رئيس «الشركة الوطنية للاستثمار» المغربية: «الحياد الضريبي» سيسهم في دمج الشركات المغربية

حسن بوهمو يؤكد أن سوق الأسهم ستتحمل اندماج «أونا» و«الوطنية»

حسن بوهمو
TT

انطلقت في بورصة الدار البيضاء أكبر عملية طرح عام لشراء الأسهم في تاريخ السوق المالية المغربية، تستمر حتى 15 يونيو (حزيران) المقبل، وتستهدف شراء 8 ملايين سهم من أسهم أكبر مجموعتين ماليتين في البلاد، «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار»، من طرف مجموعة من المساهمين بقيادة شركة «سيجير» القابضة، وهي الشركة المكلفة إدارة الأصول المالية للعائلة الملكية في المغرب. وعلى أثر هذه العملية، التي تقدر قيمتها بـ2.65 مليار درهم، سيتم سحب المجموعتين الماليتين من التسعيرة في البورصة بهدف إدماجهما في مجموعة استثمارية واحدة. بيد أن سحب أسهم المجموعتين من بورصة الدار البيضاء سينتج عنه في مرحلة أولى تقليص حجم السوق، إذ تمثلان معا 8.3 في المائة من رأسمال السوق.

إلا أن حسن بوهمو، رئيس «الشركة الوطنية للاستثمار»، وأحد أبرز مهندسي مخطط عملية الإدماج وإعادة التوجيه الاستراتيجي للمجموعتين الماليتين، يؤكد أن عملية إعادة تنظيم المجموعتين الماليتين سيكون لها وقع إيجابي على السوق المالية المغربية.

وقال حسن بوهمو لـ«الشرق الأوسط»، إن عملية سحب «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار» من البورصة ستتبعها عمليات طرح حصص المجموعتين في عدد من الشركات التابعة للبيع في البورصة، الشيء الذي سيسهم في تحريك البورصة ويزيد من عمق السوق المالية المغربية.

وأشار بوهمو إلى أن أولى هذه العمليات ستتم في غضون ستة أشهر، وتتعلق بطرح أسهم شركات تعمل في مجال الصناعات الغذائية بقيمة مليار دولار.

وأضاف أن من شأن هذه العملية أن تعوض الأثر الناتج عن عملية سحب المجموعتين من البورصة على المدى القصير. فيما يلي حوار أجرته «الشرق الأوسط» مع حسن بوهمو في الدار البيضاء حول تداعيات وأهداف هذه العملية الضخمة، وخطط المجموعة الجديدة التي ستنبثق عن اندماج «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار»:

* سيتم سحب 8 ملايين سهم من بورصة الدار البيضاء، وضخ 2.65 مليار دولار في المقابل، فهل ستتحمل سوق الأسهم المغربية، المعروفة بضيقها وصغر حجمها، عملية بهذا الحجم؟

- أشاطرك الرأي أن سوق الأسهم المغربية ضيقة نسبيا. لكن هذا الضيق لا يتعلق بالحجم الإجمالي لرأسمال السوق، فبورصة الدار البيضاء تحتل الصف الثالث على الصعيد الأفريقي على أساس حجم رأسمال السوق.

وإنما يتعلق هذا الضيق بشكل أساسي بحجم الحصص الرائجة في السوق، أو بتعبير آخر ضعف الجزء العائم من رساميل الشركات المدرجة في البورصة. الشيء الذي يحد بشكل كبير من سيولة السوق ويثبط من عزم المستثمرين، وخصوصا المستثمرين الدوليين.

ومن هذا المنطلق سيكون وقع عملية إعادة تنظيم مجموعة «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار» إيجابيا على البورصة المغربية، إذ إن الانخفاض في الرسملة العامة للسوق الذي سينتج عن سحب أسهم المجموعتين سيتم تعويضه بشكل كبير من خلال الرفع من حجم الحصص الرائجة من رساميل الشركات المكونة لمحفظة المجموعة.

وهذا التأثير الإيجابي قد تم استباقه بشكل جيد من قبل بورصة الدار البيضاء، وذلك من خلال دخولها مرحلة ارتفاعية حالما تم الإعلان عن العملية.

* ما هو حجم هذه العملية الأخرى، المتعلقة ببيع أسهم فروع الصناعات الغذائية، وفي أي أجل تعتزمون إنجازها؟

- هدفنا الاحتفاظ بحصة 30 في المائة فقط من رأسمال كل واحدة من شركات كوسومار ولوسيور والمجموعة التي تضم مركز الحليب وبيمو وصوطرما. وبذلك فإن حجم العائدات المتوقعة من بيع حصص في هذه الشركات ستناهز المليار دولار، وبالتالي فهي ستعوض بشكل كبير حجم الأسهم التي تم سحبها من البورصة على المدى القصير.

ونحن نفضل أن يتم إنجاز هذه العمليات في البورصة خلال أجل يتراوح بين 6 و18 شهرا بعد الاندماج الفعلي لـ«الشركة الوطنية للاستثمار» و«أونا».

