1856 طنا من الذهب مطروحة للاستثمار

إقبال على الذهب بسبب الخوف من المجهول

TT

إنها المشاعر المتجددة لدى الناس، ورهان على أن كل شيء يمضي على غير هدى، ومهما كان الشيء الذي يثير شعورا بالقلق، يكمن الجواب في الذهب.

لقد تسبب الخوف من عدة أشياء - التضخم والتراجع الاقتصادي والاقتراض الحكومي وتراجع اليورو - في إقبال على الذهب، ودفع بالمعدن النفيس إلى معدلات أعلى، كما أوضح كيف استشرى الخوف من الاضطراب الاقتصادي.

وفي النهاية، يستمتع المقبلون على شراء الذهب بأيامهم، بعد أن كانوا يوصفون بأنهم مجانين يكدسون سبائك الذهب داخل البدروم. ويقول جون هاثواي، مدير صندوق «توكفيل غولد»: «أعتقد أننا في عالم به الكثير من المشكلات. ويمثل الذهب الملاذ والحماية».

ويمتد المتحمسون الجدد للذهب من معلق «فوكس نيوز» غلين بيك، في اليمين، إلى الممول جورج سوروس، في اليسار. كما ينضم إليهم البعض داخل «وول ستريت». وعلى الرغم من أن لغتهم قد تختلف، فإنهم يشتركون في رؤية جوهرية وهي أن الذهب أصبح الشيء المناسب من جديد، لا سيما مع ظهور علامات الضعف على أصول أخرى مثل الأسهم والعملات الوطنية.

ويقوم المستثمرون الأفراد، في الوقت الحالي، باقتفاء أثرهم في مختلف أنحاء العالم. وتنفد العملات الذهبية لدى هيئة سك العملة الأميركية، ورفعت هيئة سك العملة بجنوب أفريقيا من إنتاج عملتها الذهبية بمقدار 50 في المائة نهاية الشهر الماضي، ويعد ذلك أعلى معدل إنتاج خلال 25 عاما على ضوء الإقبال الأوروبي.

وتمثل أزمة الديون داخل أوروبا والتراجع الذي تلاها في قيمة اليورو المحفزات الأخيرة للارتفاع الذي شهده الذهب الأسبوع الماضي ليصل إلى 1.255 دولار للأوقية، وهو رقم قياسي قبل تعديله طبقا للتضخم، لكن الخوف الأكبر أنه حتى داخل الولايات المتحدة لا يمكن تحمل الاقتراض الحكومي، واقترب يوم الحساب. وزادت مبيعات عملة «النسر الأميركي» الذهبية بمقدار ثلاثة أضعاف في مايو (أيار) مقارنة بالمبيعات قبل شهر من ذلك.

وإذا قامت الحكومة بطباعة المزيد من الأموال لسداد ديونها، فإن التضخم سيدمر قيمة الدولار واليورو وغيرهما من العملات الورقية، ومن ثم يعزز من قيمة الذهب. والأكثر من ذلك، فإنه على ضوء عدم احتمالية زيادة الضرائب ووقوف أوروبا على حافة هاوية، فإن غير المتوقع - العجز عن سداد الديون السيادية أو انهيار نظام الائتمان - أصبح متوقعا.

ومن المؤكد أن مشتري الذهب يدفعهم دائما الخوف، وقد بدأ بعض المستثمرين المحترمين في «وول ستريت» يشعرون بالخوف.

وقال ديفيد إينورن، وهو مدير مالي في نيويورك كان من أوائل من تنبأوا بانهيار «ليمان براذرز»، في كلمة له الشهر الماضي «خلال الأعوام الأخيرة، كنا نمضي من فقاعة إلى أخرى ومن عملية إنقاذ إلى أخرى. ويعكس وضعنا فيما يتعلق بالذهب مخاوفنا من أن سياساتنا المالية والنقدية غير كافية لتجنب أزمة ممكنة».

ومنذ القديم، ينظر إلى الذهب على أنه مادة قيمة تحافظ على قيمتها حتى مع سقوط الحكومات وانهيار العملات. ومع ذلك، يمكن أن يتراجع الذهب، وفي بعض الأحيان يتراجع بصورة حادة. وبعد الوصول إلى أعلى مستوياته في عام 1980 ليصل إلى أكثر من 800 دولار للأوقية، تراجع الذهب خلال العقدين التاليين، ليصل إلى ما يزيد قليلا على 250 دولارا للأوقية في 1999. لكن، على عكس الأصول الورقية التي يمكن أن تصبح بلا قيمة، يحافظ الذهب على الأقل على بعض قيمته.

