة إلى فرنسا هذا الخيار.

لكن يبدو أن هذه الجهات بدأت تتساهل في موقفها تجاه مواجهة تشدد ألمانيا التي لا تريد أن تدفع سنتا واحدا للمساعدة في حل مشكلات اليونان المالية، ولكن الحل الأوروبي الأخير لم يستبعد كليا بعد، فرغم التحفظات الألمانية القوية يخضع رؤساء الدول والحكومات الأوروبية لضغوط قوية للموافقة ولو على الأقل خلال قمتهم (الخميس والجمعة القادمين) في بروكسل، على وضع آلية لتقديم مساعدة مالية لليونان تستخدم عند الضرورة.

يذكر أن رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو - وهو صديق شخصي لباروسو - يتمتع بدعم بروكسل التي دعت الجمعة إلى «التوصل خلال الأسبوع المقبل إلى اتفاق أكثر تحديدا» بشأن هذه الأداة، وقد اتفق وزراء مالية منطقة اليورو بالفعل أخيرا على الخطوط العريضة للخطة.

ويرى الكثير من المراقبين والخبراء الاقتصاديين في بروكسل، أن التراجع الذي عرفه اليورو مع نهاية الأسبوع الماضي تحت وطأة المخاوف بشأن عجز الميزانية في اليونان، ربما يستمر أو على أكثر تقدير يحافظ على المستوى الذي وصل إليه اليومين الماضيين، وذلك في ظل حالة من الترقب لما سوف تسفر عنه المشاورات التي تجرى حاليا بين عدد من العواصم الأوروبية، والاجتماع المقرر في بروكسل للنظر في ملف الأزمة اليونانية.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قال لخضر فرات، المتابع للشؤون الاقتصادية في المركز الصحافي بمقر المفوضية ببروكسل «الجميع ينتظرون ما سوف تسفر عنه القمة، التي ستبحث كيفية مساعدة اليونان، ولا شك أن الأزمة التي عرفتها اليونان كانت لها تأثيراتها على اليورو. وإذا كانت هناك عوامل أخرى لها علاقة بهذا الأمر فإن الأزمة اليونانية تعتبر هي الأساسية الآن في تراجع اليورو، أضف إلى ذلك عدم وجود آليات أوروبية للتعامل مع مثل هذه الأمور».

وبعد أن استقر سعر صرف العملة الأوروبية اليورو أمام الدولار في مستهل التعاملات الأوروبية مع بداية التداول (صباح يوم الجمعة الماضي) وسجل اليورو 1.3613 دولار، وبلغت قيمة الدولار 0.7349 من اليورو. إلا أنه عند الإغلاق تراجع اليورو وسجل 1.3587.

وبعد أن حدد البنك المركزي الأوروبي السعر الاسترشادي لليورو بـ1.3660 دولار، مقابل 1.3756 دولار يوم الأربعاء الماضي.

وألقت الأزمة المالية لليونان بظلالها أيضا الخميس على سعر اليورو، وتراجع تحت مستوى 1.36 دولار، بعد أن سجل يوم الأربعاء أعلى سعر له أمام الدولار منذ التاسع من فبراير (شباط) الماضي.

وبعدما قالت وكالة «فيتش ريتنجز» للتصنيفات الائتمانية إنها ما زالت تحتفظ بتوقعات سلبية بشأن التصنيف الائتماني للبرتغال، غذى ذلك مخاوف من أن اقتصادات منطقة اليورو قد تواجه مشكلات ديون مشابهة لمشكلات اليونان التي دفعت أزمتها المالية المستثمرين لتجنب اليورو في الأسابيع الماضية. ويقول الإيطالي أنطونيو سيمناتوري، من مراكز للدراسات الاقتصادية في بروكسل، إن «الأزمة اليونانية لا تزال تتصدر العوامل المؤثرة في أسواق العملات الأجنبية في الفترة الحالية، خاصة في اتجاهات العملة الأوروبية الموحدة اليورو، حيث شهدنا الأسبوع الماضي استمرارا للأخبار حول حلول وتحديات الحلول لهذه الأزمة، والتي أثرت بدورها على سعر صرف اليورو مقابل العملات الأخرى». وقد تباينت تأثيرات هذه الأخبار ما بين السلبية والإيجابية دافعة باليورو للتحرك خلال الأسبوع الماضي ضمن نطاق تذبذب ما بين مستوى 1.3434 وهو المستوى الأدنى منذ شهر مايو (أيار) 2009 ومستوى 1.3734.

