زوبعة الديون اليونانية تخرج من «الفنجان الأوروبي» لتمتد إلى آسيا وأميركا

أثارت مخاوف من عودة الاقتصاد العالمي إلى الركود

TT

بدأت المخاوف في أثينا، ثم امتدت عبر أرجاء أوروبا لتعصف مؤخرا بسوق الأسهم في الولايات المتحدة وتترك الآن تأثيرها على الاقتصاد العالمي الأوسع، حيث تبدو تأثيراتها على عناصر متنوعة من قدرة الشركات الآسيوية على جمع الأموال حتى التوقعات المرتبطة بأسواق المال، حيث يضع المدخرون الأميركيون أموالهم.

وبذلك نجد أنه ما كان يشكل ذات يوم قضية محلية مثيرة للقلق تتعلق بعبء الديون على كاهل واحدة من أصغر الاقتصادات الأوروبية سرعان ما اكتسب طابعا عالميا. وبالفعل، أجبر المستثمرون المتوترون البرازيل على تقليص مبيعاتها من السندات مع تفاقم أسعار الفائدة وألحقوا الضعف بعملات في آسيا، مثل العملة الكورية. وأرجأت عشر شركات في مختلف أرجاء العالم كانت تنوي إصدار أسهم، تنفيذ هذا القرار، وهو أكبر عدد من نوعه في أسبوع واحد منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2008.

ويهدد القلق العالمي المتنامي بإحداث تباطؤ في تحرك الاقتصاد الأميركي نحو استعادة نشاطه، حيث استعاد مؤشر نمو الوظائف نشاطه مؤخرا بعد اجتيازه أعمق فترة ركود يشهدها منذ «الكساد العظيم». ويمكن أن يتسبب ذلك أيضا في إعاقة الإنفاق الاستهلاكي مع انكماش محافظ الأسهم وتنامي صعوبة الحصول على قروض.

في هذا الصدد، قال إيان كيلسون، مدير صندوق السندات في لندن بالتعاون مع «تي. روي برايس»: «إنها ليست مشكلة أوروبية فحسب، وإنما تخص أيضا الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة في الوقت الراهن. إنها عابرة للحدود».

الملاحظ أن هذه الأزمة تنطوي على أخطار بالغة بالنسبة إلى أوروبا لدرجة دفعت قادة الدول الـ16 التي تستخدم اليورو إلى العمل حتى الساعات الأولى من صباح السبت حول مقترح لخلق ما يدعى بآلية لتحقيق الاستقرار ترمي إلى بث الطمأنينة من جديد في الأسواق. من المتوقع أن يجتمع وزراء المالية من جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة في بروكسل يوم الأحد لمناقشة، وربما الموافقة على المقترح.

من المحتمل أن تشكل هذه الآلية وسيلة أمام الدول لضمان القروض التي تحصل عليها المفوضية الأوروبية (الكيان التنفيذي داخل التكتل الأوروبي) لدعم الاقتصادات المتداعية. وأعلن قادة أوروبيون، بينهم نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي، صباح السبت، أن الاتحاد الأوروبي عليه الاستعداد لتفعيل الآلية بحلول صباح الاثنين (اليوم) إذا لزم الأمر.

من ناحيته، شدد جوزيف آر. بايدن، نائب الرئيس، خلال زيارته لإسبانيا السبت، على أهمية القضية بعد اجتماع مع جوزيه لويس رودريغيز زاباتيرو. وقال بايدن: «اتفقنا على أهمية اتخاذ إجراء أوروبي حاسم لتعزيز الاقتصاد الأوروبي وبناء الثقة في الأسواق. ونقلت من جانبي مساندة الولايات المتحدة لهذه الجهود».

بينما وراء أوروبا، بعثت الأزمة بموجات من الخوف عبر أسواق الأسهم العالمية.