* اتسمت قصة العلاقات بين «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار» بسلسلة من التقلبات، فبداية كان استحواذ «أونا» على «الشركة الوطنية للاستثمار» في 1999، لكن خلافا لترقب السوق فإن الانطباع السائد اليوم هو أن «الشركة الوطنية للاستثمار» هي التي ابتلعت «أونا». ما هي أبرز محطات هذه العلاقة والمنطق الذي تحكم فيها؟

- في عام 1999 اشترت مجموعة «أونا» حصة الأغلبية في «الشركة الوطنية للاستثمار». فأصبحت الفرصة آنذاك سانحة للجمع بين مقاربتين استثماريتين مختلفتين. فمن جهة، لدينا مقاربة المساهم الذي يأخذ حصة الأغلبية في رأس المال ويمارس الإدارة العملية للفروع، وهي المقاربة التي كانت تتبعها مجموعة «أونا». ومن جهة أخرى، هناك مقاربة المساهم الذي يأخذ حصص أقلية في رأس المال مع تفويض مهام الإدارة والتدبير لشريك مهني محترف، التي كانت متبعة من طرف «الشركة الوطنية للاستثمار».

وفي عام 2003، اتضح لنا أنه لا يجب السماح بتذويب المقاربة المتبعة من طرف «الشركة الوطنية للاستثمار» في المقاربة المتبعة من طرف «أونا». من هنا كانت عملية تدوير المساهمات التي مكنت من توضيح مهام كل واحدة من المجموعتين، وأضحت «الشركة الوطنية للاستثمار» أهم مساهم في مجموعة «أونا» بعد هذه العملية.

اليوم قررنا الدفع إلى أبعد حد بمهمة المستثمر الاحترافي. وبالتالي فإن مقاربة أخذ حصة الأغلبية في رأس المال، وما يتبع ذلك من الاضطلاع بمهام الإدارة العملية للفروع، أصبحت مسألة مؤقتة. فهي لا تطبق إلا في حالة الشركات التي توجد في مرحلة التطوير، وذلك خلال المدة اللازمة لتبلغ هذه الشركات مرحلة النضج وتصل إلى السرعة القصوى في نموها.

* اليوم وقد أصبح النظام الجبائي المغربي ملائما لتجميع وإدماج الشركات، هل نترقب إعلان المزيد من الاندماجات وسط فروع المجموعة؟ وما هي الشركات المرشحة لذلك؟

- النظام الضريبي الجديد، الذي كانت الشركات المغربية تطالب به مند مدة طويلة، مكن المغرب أخيرا من تحقيق التنسيق مع التشريعات الدولية في هذا المجال من خلال اعتماد مبدأ الحياد الضريبي إزاء عمليات إعادة الهيكلة والتقارب والاندماجات بين الشركات.

ولن تفوت الشركات التابعة للمجموعة، ولا الكثير من الشركات المغربية الأخرى، فرص الاستفادة من الإمكانيات الجديدة التي يتيحها هذا النظام.

وسيمكن ذلك المجموعات المغربية، المماثلة لمجموعة «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار»، من إنجاز عمليات إعادة هيكلتها وتبني هياكل تنظيمية أكثر فعالية. وبالإضافة إلى ذلك، وأكثر أهمية منه، سيمكن النظام الضريبي الجديد من تحفيز عمليات التقارب بين الشركات، كما هو الحال بالنسبة لعمليات الاندماجات المعلنة في قطاع الإعلاميات. وعلى العموم فإن مبدأ الحياد الضريبي الذي كرسه النظام الجديد سيسهم في تدعيم رأسمال الشركات المغربية والرفع من سيولته.

* بالنسبة لـ«مركز الحليب» و«بيمو» و«صوترما»، هل الاندماج المرتقب بينها سيتم قبل أم بعد بيع حصص في البورصة؟

- لم ننته بعد من تحديد هيكلة المساهمات وتفاصيل البيع المتعلقة بمجموعة مركز الحليب وبيمو وصوترما.

* بعد شركات «قطب للصناعات الغذائية»، ما هي الشركات الأخرى التابعة للمجموعة والمرشحة لعمليات مماثلة في البورصة؟

- أصبحت لدينا الآن رؤية ديناميكية للمحفظة، مع اعتماد أساليب متباينة للتدخل تتطور حسب مراحل نمو الشركات. هكذا فإن جميع شركات المحفظة مؤهلة لأن تصبح مستقلة، وأن يتم بيع حصة المراقبة في السوق عندما تبلغ الشركة مرحلة النمو المستدام.

* من الواضح أن المجموعة الجديدة، التي سيتمخض عنها اندماج «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار» ستواصل التدخل في تدبير بعض الفروع، وبخاصة الشركات الموجودة في طور التطوير، ألا يتناقض ذلك مع الهدف المعلن للتحول إلى مجموعة استثمارية قابضة؟

- من مهام الشركة القابضة أيضا أن تلعب دورا كحاضنة بالنسبة لفروعها التي توجد في طور الإنشاء أو التطوير، وذلك بهدف تمكينها من النمو وبلوغ الحجم الناجع لتستطيع السير بإمكانياتها الذاتية.

