مجلس الشيوخ يقر مشروع الإصلاح المالي لـ«وول ستريت»

الرئيس أوباما يعلن انتصاره على صناعة المال وجحافل جماعات الضغط

كريستوفر دود رئيس لجنة المصارف وبارني فرانك رئيس لجنة التمويل في مجلس النواب الاميركي في طريقهما إلى المؤتمر الصحافي (أ ب)
TT

صادق مجلس الشيوخ الأميركي أول من أمس على مشروع قانون تنظيمي مالي بعيد المدى، ليجعل الكونغرس على مقربة من المصادقة على توسيع نطاق الإشراف الحكومي على النظام المصرفي في الأسواق المالية الذي يزداد تعقيدا.

ويهدف هذا التشريع إلى منع تكرار أزمة عام 2008، لكنه أيضا يعيد تشكيل دور الكثير من الوكالات الفيدرالية ويمكن بصورة كبيرة مصرف الاحتياطي الفيدرالي في محاولة للتنبؤ بالأزمات المستقبلية واحتوائها.

وكانت نتائج التصويت هي 59 صوتا بالموافقة مقابل 39 صوتا بالرفض، حيث انضم 4 من الجمهوريين إلى الأغلبية الديمقراطية في تأييدها لمشروع القانون. وعارض اثنان من الديمقراطيين التشريع، وقالوا إنه لا يزال غير قوي بما فيه الكفاية.

ويجب على القادة الديمقراطيين في الكونغرس وإدارة أوباما الآن العمل على الجمع بين التشريع الذي مرره مجلس الشيوخ والإصدار الذي أقره مجلس النواب في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في عملية من المتوقع أن تستغرق عدة أسابيع.

وفي حين أن هناك اختلافات مهمة – التي تشمل بصورة أساسية فقرة في تشريع مجلس الشيوخ من شأنها أن تجبر المصارف الكبيرة على تحويل جزء من نشاطها في مجال المشتقات، الذي يدر ربحا ضخما، إلى شركات منفصلة – فإن التشريعين متشابهين إلى حد كبير، ومن المؤكد أن الكونغرس سيتبنى الإصلاح التنظيمي الأكثر شمولا منذ الكساد الكبير.

وعقب التصويت، قال زعيم الأغلبية هاري ريد، من ولاية نيفادا، «إنه بمثابة اختيار بين التعلم من أخطاء الماضي أو تركها لتحدث مرة أخرى. وبالنسبة للذين أرادوا حماية وول ستريت، فإن ذلك لم ينجح».

ويسعى مشروع القانون إلى الحد من الإقراض الذي يسبب أضرارا، خاصة في مجال قروض الرهن العقاري، ويسعى أيضا إلى ضمان أن الشركات المتعثرة، بغض النظر عن حجمها أو تشعبها، من الممكن تصفيتها من دون أي تكاليف على دافعي الضرائب.

ويتضمن إنشاء «مجلس لمراقبة الاستقرار المالي» من أجل تنسيق الجهود الرامية إلى تحديد المخاطر التي يواجهها النظام المالي. وسيضع هذا التشريع كذلك قواعد جديدة على تداول المشتقات وسيتطلب من صناديق التحوط ومعظم شركات الأسهم الخاصة الأخرى أن تتقدم للتسجيل بلجنة الأوراق المالية والبورصة.

وسيعد تمرير هذه التشريع بمثابة إنجاز للبيت الأبيض، وهو ما يشبه تقريبا إنجاز قانون الرعاية الصحية الذي تم تمريره في الفترة الأخيرة. وأثناء حديثه في الحديقة الوردية بالبيت الأبيض بعد ظهر الخميس الماضي، أعلن الرئيس باراك أوباما الانتصار على الصناعة المالية «وجحافل جماعات الضغط» التي حاولت، على حد قوله، القضاء على هذا التشريع.

