اليونان: إجراءات أكثر تقشفا تلغي وتدمج عشرات المؤسسات والهيئات

المعارضة تتهم الحكومة بتسليم البلاد إلى صندوق النقد الدولي

توقفت السفن في موانئ اليونان ضمن إضراب الاثنين لمدة 24 ساعة ويتكرر في الأول من مايو («الشرق الأوسط»)
TT

أعلنت الحكومة اليونانية أمس (الاثنين) دمج عشرات الهيئات العامة ومراكز الخدمات وإلغاء الكثير منها، وذلك في إطار الخطط التقشفية الجديدة لمواجهة الأزمة المالية وإنقاذ البلاد من الانهيار. جاء ذلك عقب اجتماع ضم رئيس الوزراء جورج باباندريو ونائبه ثيوظورس بانجلوس ونائب وزير المالية سيشينيديس. ومن المتوقع أن يتم الإعلان بمرور الوقت عن عدد من الإجراءات التقشفية الصارمة الأخرى، ولكن يبدو أن الحكومة لا تريد أن تعلنها جميعها. وتشير التقارير إلى أن ضمن الإجراءات الجديدة إلغاء الراتب الثالث عشر وخفض المعاشات.

في غضون ذلك، ربضت السفن والعبارات أمس في الموانئ اليونانية في إطار الإضراب الذي نظم أمس لمدة 24 ساعة وسوف يتم تكراره في الأول من مايو (أيار) المقبل، ولم تبحر أي سفينة إلى الجزر اليونانية، كما أعلن قائدو الطائرات الحربية الإضراب عن العمل، ولم تحلق أي طائرة عسكرية أمس في بحر إيجة. وتعتبر هذه من أهم المشكلات التي تواجهها اليونان، حيث يرفض قائدو الطائرات الاشتراك في التدريبات، والتحليق الاستكشافي، وذلك في إطار الاحتجاج على الخطط التقشفية التي طالت الجيش والعاملين فيه.

من جانبها أعلنت وزارة التنمية الزراعية عن إلغاء 55 مركزا محليا للتنمية الريفية، واقترحت وزارة الصحة إلغاء عدد من مؤسسات الرعاية الاجتماعية ودمج عدد من المستشفيات الحكومية، وأعلنت وزيرة الصحة مارليزا كسينويانكوبولو إلغاء المركز الوطني للبحوث الصحية ودمج 8 مؤسسات غير عملية في قطاع الصحة. كما تم الإعلان عن إلغاء شركة القرية الأولمبية، التي تعمل بإشراف وزارة العمل، ومدرسة التعليم المهني التي تشرف عليها وزارة المالية، وإلغاء صندوق مواجهة الكوارث الذي يترأسه وزير الخارجية الأسبق بيتروس مولفياديس، وإلغاء المنظمات والهيئات التالية: هيئة الإسكان العامة، وشركات توزيع الغاز، وهيئة دعم الثقافة اليونانية، ومتحف سالونيكي للسينما، والمتاحف والمكتبات التابعة للمطبعة الوطنية. كما اقترحت وزارة التنمية دمج شركة الباصات مع مترو الإنفاق، وأيضا شركة الحافلات الزرقاء العامة مع شركة الترولي.

وما زالت ردود الفعل السلبية مستمرة في الأوساط السياسية والشعبية تجاه قرار الحكومة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي. ووجه أندونس سامراس زعيم المعارضة في البرلمان اليوناني، انتقادات لاذعة إلى الحكومة، التي وصفها بأنها سلمت البلاد إلى صندوق النقد الدولي، وذلك بعد أن بدت الأمور غير واضحة ولا تزال الحكومة غير واثقة من حصولها على المساعدة المالية التي وعدها بها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.

