تقرير: الأزمة المالية أفرزت أزمة ثقة بين أثرياء العالم وخبراء الاستثمار

خسارة نصف ثروة تبلغ 100 مليون دولار لا تعني تخفيض الإنفاق على الرفاهية

TT

قال تقرير اقتصادي حديث إن الأزمة المالية أدت إلى أزمة ثقة بين أصحاب الثروات الطائلة وخبراء الاستثمار، بحيث يبدو أن كبار الأغنياء قد تعرضوا أكثر لفئات الأصول التي كان أداؤها سيئا خلال تراجع النشاط الاقتصادي، ومن هذه الفئات: العقارات التجارية والاستثمارات المعقدة والاستثمارات التي يصعب تحويلها إلى سيولة. ونتيجة لذلك فإن ثقتهم على الأرجح قد تراجعت إلى حد أكبر بكثير من المستثمرين الآخرين، كما يبدو أن كبار الأثرياء وجدوا أن الثقة والشفافية أكثر أهمية من العائدات المرتفعة.

وتسببت الأزمة المالية العالمية في أزمة ثقة في أوساط كبار أثرياء العالم، «ويتجلى ذلك واضحا من خلال اتخاذهم مزيدا من الإجراءات حرصا على ضبط استثماراتهم، بالإضافة إلى سعيهم إلى المزيد من المساءلة عند المنح الخيري، وإصرارهم للحصول على جودة أعلى عندما تتعلق المسألة بأمور الرفاهية»، وذلك وفقا لتقرير جديد صادر عن وحدة «إيكونوميست» للمعلومات، تسلمت «الشرق الأوسط» نسخة منه.

التقرير أجرته وحدة «إيكونوميست» للمعلومات، وقامت من خلاله بإجراء 24 مقابلة بشأن هذا التقرير، بما في ذلك 11 مقابلة معمّقة مع مجموعة من أصحاب الثروات الطائلة من جميع أنحاء العالم.

وأفرز التقرير أن هناك سبعة اتجاهات رئيسية للاستثمار والمنح الخيري والإنفاق بين كبار الأغنياء، حيث يبرز كيفية تغيّر سلوك ومواقف أصحاب الثروات الطائلة (الذين لديهم أكثر من 30 مليون دولار أميركي من الأصول القابلة للاستثمار) منذ بداية أسوأ أزمة مالية منذ «الكساد العظيم». وحسب أحد التقديرات، انخفض عدد أصحاب الثروات الطائلة عالميا بما يقارب الربع من 2008 إلى 2009 وانخفضت ثرواتهم بنسبة 24%.

ويقول أحد أصحاب الثروات الطائلة من الأميركيين في أثناء مقابلة أُجريت بشأن هذا التقرير: «يعتري معظم كبار الأثرياء في الوقت الراهن شعور بالارتباك الشديد، وأعتقد أن الشيء الأهم الذي نبحث عنه هو شخص يمكننا الوثوق به، وكلما ازداد نطاق الثروة ازداد بحثنا عن ذلك».

أما جيسون سومنر، المحرر في وحدة «إيكونوميست» للمعلومات فإنه يقول: «يرغب كبار الأغنياء الآن وأكثر من أي وقت مضى في أن يدركوا أين تذهب أموالهم. وقد تكون لديهم أهداف مختلفة للاستثمارات والمنح والإنفاق، ولكن تراجع النشاط الاقتصادي يدفعهم في كل مجال ليكونوا أكثر تشكيكا، وأن يطرحوا المزيد من الأسئلة، وأن يقوموا بدور عملي ومباشر أكثر في بعض الحالات».

وحدد التقرير اتجاهات سبعة رئيسية تم تحديدها في أوساط أثرياء العالم، أولها أن الأزمة المالية أدت إلى أزمة ثقة بين أصحاب الثروات الطائلة وخبراء الاستثمار، أما ثاني هذه الاتجاهات فإنه عندما يتعلق الأمر بالمجال الذي يستثمر فيه كبار الأثرياء أموالهم، تتراوح الاستثمارات بين التعقيد الشديد مثل صناديق التحوّط والمشتقات، والبساطة الشديدة مثل النقد. ويتوقع كبار الأثرياء أن العائدات ستنخفض في ظل تراجع النشاط الاقتصادي، ولكن استثمارات الأزمة الأخيرة كانت غير متوقعة، حيث إن أداءها في بعض الحالات كان بعكس ما هو مستهدف. ويعتقد خبراء الثروات أنه لا مفرّ من عودة كبار الأثرياء إلى المنتجات الأكثر تعقيدا، ولكن في المستقبل القريب سيؤدي فقدان الثقة إلى صعوبة أكثر في تحفيزهم على هذه المنتجات، حتى ولو كانت العوائد المقررة مرتفعة أكثر. كما يطلب كبار الأثرياء من مستشاريهم تقارير أكثر انتظاما، وأبحاثا أكثر وضوحا، ومشهدا أكثر شمولا لاحتياجاتهم.

