المخاطر قد تكون أكبر على «غولدمان ساكس» وعلى باقي مصارف «وول ستريت»

تعتبر أول قضية كبرى تتناول دور إحدى شركات «وول ستريت» في فوضى الرهن العقاري.. وربما لن تكون الأخيرة

الدعوى القضائية ضد «غولدمان ساكس» تؤكد شكوك الكثير من الأميركيين تجاه «وول ستريت»، وأنه ثمة تلاعب لصالح المصارف (رويترز)
TT

بالنسبة إلى «غولدمان ساكس»، كانت هذه عملية صغيرة نسبيا. ومع ذلك، فقد تكون المخاطر أكبر بالنسبة إلى المصرف ومعه باقي مصارف «وول ستريت».

وقد بدأ يتردد صدى اتهامات بأن «غولدمان ساكس» احتال على عملائه الذين اشتروا استثمارات مرتبطة برهون عقارية محفوفة بقدر كبير من المخاطر في مختلف أنحاء القطاع المالي.

ويبدو أن الدعوى القضائية المدنية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية يوم الجمعة، تؤكد شكوك الكثير من الأميركيين تجاه «وول ستريت»، وأنه ثمة تلاعب لصالح المصارف. وهذه أول قضية كبرى تتناول دورا لإحدى شركات «وول ستريت» في فوضى الرهن العقاري. ويرى خبراء قانونيون أنها لن تكون الدعوى الأخيرة.

ويكتسب الوقت حساسية خاصة بالنسبة إلى «وول ستريت»، حيث يناقش واضعو السياسات داخل واشنطن تعديل التنظيمات المالية داخل الولايات المتحدة، ويمكن أن تقوي هذه الأخبار من موقف الراغبين في كبح جماح المصارف. وقد عزز الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم السبت من الضغوط من أجل إجراء إصلاح مالي، واتهم الجمهوريين بالقيام بهجمات «خادعة وماكرة» ضد مشروع القانون.

وربما توجه الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات لـ«وول ستريت» ضربة في مقتل، حيث يمكن أن تدفع إلى العشرات من الدعاوى القضائية من جانب المستثمرين ضد «غولدمان» وغيرها من الكيانات الضخمة داخل «وول ستريت»، ممن ابتكرت وباعت استثمارات مرتبطة بالرهون العقارية.

ويوم السبت، قال الكثير من المصارف الأوروبية التي خسرت أموالا الصفقة، إنها تجري مراجعة للأمر. وربما تسعى هذه المصارف إلى استعادة الأموال من «غولدمان». ويثير هذا الأمر تساؤلات مجددا عن «غولدمان»، وهو المصرف الذي يقع في مركز النفوذ السياسي والاقتصادي داخل «وول ستريت». وقد دافع «غولدمان» عن الإجراءات التي قام بها قبل الأزمة المالية وخلالها وبعدها. ويوم الجمعة، قال إن اتهامات لجنة الأوراق المالية والبورصات «لا أساس لها».

وقد لعبت «وول ستريت» دورا معقدا، وفي بعض الأحيان بدا متناقضا في الانهيار المرتبط بالرهون العقارية. وعمل «غولدمان» مع مصارف أخرى في السر، وتراكمت لديهم قروض منازل في شكل استثمارات باعوها لمستثمرين في مختلف أنحاء العالم. وفي الوقت الحالي، وبعد مرور 18 شهرا على قيام واشنطن بإنقاذ النظام المالي، لا يعرف بالضبط كم من الأموال ضاعت على هذه الاستثمارات.

وبالنسبة إلى الكثيرين، فإن استمرار «غولدمان» وغيره من المصارف في دفع مكافآت كبرى لموظفيهم، دليل على أن «وول ستريت» حصلت على صفقة جيدة على حساب دافعي الضرائب. وربما تعزز الاتهامات الموجهة ضد «غولدمان» من تلك الشكوك.