وانتقدت المعارضة المؤلفة من الحزب المحافظ والحزب الشيوعي، رئيس الوزراء باباندريو لطلبه مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، التي يمكن أن يستغرق الحصول عليها أسابيع وتتطلب مزيدا من التضحيات من اليونان، إضافة إلى الإجراءات التقشفية المثيرة للجدل التي فرضتها الحكومة، وسوف يشارك اليوم العمال والموظفون في هيئة المواصلات العامة في الإضراب والمظاهرات التي تنظمها النقابات العمالية، مما يترتب عليه إيقاف جميع وسائل المواصلات العامة في البلاد من الساعة 11 ظهرا حتى 5 عصرا. وتعددت المقالات الافتتاحية للصحف اليونانية حول الأزمة وتداعياتها وطلب المعونة، فكتبت صحيفة «اليفثيروس تيبوس» المعارضة: «نحن جميعا نحاول أن نفهم آلية الدعم الشهيرة هذه»، وأضافت: «ولكن يبدو أننا لن نحصل على أي تفاصيل في وقت قريب.. ويبدو أن علينا الانتظار 10 أيام قبل أن نعرف ما الذي سوف نتخلى عنه للحصول على المساعدة».

أما صحيفة «تا نيا» الموالية للحكومة، فكتبت في افتتاحيتها: «منذ الدعوة للحصول على المساعدة، تغير كل شيء إلى الأسوأ»، وأضافت: «يجب على الأحزاب السياسية أن تغير أساليبها.. إن واجبها في ظل هذه الظروف هي حماية البلاد والمجتمع، ولا تسنح أي فرصة أخرى».

بالإشارة إلى أن العملة الأوروبية الموحدة «يورو» تضررت بشدة بأزمة اليونان الاقتصادية، وأدخلت منطقة اليورو في أسوأ أزمة تشهدها منذ إنشائها قبل 11 عاما، وسلطت الأضواء على دول أخرى في منطقة اليورو تعاني مشكلات مالية، وبخاصة البرتغال وإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا.

وذكر وزير المالية اليوناني جورج باباكوستانتينو، أن بلاده في طريقها للحصول على الدفعة الأولى من حزمة المساعدات الطارئة، بعد إنهاء المناقشات مع صندوق النقد الدولي، وفي الوقت نفسه حذر المستثمرين من فقدان ثرواتهم إذا استمروا في المراهنة على عدم مقدرة اليونان على سداد ديونها. وقال وزير المالية اليوناني ردا على سؤال حول إعادة هيكلة الديون: «هذا سيناريو ليس له أساس»، وأكد أن «اليونان هي عضو في منطقة اليورو وسوف تبقى كذلك، وستبقى دائما داخل الاتحاد الأوروبي».

من جانبه، أكد مدير صندوق النقد الدولي أن المحادثات سوف تنتهي في الوقت المناسب مع تلبية احتياجات اليونان، حيث يتعين على اليونان بحلول 19 مايو المقبل أن تسدد 11.3 مليار دولار، هي قيمة سندات مستحقة في ذلك التاريخ، وسيكون أي تأخر في السداد بمثابة الإشارة إلى فوضى عارمة سوف تحل بالأسواق بسبب قلق المستثمرين، وضعف الثقة تجاه قدرة الحكومة اليونانية على إنقاذ نفسها. وبلغت ديون اليونان نسبة 115 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي العام الماضي، بالإضافة إلى عجز في الموازنة العامة للدولة ناهز 14 في المائة، وهو الأمر الذي يجدد الشك دائما في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، مما دفعها إلى البحث عن طوق النجاة في حزمة مساعدات بنحو 45 مليار يورو.

من جهة أخرى، تماطل ألمانيا في تنفيذ حزمة المساعدات اليونانية. وبعد تصريحات من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمطالبة اليونان إقرار تدابير أكثر تقشفية وخطة إنقاذ مقنعة، انتقد رئيس البنك المركزي الألماني دور صندوق النقد الدولي في إطار خطة إنقاذ اليونان، موضحا أنه لمشكلة كبيرة أن يكون صندوق النقد الدولي ناشطا خارج دوره في تمويل العجز الجاري بالعملة الأجنبية، كما قال وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي بأن بلاده لن تقدم شيكا على بياض لليونان، وأضاف الوزير: «لا يمكن أن تكون هناك مساعدة إلا إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى لضمان استقرار عملتنا المشتركة».

من جانبه، تعهد رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو بمحاربة الفساد في البلاد، ومعاقبة المتهربين من الضرائب وتفعيل الشفافية في جميع القطاعات. وطالب باباندريو بدعم الشعب والمعارضة في مواجهة الأزمة المالية، وعدم البحث عن ذرائع للتخلي عن المسؤولية.