وقال أوباما: «إن الكساد الذي نتعافى حاليا منه جاء في المقام الأول نتيجة لانعدام المسؤولية والمحاسبة في وول ستريت أمام واشنطن. وهذا هو السبب في أنني جعلت تمرير إصلاح وول ستريت إحدى الأولويات الأولى لدي كرئيس للبلاد، حتى لا تحدث أزمة من هذا القبيل مرة أخرى».

كما أشار الرئيس إلى أنه سيشترك بقوة في التوصل إلى الصيغة النهائية لمشروع القانون، وهو ما قد يعني تقديم تغييرات على القوانين المقيدة للمشتقات التي يتضمنها التشريع الذي أقره مجلس الشيوخ وتعارضها وول ستريت. ومن المحتمل أيضا أن الإدارة ستحاول القضاء على الإعفاء المذكور في مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب والذي من شأنه أن يحمي تجار السيارات من الخضوع للمراقبة من جانب هيئة جديدة لحماية المستهلك. وكان الرئيس أوباما قد انتقد في وقت سابق هذه الفقرة في التشريع، وقال إنه بمثابة «ثغرة خاصة» من شأنها الإضرار بمشتري السيارات.

وفي الوقت الذي اقترب فيه مجلس الشيوخ من التصويت النهائي، سحب السيناتور سام براونباك، الجمهوري من ولاية كانساس، تعديلا ليضع إعفاء مماثلا للإعفاء الخاص بتجار السيارات في مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ.

وكان تحرك براونباك يهدف إلى القضاء على تعديل قدمه عضوا مجلس الشيوخ جيف ميركلي، الديمقراطي من أوريغون، وكارل ليفين، الديمقراطي من ميشيغان، لتشديد الصياغة التي تمنع البنوك من تداول الملاك، أو التداول في الأسواق بأموالها الخاصة – وهو القيد المعروف بصفة عامة باسم قاعدة «فولكر» نسبة إلى الرئيس الأسبق لمصرف الاحتياطي الفيدرالي بول إيه فولكر، الذي اقترح هذه الفكرة. وأعرب زعماء الجمهوريين في الكونغرس، الذين تبنوا استراتيجية في عام الانتخابات لمعارضة المبادرات التي تؤيدها إدارة أوباما، عن انتقادهم الشديد للتشريع في حين حاولوا الإصرار على أنهم ما زالوا يسعون إلى وضع سياسات أكثر صرامة في وول ستريت.

بيد أنه في حين انتقد الجمهوريون مشروع القانون في أمور معظمها سياسية، حيث قالوا إنه يعد مثالا لمحاولة الديمقراطيين توسيع نطاق الحكومة، حذر بعض الخبراء من أن مشروع القانون لا يزال يترك النظام المالي معرضا لمواجهة انهيار كبير بتركيزه بصورة كبيرة للغاية على أسباب أزمة حدثت في الماضي.

وسيسعى تشريع مجلس الشيوخ، الذي رعاه في المقام الأول كريستوفر جيه دود، الديمقراطي من ولاية كونيكتيكت ورئيس اللجنة المصرفية، إلى الحد من الإقراض الذي يتسبب في الأضرار عن طريق إنشاء مكتب قوي لحماية المستهلك داخل مصرف الاحتياطي الفيدرالي بهدف مراقبة معظم المنتجات المالية الموجهة للمستهلك.

وردا على خطط الإنقاذ الضخمة في عام 2008، يسعى مشروع القانون الجديد إلى ضمان أن الشركات المتعثرة، بغض النظر عن حجمها أو تشعبها، من الممكن تصفيتها من دون أي تكاليف على دافعي الضرائب. وسيمكن التشريع المنظمين من الاستيلاء على الشركات المتعثرة، وتفكيكها وبيع الأصول، وهو الشيء الذي من المحتمل أن يلحق الضرر بالمساهمين والدائنين.