ويقول ستيف فرازر، وهو مؤرخ داخل «وول ستريت» ومؤلف «وول ستريت.. قصر أحلام أميركا»: «سوف تؤكد الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات، إن ثبت صحتها، للمواطنين شكوكهم إزاء أنانية هذه المؤسسات المالية. ولا يوجد شيء مدمر أكثر من ذلك، فهذا أمر أكثر من التهور، وأكثر من ضعف الكفاءة. إنه استغلال أناني ساخر وماكر».

ويوم الجمعة، تلقت أسهم «غولدمان» ضربة قوية وتراجعت قيمتها بنسبة 13 في المائة، مما أدى إلى تراجع القيمة السوقية للمصرف بنسبة 10 مليارات دولار. وكانت هذه إشارة محتملة إلى أن المستثمرين يخشون من أن الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات قد تدمر سمعة «غولدمان» وقدرته على الحفاظ على نفوذه في قطاعات كثيرة من الصناعة.

ومن غير الواضح ما إذا كان لجنة الأوراق المالية والبورصات يمكن أن تنتصر في معركتها القضائية ضد «غولدمان». ويؤكد المصرف باستمرار أنه يعطي أولوية لعملائه، وفي خطاب داخل آخر تقرير سنوية، أكد المصرف هذا الموقف. وكلفت العملية التجارية التي استشهدت بها لجنة الأوراق المالية والبورصات المستثمرين أكثر قليلا من مليار دولار، وهذا رقم بسيط نسبيا داخل «وول ستريت». ومع ذلك، يقول محللون داخل «وول ستريت» إن «غولدمان» وغيره من المصارف ربما يواجهون حاليا مخاطر أخرى، بعد أن نجوا من الأزمة المالية، وتتمثل هذه المخاطر في المستثمرين الغاضبين. وقد ابتكرت معظم المصارف الكبرى داخل «وول ستريت» التزامات دين مضمون، ويقع ذلك في قلب قضية «غولدمان». وقد تبين أن التزامات الدين المضمون، وهي عبارة عن مجموعة من الأوراق المالية المدعومة بالرهون العقارية وأوراق دين مالية أخرى، من بين أبرز الاستثمارات السامة التي ابتكرت.

ويقول ويليام تانونا، وهو محلل في «كولينز ستوارت»: «يحتمل أن ينظر أي مستثمر اشترى التزامات الدين المضمون وخسر كمية كبيرة من الأموال إلى استثماراتهم، وأن يريد معرفة التفاصيل التي كانت وراء عملية البيع». وأضاف: «هل يتصلون بلجنة الأوراق المالية والبورصات ويقولون: هذه هي العملية التي شاركنا فيها، ونود معرفة الجانب الآخر من العملية؟».

وتقول الدعوى القضائية إن الضحية الكبرى بين المستثمرين كان «رويال بنك أوف سكوتلاند»، الذي ورث خسائر قيمتها 841 مليون دولار، بعد أن استحوذ على بنك «إن بي أمرو» الهولندي. وحسبما أفاد شخص على إطلاع بالأمر، فإن «رويال بنك»، الذي تسيطر عليه الحكومة البريطانية حاليا، يدرس الوثائق، لكنه غير مستعد لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيسعى إلى استعادة الأموال من «غولدمان». ولا يزال المصرف الألماني «IKB Deutsche Industriebank»، ومعه الحكومة الألمانية التي أنفقت في عام 2007 المليارات من أجل منع «IKB» من الانهيار، يدرس الموقف القانون من أجل رفع دعوى محتملة.

ويواجه «غولدمان» ورطة في رد فعله، حيث تميل شركات «وول تسريت» إلى تسوية القضايا مثل هذا، ولكن أشار بيان أصدره مصرف «غولدمان» يوم الجمعة إلى أنه ينوي الدفاع، وربما يهدف من ذلك إلى تثبيط مستثمرين آخرين عن رفع دعاوى قضائية مماثلة. وربما يمهد هذا الأمر إلى معركة طويلة على الملأ.

وذكرت الدعوى القضائية التي رفعتها لجنة الأوراق المالية والبورصات اسم موظف واحد داخل «غولدمان»: فابريس توري، وهو نائب رئيس قسم عمليات الرهون العقارية في المصرف، الذي أشرف على العملية التجارية محل النزاع.