ثالث الاتجاهات هي أنه ومع أن المنح الخيري متوقف بشكل عام، فإن معظم كبار الأثرياء يعتزمون الحفاظ على مستوى التبرعات أو زيادتها، حيث يبدو أن تراجع النشاط الاقتصادي تسبب في انخفاض العمل الخيري عبر معظم مستويات الدخل في المجتمع. ومع ذلك يقول كبار الأثرياء، الذين حافظوا على مراكزهم في أعلى الهرم، إنهم يعتزمون الحفاظ على مستويات المنح الخيري أو زيادتها. وسبب ذلك في بعض الحالات أنهم أقاموا مؤسسات لا تعتمد في مردودها على الدورات الاقتصادية. والأهم من ذلك، كما يقول كبار الأثرياء لدى مقابلتهم بشأن هذا التقرير، أن المنح هو نتيجة «حالة مزاجية» أكثر من كونه نتيجة تحقيق أو عدم تحقيق المعدل المطلوب لثرواتهم الطائلة إجمالا.

وإلى جانب الحفاظ على مستويات المنح الخيري يركّز كبار الأثرياء بشكل متزايد على التحقق من النتائج الإيجابية في المجتمع وتحسين المساءلة في القطاع الخيري، وهذا هو الاتجاه الرابع كما يشير التقرير، فقد كان هذا التوجّه موجودا قبل الأزمة، ولكن يبدو أنه تعزّز في ظل الركود الاقتصادي. حيث يريد كبار الأثرياء أن يتأكدوا من أن أموالهم تذهب إلى الناس الذين هم في حاجة ماسّة إليها، وذلك بعد ملاحظة بعض الأمثلة في العقدين الماضيين بأن النوايا الطيبة لا تقابلها دائما نتائج فعلية. كما أن الركود الاقتصادي جعلهم أكثر وعيا حيال العائدات الاجتماعية. وفي كثير من الأحيان يتوفر لكبار الأثرياء إجمالا مزيد من الوقت لضمان المساءلة وإيلاء الاهتمام للمشاريع المختارة.

الاتجاه الخامس يؤكد أن هناك تحسّنا واضحا في مجال العمل الخيري في الهند والصين، وذلك مع زيادة الثروة وإدراك الحكومات لقيمة الاستفادة من خبرات رجال الأعمال الأثرياء. ويعتبر العمل الخيري بين كبار الأثرياء في الأسواق الناشئة مثل الهند والصين في مراحله الأولى، ففي الهند يبدو أن «انعدام الأمن» لدى الأثرياء يدفعهم إلى إبقاء العمل الخيري ضمن الدين أو الطائفة أو المجتمع المحلي المباشر. ومع تلاشي انعدام الأمن تدريجيا يتوقع المراقبون ازدياد المنح الخيري. أما في الصين فتشجّع الحكومة العمل الخيري وفي نفس الوقت تقلل من دورها في دفع الأموال لحل المشكلات الاجتماعية.

لعل اللافت في توجهات الأثرياء، كما يشير الاتجاه السادس، أنه لا تنطبق «ظاهرة التقشف الجديدة» على كبار الأثرياء باعتبار أنهم سوف ينفقون بقدر ما كانوا يفعلون قبل تراجع النشاط الاقتصادي، ولكن بشكل أقل وضوحا، حيث إن خسارة نصف ثروة تبلغ 100 مليون دولار أميركي لا تعني بالضرورة تخفيض الإنفاق على الرفاهية، ويبدو أن أغلب كبار الأثرياء لا يطبّقون هذا التخفيض. ومع ذلك فقد غيّروا أساليب الإنفاق لديهم بطرق أكثر دهاء. ويكمن أحد أسباب ذلك في أن الركود الاقتصادي دفعهم إلى إعادة تقييم ما يعتبرونه قيما حقا (مثل جودة التجربة مقابل الجواهر)، والسبب الآخر هو أنهم على وعي بأن لا يظهروا غير متجاوبين مع الظروف الاقتصادية الأوسع نطاقا.

وأخيرا فإن كبار الأثرياء يريدون من شركات سلع الرفاهية أن تبيعهم خدمات عالية الجودة و«أشياء ذات ميزات خاصة»، أكثر من مجرد منتج بسعر حصري، حيث يبدو أن الركود الاقتصادي عمل على تسريع وتيرة هذا «التوجه إلى الجودة» في عادات الشراء. ويقول كبار الأثرياء إنهم يرغبون في منتجات أفضل وأطول أمدا وأكثر رفقا بالبيئة. وسيدفعون نقودهم مقابل جودة التجربة والخدمة أكثر من مجرد شراء السلع. ورغم ذلك تنقسم الآراء حسب استمرارية هذه الاتجاهات، حيث يتوقع الكثيرون أن الرغبة في سلع الرفاهية ستعود مع التحسن المقبل في دورة الأعمال.