ولتنسيق الجهود الرامية إلى تحديد المخاطر التي تواجه النظام المالي، سينشئ مشروع القانون «مجلسا لمراقبة الاستقرار المالي» مؤلفا من وزير الخزانة ورئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي ومراقب العملة ومدير المكتب الجديد للحماية المالية للمستهلك، ورؤساء لجنة الأوراق المالية والبورصة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، ومدير الوكالة الفيدرالية للتمويل العقاري، وعضو مستقل يعينه الرئيس.

وفي الواقع، سيتطرق مشروع القانون إلى جميع جوانب الصناعة المالية، حيث يفرض، على سبيل المثال، مجموعة متشابكة من القواعد بالنسبة للتداول في المشتقات، وهي الأدوات المعقدة التي كانت السبب الرئيسي وراء أزمة عام 2008.

ومع الاستثناءات المحدودة، يجب تداول المشتقات في إحدى البورصات العامة ويجب تسويتها من خلال طرف ثالث.

وفي ظل الفقرة التي كتبها السيناتور بلانش لينكولن، الديمقراطي من ولاية أركنساس، ستضطر بعض من أكبر المصارف إلى تحويل تداولها في صفقات المبادلة، وهي الجزء الأكثر ربحية في نشاط المشتقات، إلى شركات منفصلة، أو سيتم منعها من الاستفادة من نافذة إقراض الطوارئ التي يقدمها مصرف الاحتياطي الفيدرالي.

وتعارض المصارف هذه الفقرة من التشريع، وقالت الإدارة أيضا إنها لا ترى أي فائدة وراء ذلك.

كما قادت المخاوف بشأن الفقرات المتعلقة بالمشتقات في التشريع السيناتور ماريا كانتويل، الديمقراطية من واشنطن، إلى التصويت ضد مشروع القانون، وقالت إنه لا يزال يتضمن ثغرة خطيرة من شأنها أن تقوض الجهود الرامية إلى تنظيم التداول في المشتقات. وكان السيناتور روس فينغولد، من ويسكونسن، هو الديمقراطي الآخر الذي عارض مشروع القانون.

وكان الجمهوريون الأربعة الذين أيدوا مشروع القانون هم سوزان كولينز وأوليمبيا جيه سنو من ولاية مين، وسكوت براون، العضو الجديد بمجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، وتشارلز إي غراسلي من ولاية آيوا، الذي يسعى إلى إعادة انتخابه العام الحالي.

وتشمل الاختلافات بين مشروع القانون الذي أيده مجلس النواب ومشروع القانون الذي أيده مجلس الشيوخ، أن تشريع مجلس النواب تضمن إنشاء صندوق بقيمة 150 مليار دولار، يتم تمويله عن طريق فرض رسوم على المصارف الكبرى، بهدف المساعدة في تغطية تكلفة تصفية الشركات المالية المتعثرة.

وتعارض الإدارة إنشاء هذا الصندوق، الذي من الممكن أن يعرقل، على حد قولها، قدرتها على التعامل مع انهيار أكثر تكلفة تواجهها إحدى الشركات المالية. وطالب الجمهوريون بإزالة الفقرة الخاصة بإنشاء صندوق مماثل قيمته 50 مليار دولار من تشريع مجلس الشيوخ، حيث قالوا إنه سيشجع الخطط المستقبلية لإنقاذ الشركات المالية المتعثرة.

وهناك اختلافات أخرى كثيرة. فعلى سبيل المثال، يعالج تشريع مجلس النواب أهداف حماية المستهلك بإنشاء وكالة مستقلة تكون خاضعة لمخصصات الميزانية السنوية من قِبل الكونغرس. ويقترح تشريع مجلس الشيوخ إنشاء مكتب لحماية المستهلك داخل الاحتياطي الفيدرالي، مما يحد من المراقبة المستقبلية للكونغرس.

وقال مشرعون إنه سيتم التوفيق بين التشريعين في مؤتمر رسمي، من المحتمل إذاعته على التلفزيون.