وخلال الإذاعة الحوارية المحافظة، كانت المعارضة لسياسات إدارة أوباما الاقتصادية والتحذيرات من أن العجز الكبير في الميزانية سيؤدي إلى تضخم، سببا في جعل الذهب موضوعا ساخنا في النقاشات المباشرة، وجذب ذلك شركات الذهب لعرض إعلانات.

ونصح غلين بيك مشاهدين بدراسة «الذهب» خلال استعراض السيناريوهات الثلاثة المحتملة للاقتصاد: الركود الاقتصادي أو الكساد أو الانهيار. ومن بين المعلنين البارزين في برنامج بيك «غولدلاين»، التي تسوق لعملات الذهب والسبائك داخل كاليفورنيا وترعى برامج يستضيفها معلقون محافظون بارزون مثل لورا إنغراهام ومايك هوكابي. وقال بيك إنه كان عميلا لـ«غولدلاين» منذ وقت طويل قبل أن تصبح عميلا لديه. وأضاف «بصورة شخصية، لا أشتري الذهب للاستثمار، لكن للحماية». وبالطبع يكاد اليمين يحتكر الذهب. ويحوز سوروس، وهو متبرع بارز لقضايا ومرشحين ليبراليين، أكثر من 600 مليون دولار في صورة سبائك وأسهم تعدين ذهب.

ومع نمو مشاعر القلق من الاقتصاد العالمي، أصبح من الأسهل شراء الذهب. وعلى الرغم من أن بعض الناس لا يزالون ينظرون إلى سبائك الذهب على أنها الملاذ الأخير، فإن صناديق المؤشرات المتداولة التي تحوز الذهب زادت شعبيتها خلال الأعوام الأخيرة. وتمثل صناديق المؤشرات المتداولة التي تحوز الذهب ويجري التداول عليها مثل أسهم لكنها تتبع أسعار الذهب كمادة، 1856 طنا من الذهب، بالمقارنة مع أقل من 500 طن عام 2005، وذلك حسب ما يفيد به «كريديت سويس».

وإلى جانب جذب المستثمرين الأفراد، فإن هذه الصناديق جعلت الذهب عنصرا أكثر جاذبية أمام صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات، وسمح لهم بامتلاك كميات كبيرة من الذهب من دون تحمل عبء الاضطرار إلى تخزينها. ويحوز جون بولسون، وهو مدير صندوق تحوط داخل نيويورك كسب المليارات من الرهان ضد الرهون العقارية عالية المخاطر، صناديق مؤشرات متداولة ذهبية قيمتها 3 مليارات دولار، مما جعل الذهب صاحب المكانة الأكبر في محفظته التي تبلغ 35 مليار دولار.

ويعد دانيال أربيس، الذي يدير أكثر من ملياري دولار في صندوق «اكسريون» التابع لـ«بيريلا وينبرغ»، من عشاق الذهب الجدد. ويقول إنه قبل أعوام قليلة لم يكن ينظر إلى الذهب كاستثمار. لكن في الوقت الحالي، يهتم أربيس، وهو مستثمر محافظ تخرج في كلية القانون بهارفارد، بالذهب بدرجة كبيرة. ويقول إن العجز المتنامي داخل الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا لا يمكن تحمله، ويمكن أن يؤثر في النهاية على الثقة في ما يطلق عليه «نقود ائتمانية»، وهو الأموال الورقية التي تصدرها الحكومة وليست مدعومة بالذهب مثل الدولار الأميركي.

ويقول «ربما تضطر الدول المدينة قريبا إلى الاختيار بين ثلاثة بدائل صعبة سياسيا: تقليل النفقات بصورة حادة أو العجز عن سداد الديون أو طباعة نقود من أجل سداد الديون»، مع الإشارة إلى أن الخيار الأخير هو النتيجة الأكثر احتمالية. ويقول إن الذهب يمثل حماية منطقية ضد هذه المخاطرة، لأن طباعة النقود تؤدي إلى تضخم.

ويشير البعض إلى أن الذهب ارتفع خلال الأعوام التسعة الماضية، وأنه في الوقت الذي تراجع فيه مؤشر «ستاندارد آند بورز 500» بنسبة 13 في المائة منذ 2001، زادت قيمة الذهب بمقدار خمسة أضعاف.

ويتوقع مشترو الذهب، مثل بيتر شيف من المؤسسة الاستثمارية «يورو باسيفيك كابيتال» في ويستبورت بولاية كونيتيكت، ظهور سوق سوداء داخل الولايات المتحدة، مع رفض التجار العملات الورقية وإصرارهم على الذهب. ويقول هاثواي، مدير صندوق الذهب، إن النظام الائتماني دخل «المرحلة الأخيرة من اللعبة». ويضيف «ربما لا يزال هناك من يرى أنني أحمق، لكني لا أتحدث إلى نفسي داخل غرفة منعزلة، فلدينا الآن شركة».

* خدمة «نيويورك تايمز»