السعودية تخوض معركة العطش

التخطيط لاستثمار 53 مليار دولار في تحلية المياه حتى عام 2025

TT

تمثل السعودية واحدة من أهم الدول المنتجة للمياه العذبة من ماء البحر، حيث تستولي على حصة تقارب الثلث، من خلال إنتاج محطاتها على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي، إلا أن 52 في المائة من ذلك الإنتاج قادم من محطات في مرحلة الشيخوخة، حيث تجاوز عمرها الافتراضي 25 سنة.

وفي حين تعد السعودية إحدى أفقر دول العالم من ناحية المائية فإن نظامها المائي يعد من ناحية الأسعار الأقل، حيث لا تتجاوز تعرفة المتر المربع من المياه 12 هللة، حيث يدفع المستهلك 0.12 ريال كتعرفة للمتر المربع من المياه المحلاة. ويقول المهندس ثابت اللهيبي، نائب محافظ «المؤسسة العامة لتحلية المياه»، إن تكلفة الإنتاج من المحطات التي تنتج أقل من 20 ألف متر مكعب يوميا تصل إلى 12 ريالا، وهو ما يكلف الخزينة العامة مبالغ هائلة في سبيل إنتاج المياه. لكن ذلك ليس المشكلة وحدها، ففي مدينة بحجم الرياض تضم ما يقرب من 5 ملايين نسمة تتحمل الخزينة العامة هدرا مائيا يقدر بمليون ريال (266 ألف دولار) يوميا، كما تخسر البلاد في المجمل ما بين 20 إلى 25 في المائة من مياهها بسبب التسربات الناجمة عن البنى التحتية القديمة والمتهالكة.

السعودية البلد الصحراوي تتسم الطبيعة فيه بالجفاف الحاد والمستويات المنخفضة من مصادر المياه المتجددة، تذهب 86 في المائة من قدراته المائية إلى الزراعة، بينما لا يتجاوز الاستهلاك البشري والصناعي من المياه 14 في المائة، حيث سعت للاكتفاء الذاتي من محاصيل تتطلب كميات كبيرة من المياه، مما ضغط على الموارد المائية بشكل كبير. وتبلغ الحصة السنوية للفرد السعودي من المياه المتجددة نحو 95.23 متر مكعب فقط، أي أقل من سُبع نصيب الفرد المصري، ونحو عُشر نصيب الفرد اللبناني من هذه المياه. وبالنظر إلى ميزانية العام الجاري 2010، زادت السعودية الاعتمادات المالية لقطاعات المياه والزراعة والبنى التحتية بنسبة 30 في المائة، حيث خصصت لها ستة وأربعين مليار ريال (12.266 مليار دولار) أي ما يعادل 8.5 في المائة من إجمالي الميزانية العامة.

وأوضحت الحكومة السعودية حينها أن هذه الاعتمادات ستنفق على المشروعات الجديدة الرامية إلى تعزيز مصادر المياه وبناء السدود وحفر الآبار الارتوازية، إضافة إلى تحسين شبكات الصرف الصحي وتطوير وتحديث محطات تحلية مياه البحر. وبالعودة إلى المهندس اللهيبي الذي يقول إن خبراء «المؤسسة العامة لتحلية المياه» يخوضون سباقا مع الزمن للكشف عن تقنيات متقدمة في تحلية المياه، حيث قال إن كثيرا من المحطات في الفترة الحالية تطور من قبل هؤلاء الخبراء، كما أنتجت المؤسسة عبر مركزها البحثي التابع لمعهدها في مدينة الجبيل شرق السعودية الأغشية النانوية وهي نظام متقدم في عملية التحلية، حصلت المؤسسة بموجبه على براءات ابتكار عالمية.

ويعول المسؤولون عن تحلية المياه على مرحلة التخصيص المرتقبة التي يتوقع أن تتحول المؤسسة بموجبها من مؤسسة حكومية إلى مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص تعمل وفق الربحية التجارية ووفق قواعد القطاع الخاص. وتُظهر قاعدة البيانات المائية لمنظمة الفاو أن بحسب تقرير صدر في السعودية أخيرا أن الاحتياطيات المائية المؤكدة للسعودية تبلغ 338 كيلومترا مكعبا، إضافة إلى احتياطيات ثانوية محتملة تقدر بنحو 500 كيلومتر مكعب، في حين تقول المنظمة إن مصادر المياه الجوفية السعودية تتركز في الآبار الارتوازية القديمة التي تقع في الأجزاء الشرقية والوسطى للمملكة وتبلغ قدرتها الطبيعية على التجدد، نحو 3.5 مليون متر مكعب يوميا فقط.

وأعلنت الحكومة السعودية أنها تخطط لاستثمارات بـ 200 مليار ريال (53.33 مليار دولار) خلال الـ15 سنة المقبلة، وذلك لبناء مشروعات لتحلية مياه البحر، إلا أن الخبراء يرون أن السعودية بحاجة إلى رفع هذا الرقم لنحو 50 في المائة حتى تفي بحاجاتها المائية.

وتنتج «المؤسسة العامة لتحلية المياه»، التي تدير 36 محطة لتحلية مياه البحر على السواحل الشرقية والغربية للبلاد، ويقع معظمها على طول ساحل البحر الأحمر، نحو 1055.7 مليون متر مكعب في عام 2008 - أي بزيادة قدرها 24 في المائة - بالمقارنة مع مستويات عام 2001، هذا الإنتاج يمثل 40 في المائة من حاجة البلاد إلى المياه.

وتشير الأرقام أن حجم الاستهلاك بين عامي 1980 و2006 تضاعف ثلاث مرات في مياه الري بسبب المساعي التي دعمتها الحكومة لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية. وبلغ استهلاك السعودية من مياه الري خلال تلك الفترة نحو واحد وعشرين كيلومتر مكعب، طبقا لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو). وعلى الرغم من شح مصادرها من المياه المتجددة، سعت السعودية نفسها للتحول إلى مصدر للحليب والألبان، وسعت للاكتفاء الذاتي من القمح، وهو ما يعد عمليا تصديرا مكثفا للموارد المائية. وتوشك مصادر المياه الجوفية العميقة التي تمتلكها السعودية في الفترة الحالية على النضوب، إذ تشير بعض التقديرات إلى أنها لن تدوم لأكثر من خمس وعشرين سنة قادمة.

وتتحمل الخزينة العامة للدولة تكلفة هائلة، حيث يتم ضخ المياه المحلاة التي تنتج في الجبيل والخبر شرق السعودية إلى مسافة 400 كيلومتر لإمداد العاصمة الرياض بحاجاتها المائة.

وتقوم «المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة» بإنشاء أربعة عشر نظاما لتوزيع المياه، مما يتطلب مد أكثر من 4165 كيلومترا من خطوط الأنابيب. وتخطط هذه المؤسسة، التي توفر نحو 50 في المائة من احتياجات المنازل السعودية من المياه، لبناء نحو عشرين محطة جديدة لتحلية مياه البحر على السواحل الشرقية والغربية للبلاد.

ويرى الخبراء أنه في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة والمستثمرون لتطوير بعض المشروعات الرامية إلى تعزيز القدرة الإنتاجية لتحلية المياه، لا بد من إطلاق مبادرات أخرى لتحسين البنية التحتية القائمة من أجل تقليص الهدر.