ولكن، يقول محامو أوراق مالية إنه يبدو أن توري سمكة صغيرة. وربما يحاول محققون فيدراليون الحصول على تعاونه وتوسيع تحقيقهم إلى موظفين آخرين داخل «غولدمان». ويوم الجمعة، لم يدل محامي توري بتعليق على الدعوى القضائية.

وثمة علامة استفهام كبيرة حول المدى الذي يمكن أن يصل إليه الأمر. وقالت لجنة الأوراق المالية والبورصات إن الصفقة المدرجة في دعواها القضائية وافقت عليه لجنة داخل «غولدمان»، وهي لجنة رأس مال الرهون العقارية.

ويقول برادلي سيمون، من «سيمون وشركاه» وهو محام داخل نيويورك: «من المعتاد أن يبدأوا بشخص في أسفل السلسلة ويحاولوا ممارسة ضغوط على هذا الشخص. هل من المقنع أنه لا يوجد شخص آخر متورط في ذلك؟».

وقال 4 موظفين سابقين في «غولدمان ساكس»، شرط عدم ذكر أسمائهم لحساسية الأمر، إنه عندما بدأ قطاع الإسكان يعاني أزمة في عام 2007، بدأ مسؤولون تنفيذيون داخل «غولدمان» يشرفون على قسم الرهون العقارية عن كثب.

وكان مسؤولون بارزون يقومون بزيارات دورية لتلك الوحدة. ومن بينهم كان ديفيد فينير، المسؤول المالي الرئيسي، وغاري كوهن، الذي كان حينها الرئيس المشارك، وبابلو سالام، مسؤول التداول والمبيعات، حسبما قال الموظفون السابقون. وكان الرئيس التنفيذي داخل «غولدمان» ليلويد بلانكفين مشاركا في ذلك.

وكان مسؤولون تنفيذيون يجتمعون بصورة منتظمة مع دان سباركس، رئيس وحدة تداول الرهون العقارية الذي تقاعد في ربيع 2008. ووجه مديرون تعليمات للكثير من المتداولين للقيام ببيع استثمارات مرتبطة بقطاع الإسكان. وفي الواقع، دفعوا توري وزميل، جوناثان إغول، إلى وضع رهانات أكبر في مقابل استثمارات رهون عقارية، حسبما قال الموظفون السابقون.

وقال متحدث باسم «غولدمان» يوم السبت إن المسؤولين التنفيذيين البارزين لم يكونوا مشاركين في الموافقة على الصفقة التي ذكرتها لجنة الأوراق المالية والبورصات، وإن دورهم في قسم الرهون العقارية في 2007 كان مرتبطا برغبتهم في موازنة الرهانات الإيجابية في قطاع الإسكان التي قامت المصارف بها فعلا.

وقد مثل بلانكفين أمام لجنة في الكونغرس لسؤاله عن الأدوات السامة التي ابتكرها «غولدمان» وباعها، على الرغم من أن المصرف كان يدرك أن سوق الإسكان في مشكلة. ويبدو أن التصريحات العلنية الأخيرة التي أدلى بها بلانكفين تتناقض مع رواية لجنة الأوراق المالية والبورصات. وفي شهادة خلال يناير (كانون الثاني) أمام لجنة التحقيق في الأزمة المالية، وهي اللجنة التي عينها الكونغرس من أجل دراسة أسباب الأزمة، وصف نهج «غولدمان» في التعامل مع عملائه: «بالطبع، لدينا التزام بالكشف التام عن الأداة التي نستخدمها، وأن نكون أمناء في عملياتنا، ولكننا لا ندير أموال شخص آخر».

ولكن، تقول دعوى لجنة الأوراق المالية والبورصات إن «غولدمان» ضلل المستثمرين. وتضيف اللجنة إن المصرف لم يخبرهم بأن سندات الرهن العقاري التي تدعم الاستثمار اختارها مدير صندوق تحوط أراد أن يراهن ضد الاستثمار. وتضيف اللجنة أن هذه السندات كانت عرضة للمخاطر على وجه الخصوص.