جدير بالذكر أنه منذ عقد مضى، تطلب الأمر أكثر من عام قبل أن تشرع سلسلة التأثيرات المترتبة على بعضها المرتبطة بتقليل قيمة العملة التايلاندية في الانتشار إلى ما وراء آسيا وتمتد إلى داخل روسيا التي عجزت عن سداد ديونها، وتسبب ذلك في نهاية الأمر في شبه انهيار لصندوق تحوط أميركي عملاق، هو «لونغ تيرم كابيتال منيدجمنت».

في المقابل، أخذت هذه الأزمة تنتشر من دولة إلى أخرى في غضون ثوان، مع تخلي المضاربين على نحو متزامن عن كل شيء، بدءا من السندات البرتغالية ووصولا إلى الأسهم الممتازة. ونقلت شاشات التلفزيون في «وول ستريت» مساء الخميس صورا لأعمال شغب ليونانيين يعترضون على إجراءات التقشف، الأمر الذي زاد القلق مع تراجع سوق الأسهم قرابة 1000 نقطة.

من ناحيته، قال ويليام إتش. غروس، المدير الإداري لـ«بيمكو»، مدير السندات: «حتى الأسبوع الماضي، كانت هناك ثقة في أنه لا يمكن أن تضطرب الأوضاع قط ما دام بقي نمو الاقتصاد والوظائف إيجابيا. لكن الآن عادت المخاوف لتطل برأسها مجددا».

في الوقت الذي تتمثل الأسباب المباشرة للقلق في تفاقم العجز في ميزانية اليونان والمخاطر بإمكانية عجز الدول الهشة الأخرى، مثل إسبانيا والبرتغال عن سداد ديونها، كشفت حالة الفوضى تلك أيضا النقاب عن مخاوف أعمق حيال عدم إمكانية مضي الحكومات في الدول الكبرى مثل بريطانيا وألمانيا، بل وحتى الولايات المتحدة في الاقتراض.

في هذا الإطار، أوضح بيرون وين، الاستراتيجي البارز لدى «وول ستريت» الذي يعمل نائبا لرئيس «بلاكستون أدفيزوري بارتنرز»، أن «اليونان ربما لا تعدو كونها صيحة إنذار مبكر. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة بعيدة للغاية عن النقطة التي وصلتها اليونان، تبقى الحقيقة أن العالم المتقدم كان ينفق على نحو يفوق قدراته، وحان الآن وقت الحساب».

حال انتشار القلق، ربما تعود المصارف الأميركية إلى النهج الذي اتبعته بعد انهيار «ليمان برذرز» في خريف 2008، عندما قلصت بدرجة بالغة من الرهون العقارية والتمويل الموجه إلى قطاع السيارات والإقراض المتعلق ببطاقات الائتمان وقروض الشركات الصغيرة. ويمكن أن يسفر ذلك عن تقويض نمو الوظائف ووقف تحرك الاقتصاد نحو التعافي.

الواضح أن بعض الشركات الأميركية تواجه تكاليف أعلى فيما يخص تمويل ديونها، بينما تعاني جهات التصدير الكبرى انكماش مميزاتها التنافسية في مواجهة منافسيها الأوروبيين مع تزايد قوة الدولار. وفجأة، فقدت الأصول الأكثر مخاطرة، مثل الأسهم، بريقها بينما تدفقت الأموال النقدية نحو أكثر الاستثمارات أمانا على الإطلاق، وهو الذهب.

في الوقت الذي باتت اليونان مجبرة إلى دفع مزيد من الأموال كي تتمكن من الاقتراض، يجري إجبار الشركات الأميركية الأكثر مخاطرة على دفع مزيد من المال. ومن المحتمل أن تضطر بعض الجهات التي تصدر سندات خردة جديدة في القطاع الاستهلاكي إلى دفع ما يصل إلى 9 في المائة على السندات الجديدة، بدلا من نحو 8.5 في المائة قبل التوتر الذي أصاب الأسعار هذا الأسبوع، حسبما أوضح كيفين كاسيدي، مسؤول شؤون الائتمان في وكالة «موديز».

