عن مسؤولية البنوك الاجتماعية

سعود الأحمد

TT

تقوم لجنة الإعلام والتوعية المصرفية في السعودية، بجهود ملموسة لتقريب وجهات نظر الإعلاميين ومسؤولي البنوك. ومن ذلك، نظمت اللجنة الأسبوع الماضي لقاء بمقر النادي الاقتصادي الذي ترعاه جريدة «الاقتصادية»، لمناقشة موضوع مسؤولية البنوك الاجتماعية.. بحضور مجموعة من مديري البنوك العامين والمسؤولين التنفيذيين ونخبة من الكتاب والإعلاميين والمهتمين بهذا الموضوع. والواقع أن الحديث عن تقصير البنوك في المسؤولية الاجتماعية، بحاجة إلى من يضع النقاط فيه على الحروف.وبالمناسبة، فقد كان هناك تيار قوي «على مستوى العالم» من قبل المؤسسات المدنية وبعض وسائل الإعلام، يطالب البنوك العالمية بالمشاركة «الفاعلة والملموسة» في المسؤولية الاجتماعية. لكن هذا التيار هدأ بشكل ملحوظ مع ما تعرضت له البنوك العالمية من خسائر وإفلاسات خلال الفترة الماضية جراء أزمة الرهن العقاري، وما أعقبها من أزمات.أما في بعض الدول العربية، وفي السعودية بوجه خاص، فالبنوك في وضع مالي جيد، بعد أن تخطت الأزمة المالية العالمية بسلام، ولم تتأثر (مؤخرا) بأزمة أوروبا الحالية. ولذلك هناك تيار متنام للمطالبة بمشاركة البنوك في المسؤولية الاجتماعية، يؤيده في ذلك انخفاض تكلفة الودائع الجارية مقارنة ببقية دول العالم، والموضوع بين طرفيه فيه شد وجذب، وأرى أننا في حاجة إلى إعادة التكتيك لكي نحصل على ما نريد.وحتى يكون الحديث ذا معنى، فإنه لا يمكن القول إن البنوك لا تساهم في المسؤولية الاجتماعية، لأنك قد تواجه الرد من كل بنك بأن لديه كتيبا بمساهماته «الموثقة» في هذا المجال، بل، ويستطيع الرد عليه أحد أصغر البنوك السعودية من حيث رأس المال (مثل بنك «الجزيرة») ويبرهن على مشاركاته، في المسؤولية الاجتماعية! أو يخرج عليك «بنك الرياض» أو «البنك الأهلي» (مثلا)، ويثبت للعامة وبالأرقام أنه صرف ملايين الريالات في مجال المسؤولية الاجتماعية، أو يقدم «مصرف الراجحي» تأكيدا بمساهماته في المسؤولية الاجتماعية، ومنه أنه دفع مبلغ 70 مليون ريال في هذا المجال! ومن هنا، فنحن أمام نقيضين: قناعة بالحاجة إلى أن تساهم البنوك بشكل أفضل في المسؤولية الاجتماعية، يقابلها أرقام بمبالغ أنفقتها البنوك في هذا المجال. وبالتالي لا بد من إعادة التكتيك.. لنطالب بتقنين هذه المسألة، من منطلق أن المديرين التنفيذيين في البنوك «أنفسهم» في حاجة إلى من يؤازرهم ليقوي حجتهم أمام الجمعيات العمومية وأعضاء مجالس الإدارات ولجان المراجعة، ويقنعوا بها التيار المضاد للإنفاق على المسؤولية الاجتماعية، ليدركوا أنه ليس تبرعا ولا تطوعا، ولكنها مسؤولية، وأنه ليس للإنفاق على مجال محدد أو للإنفاق في أقاليم ومناطق معينة باجتهادات شخصية، ولكنه لما ينفع المجتمع.. باعتبارها تصب في مصلحة المجتمع السعودي عامة. هذا التوجه لا بد من أن يوضع له برنامج يتضمن أسس وآليات جمع أموال المسؤولية الاجتماعية، وبرنامج مماثل للإنفاق منها، وبما يشمل منهجا واضحا يحدد أولويات الإنفاق. فالبنوك السعودية ليست في حجم واحد حتى ينتظر منها أن تتساوى في حجم مشاركتها في المسؤولية الاجتماعية، والمجالات التي يجب أن ينفق عليها ليست بقدر واحد من الأهمية والأولوية؛ فالمجالات المتاحة للإنفاق كثيرة ويجب أن تدرس وترتب بحرص وعناية.عند ذلك نستطيع الحديث عن أوليات وخيارات الصرف المتاحة، وهل يجب أن ينفق على تمويل كراسي الجامعات، وأي من هذه الجامعات والتخصصات؟ أو على مجالات البحث العلمي أو تدريب العاطلين والعاطلات وتوفير وظائف مناسبة لهم؟ أو على غسل الكلى أو تمويل المشاريع الصغيرة؟ أو على جوائز سباقات الخيل ومزايين الإبل.. إلى غير ذلك من أوجه الصرف التي يصرف منها حاليا بطرق اجتهادية.

*كاتب ومحلل مالي