ويقول الهولندي كريس فاندنبروك، إن الفترة الأخيرة عرفت تطورات، تأرجحت معها أسعار الصرف، مما يظهر مدى تأثر اليورو بالأزمة اليونانية. ومن جانبه، يشير الخبير الاقتصادي اليوناني نيكروس تيبوس إلى أن الأوساط والدوائر المالية والاقتصادية، تفاءلت بخطوة اليونان، التي تمكنت خلالها من الحصول على تصويت البرلمان على باقة من إجراءات التقشف، وقابلت هذا التصويت احتجاجات في اليونان، فيما بقيت التصريحات من ألمانيا، الاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو، تنفي أي مساعدات يمكن أن تقدم لليونان للخروج من الأزمة، بالإضافة إلى جولة رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو إلى واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية، في محاولة للحصول على الدعم لمساندة دولته المثقلة بالديون. وتقول التقارير الإعلامية المختلفة إنه بناء على التطورات الأخيرة، فمن المبكر توقع انتهاء الأزمة وتناسي السوق لهذه الأزمة بسرعة، في ظل بقاء التساؤل في الأسواق عن مدى قدرة الاتحاد الأوروبي على حل الأزمات داخليا، خاصة بعد أن أصبحت المؤشرات تشير إلى احتمال لجوء اليونان للبنك الدولي لمساعدتها، وهو ما تفسره الأسواق بأنه فشل للاتحاد الأوروبي في حل أزماته. وفي الوقت الذي يهتم فيه رجل الشارع الأوروبي بمتابعة تطورات الأزمة اليونانية، يشدد الكثير من المسؤولين الأوروبيين على ضرورة الحفاظ على اليورو، ويحاول البعض الآخر طمأنة الرأي العام الأوروبي على اليورو.

ومن جانبه، شدد حاكم المصرف المركزي الإيطالي ماريو دراغي على ضرورة «صون» اليورو باعتباره «ملاذا آمنا للاستقرار» الاقتصادي.

وأوضح دراغي، العضو في مجلس المصرف المركزي الأوروبي، في مقابلة مع وسائل إعلام أوروبية، أن «الأولوية تكمن في وضع استراتيجية محددة وواضحة للخروج من العجز المرتفع في الموازنة الأوروبية». وأضاف أن «أزمة الديون الأخيرة في اليونان أظهرت ضرورة إصلاح نظامي النمو والاستقرار في أوروبا، أو على الأقل يتوجب على الدول الأوروبية أن تقبل ببعض الآليات التي تحسن من مستوى التعاون بين الحكومات وترفع من وتيرة الانضباط». ورأى المسؤول المصرفي الإيطالي أنه «ليس بوسعنا تصور حل المشكلة من خلال صندوق أوروبي»، ودعا إلى «ربط بين السياسات الاقتصادية الأوروبية حتى تكون هناك في زمن الأزمات آلية متطورة لتحديد ورصد وتدابير التنفيذ». وأشار دراغي إلى أنه «ربما لا يكون صندوق النقد الأوروبي ضروريا، فالمطلوب في منطقة اليورو هو تحكم أقوى بالاقتصاد وإجراء الإصلاحات الهيكلية، وفرض الانضباط على نحو منسق».

وفي إجابة عن سؤال يقول هل اليورو في خطر؟.. أجاب رئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه «بالتأكيد اليورو ليس في خطر، فهو تحت حراسة أياد أمينة. لكن علينا ألا نكون راضين ومجاملين. على غرار كل المصارف المركزية في العالم نواجه تحديات، وعلينا التصدي لهذه الأزمة والتغلب عليها. يجب علينا جميعا مواجهة التحديات الجديدة لهذا العهد، وسنحاول جميعا الوصول إلى هذا الهدف. يجب علي أن أقول إننا نتعاون بشكل لافت وبكل ثقة مع كل أصدقائنا في البنوك المركزية الأخرى، بما فيها بطبيعة الحال البنك المركزي للولايات المتحدة الأميركية».