غير أن هذا النوع من التدخل، وإن كان ضروريا لتطوير مهن جديدة، لا يشكل قلب مهمتنا الجديدة، ألا وهي أن نكون مستثمرا احترافيا يسهم في الشركات المغربية الكبيرة والمنفتحة على العالم.

* دخلت «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار» متأخرتين إلى مجال الاتصالات عبر فرعهما المشترك والمتمثل في شركة «ونا»، وهو ما سترثه عنهما المجموعة الجديدة. فكيف تنظرون إلى مستقبل هذه المساهمة؟

- تعتبر شركة «أونا» مساهمة فتية، وقد عرفت منعرجا استراتيجيا خلال عام 2008 مع حصولها على الرخصة الثالثة للهاتف الجوال «جي إس إم»، وفتح رأسمالها أمام مساهمة المجموعة الكويتية المكونة من «زين للاتصالات» وصندوق «الأجيال للاستثمار». وهي تتطور في إطار سوق مغربية للاتصالات شديدة الحيوية، تتميز بساكنة شابة وشديدة الاستهلاك للتقنيات الجديدة، الشيء الذي يسمح لها باستشراف آفاق نمو قوي خلال السنوات المقبلة.

* تم انتقاد إطلاق «أونا» على أساس تقنية «سي دي إم إيه». فهل مشكلة «أونا» مختزلة فعلا في مسألة الخيار التكنولوجي؟ وما هي الحصيلة الأولى لإطلاق علامة «إنوي» الجديدة التي أطلقت على أساس تقنية «جي إس إم»؟

- كانت هناك فعلا مشكلة كبيرة فيما يتعلق بالمركز الاستراتيجي للشركة، التي كانت تشكل تهديدا حقيقيا لوجود الشركة واستمرارها على المدى المتوسط. وترتبط هذه المشكلة بالاختيار التكنولوجي الذي فرض على الشركة نموذج أعمال منقطعا تماما عن السوق. كان يضاف إلى هذه المشكلة عجز واضح في مجال الإدارة والتدبير. اليوم مع إصلاح هاتين المشكلتين، عبر تجديد الإدارة من جهة، وإطلاق عروض «جي إس إم» في السوق المغربية تحت علامة «إنوي» من جهة ثانية، فإن «أونا» قد تم وضعها على الطريق الصحيح للنمو. أما فيما يتعلق بإطلاق «إنوي»، فمن السابق لأوانه الحديث عن حصيلة. غير أن الأشهر الثلاثة الأولى للعرض تجعلنا نترقب آفاقا جيدة بالنسبة لتوسع الحظيرة ونمو حصص السوق.

* في قطب التنمية اختارت «ناريفا» التطور في المهن الجديدة المرتبطة بالبيئة. فما هي إنجازاتها في هذا المجال؟

- اختارت «ناريفا» التركيز على مجال الطاقات المتجددة. وهي اليوم الشركة الأولى في مجال استخراج الطاقة من الرياح في المغرب، وذلك بمحفظة مشاريع في طور التطوير تصل قدرتها إلى 300 ميغاوات. كما تنشط «ناريفا» أيضا في مجال الطاقة الشمسية، بما في ذلك إسهامها في المشروع الطموح «ديزيرتيك» المشترك بين أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط.

إضافة إلى ذلك فإن «ناريفا» تسعى أيضا إلى التموقع في مجال الطاقات التقليدية. وفي هذا الإطار تقدمت مؤخرا بعرض مشترك مع المجموعة البريطانية «إنترناشيونال باور» لإنجاز مشروع محطة كهربائية تعمل بالفحم النظيف في منطقة آسفي.

* في مجال النشاط العقاري يبدو أن «أونابار»، التي كانت دائما تعمل في صمت وبعيدا عن الأضواء، قد بدأت تغير سلوكها سواء من خلال افتتاح معارض خاصة ودائمة لمشاريعها، أو عبر إطلاق حملات إعلانية. هل ذلك مجرد رد على سياق تداعيات الأزمة المالية العالمية، أم أنه يعكس تحولات استراتيجية؟

- إذا كانت «أونابار» اليوم تبدو أكثر ظهورا من السابق فلأن عددا من مشاريعها قد نضج ودخل مرحلة التسويق (خصوصا في بوزنيقة ومراكش)، الشيء الذي يدفع بالشركة إلى أن تكون أكثر حضورا على المستوى التجاري.

* متى سيتم إدراج «أونابار» في البورصة؟

- مثلما هو الحال بالنسبة لباقي الفروع الموجودة في طور التطوير، فمن الضروري تمكين «أونابار» أول وقبل كل شيء من وسائل تحقيق استقلالها، خصوصا عبر تأمين نموذج الأعمال الخاص بها ووضعها على سكة النمو المستدام. ومن المؤكد أنه حالما تتحقق هذه الأهداف فإن التطور الطبيعي هو فتح رأسمال «أونابار»، إما في البورصة أو لمستثمرين آخرين.

* لنعد إلى عملية إدماج «أونا» و«الشركة الوطنية للاستثمار». ماذا سيكون اسم المجموعة الجديدة؟

- المجموعة الجديدة ستختار الاسم الأكثر تعبيرا عن مهمتها الجديدة وقيمها الأساسية.