في الواقع، ليست جميع التداعيات سلبية، فعلى الرغم من خطورة الوضع في أوروبا، لا يزال الاقتصاد الأميركي يتمتع ببعض المميزات، حيث تراجعت أسعار الفائدة، الأمر الذي عاد بالفائدة على مشتري المنازل الساعين للحصول على رهون عقارية والمقترضين الآخرين. وكشفت بيانات جديدة صادرة يوم الجمعة عن أن الاقتصاد أضاف 290000 وظيفة في أبريل (نيسان)، وهو أفضل أداء شهري منذ 4 سنوات.

علاوة على ذلك، تراجعت أسعار النفط الخام الأسبوع الماضي جراء مخاوف من تباطؤ عجلة الاقتصاد، الأمر الذي من المتوقع أن يدفع الأسعار نحو الانخفاض بالنسبة إلى المستهلكين في غضون أسابيع. في تلك الأثناء، اكتسب الدولار قوة واضحة أمام اليورو، حيث وصل إلى أعلى مستوياته منذ 14 شهرا.

في الوقت الذي يجعل هذا الأمر، أنه من الأيسر على السائحين الأميركيين تحمل تكاليف قضاء عطلاتهم في أوروبا ويساعد على تحسين ظروف الشركات الأوروبية، فإنه قد يضر أرباح نظيراتها الأميركية. من شأن تنامي قوة الدولار جعل زيادة صعوبة شراء سلع أميركية أمام المستهلكين بالخارج، وستزيد الصعوبة أمام المصدرين الأميركيين حال سقوط أوروبا في حالة ركود. باستثناء النفط، تشتري الدول الـ16 المؤلفة لمنطقة اليورو قرابة 14 في المائة من الصادرات الأميركية.

بالنسبة إلى الشركات الأميركية الكبرى التي استفادت من الدولار الضعيف في السنوات الأخيرة، ربما يتسبب ذلك في مصاعب أكثر حدة، خاصة بالنظر إلى أن أكثر من ربع الأرباح التي تجنيها شركات مسجلة في مؤشر «ستاندرد آند بورز» يأتي من الخارج، مع تشكيل أوروبا للنسبة الأكبر، طبقا لما ذكره توبياس ليفكوفيتش، المسؤول الأول عن وضع الاستراتيجيات في «سيتي غروب» فيما يتعلق بالأسهم الأميركية. وكل هذا قد يعني الاختلاف بين الاقتصاد الذي ينمو سريعا بدرجة كافية لتقليص معدلات البطالة والآخر الذي يتسم بدرجة أكبر من الجمود.

الواضح أن تعرض المصارف الأميركية المباشر لليونان ضئيل، لكن تحت السطح هناك مؤشرات على حدوث شروخ وانشقاقات، فحتى أقوى المصارف في ألمانيا وفرنسا لديها معدل تعرض كبير للاقتصادات الأكثر اضطرابا على أطراف القارة، وهذه المصارف بدورها مرتبطة بصورة وثيقة بنظيراتها الأميركية.

بصورة عامة، لدى المصارف الأميركية تعرض لمخاطر اقتصادية بقيمة 3.6 تريليون دولار في مواجهة المصارف الأوروبية، طبقا لـ«مصرف التسويات الدولية». ويتضمن ذلك أكثر من تريليون دولار في صورة قروض لفرنسا وألمانيا، وقرابة 200 مليار دولار لإسبانيا.

الأكثر من ذلك أن المستثمرين الأميركيين بدأوا يشعرون بالفعل بنوع من القلق بشأن مئات الملايين من الدولارات من القروض قصيرة الأجل للمصارف والمؤسسات المالية الأوروبية الكبرى.

* خدمة «نيويورك تايمز»