اليوان الصيني في أقوى مستوياته منذ 5 أعوام

نشاط على مختلف الأصعدة في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا

على الرغم من صغر حجم الارتفاع فإن مكاسب يوم واحد تعد الأضخم خلال 5 سنوات (رويترز)
TT

عززت العملة الصينية من موقفها يوم الاثنين لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال ما يقرب من عامين، في أضخم خطوة ليوم واحد منذ عام 2005، وهو ما يعد مؤشرا أوليا على أن الصين ستسمح بارتفاع تدريجي في عملتها الرينمبي، الذي لمحت إليه خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وأثنى المسؤولون في عواصم العالم من اليابان إلى تايلاند إلى ألمانيا يوم الاثنين على تعهد الصين، يوم السبت، «بالمضي قدما في إصلاح سعر الصرف وتعزيز مرونته»، وهو ما سيشكل فائدة كبرى لصادراتهم واقتصاداتهم. ويعتقد الاقتصاديون أن الرينمبي القوي سيزيد من القوة الشرائية للمواطنين والشركات الصينية ويسهم في تعزيز التجارة الدولية في واحدة من أضخم الأسواق العالمية.

لكن الصين واصلت يوم الاثنين التقليل من أهمية قيمة الرينمبي في المساعدة في إعادة التوازن إلى الاقتصاد العالمي. وألقى تعليق في صحيفة «تشينا توداي» بالمسؤولية على قادة العالم لإصلاح النظام المالي العالمي. وقال المقال: «إذا لم يحقق القادة تقدما في قمة مجموعة العشرين القادمة لإصلاح النظام المالي العالمي فسيواجه المجتمع الدولي خيبة أمل في سعي قادته إلى حلول تشتت الانتباه بدلا من حلول حقيقية في وقت نفتقد فيه بشدة إلى قيادة صادقة».

مع ختام جلسات التداول في آسيا ارتفع الرينمبي بـ0.42 ليصل إلى 6.7976 مقابل الدولار. وعلى الرغم من صغر حجم الارتفاع فإن مكاسب يوم واحد تعد الأضخم خلال خمس سنوات وتقف دليلا على حدوث تغير جذري في موقف العملة الصينية. حيث عمدت الصين إلى السماح بارتفاع سعر عملتها مقابل الدولار بصورة محدودة جدا خلال العامين الماضين، حيث حاولت تعزيز صادراتها خلال الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

في الوقت ذاته تسبب رفع سعر الصرف الرينمبي في نشاط على مختلف الأصعدة في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا، حيث أبدى المستثمرون ارتياحا تجاه الآثار السياسية والاقتصادية للخطوة الحالية. فارتفعت مؤشرات الأسواق الرئيسية في الصين وهونغ كونغ بنسبة 2.9 في المائة و3.1 في المائة، على التوالي، وأغلق مؤشر نيكاي 225 على ارتفاع بلغ 2.4 في المائة، فيما ارتفعت الأسواق الأوروبية في منتصف اليوم أيضا.

وكانت شركات الطيران الصينية بين أكبر الرابحين في شنغهاي، حيث ارتفعت أسهم شركة «تشينا ساذرن إيرلاينز» 8.1 في المائة، وارتفعت أسهم شركة «تشينا إيسترن» 5.6 في المائة، و«إير تشينا» بنسبة 6.4 في المائة.

يرجع السبب وراء هذه المكاسب إلى اعتقاد المستثمرين بأن الارتفاع في العملة الصينية سيعزز قطاع السفر والشحن في الوقت الذي يخفض فيه تكاليف أسعار الوقود. لأن النفط يهيمن عليه الدولار في الأسواق العالمية، والزيادة في سعر صرف الرينمبي سيعمل على خفض أسعار النفط أمام المشترين الصينيين.

كما ارتفعت أسعار النفط بناء على التوقعات بأن تعزز قوة الرينمبي الطلب من الصين، حيث ارتفع سعر برميل الخام الأميركي تسليم يوليو (تموز) بنسبة 1.69 دولار ليصل إلى 78.87 دولار للبرميل، وهو أعلى معدل له منذ شهر مايو (أيار).

لم يأتِ الإعلان الصيني على ذكر إعادة التقييم الكامل للعملة الصينية، كما لم يتضمن معلومات تفصيلية حول ما ستتضمنه المرونة المضافة إلى الرينمبي أو توقيت تطبيقه.

وفي إشارة تؤكد أن السلطات في بكين ليست في عجلة من أمرها على بدء إصلاح قوي - خطوة ربما تثير انتقادات في الصين بأنهم كانوا يخضعون لضغط من الخارج - ترك المصرف المركزي سعر الفائدة المرجعي على العملة ثابتا دون تغيير من مستوى يوم الأحد، الذي بلغ 6.8275 مقابل الدولار.

كما سمح رسميا بتداول الرينمبي بأعلى أو أقل من 0.5 في المائة من سعر الفائدة المرجعي مقابل الدولار، لكن الانحراف في الحقيقة عن هذا المستوى كان أقل بكثير خلال العامين الماضيين.

وقد أظهرت أرباح يوم الاثنين موقفا تحرريا لافتا للنظر من جانب السلطات الصينية التي تدير سعر الصرف. لكنّ المحللين سيتابعون الإعلان الصيني لمعدل الفائدة المرجعي اليومي يوم الثلاثاء للحصول على فهم أوضح حول كيفية سماح الصين للأسواق المالية بتقرير مستوى سعر صرف الرينمبي.

بيان يوم السبت وأرباح يوم الاثنين في العملة تم تفسيرها على نطاق واسع بأنها دليل على تقييم تدريجي ومتواضع للرينمبي الذي تم تثبيت سعر صرفه أمام الدولار منذ أواسط عام 2008، التي أحدثت توترا سياسيا مع الولايات المتحدة، حيث اعتقد الكثير من الاقتصاديين والمشرعين الأميركيين أن سعر صرف الرينمبي انخفض بصورة مفتعلة ليمنح الصادرات الصينية ميزة تنافسية غير عادلة على المصنعين الأميركيين.

يأتي إعلان يوم السبت قبيل أيام من قمة مجموعة العشرين التي تعقد في كندا بهدف نزع فتيل الخلاف حول العملة وتحويل تركيز اللقاء تجاه قضايا أخرى مثل مشكلة الديون الأوروبية، بحسب اعتقاد المحللين.

ويرى بيل بيلتشيري، خبير الاقتصاد الدولي في «مياري أست» في هونغ كونغ: «الرينمبي أداة سياسية، ومن الواضح أن توقيت هذه الخطوة جاء بقرار سياسي. ومن ثم فإن الرينمبي ليس أداة اقتصادية، إذ إن تحوله إلى أداة اقتصادية سيستغرق سنوات، لا أياما وأسابيع. والخطوة الصينية خطوة في الاتجاه الصحيح سواء على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. وقد تتزايد حالة الإحباط في الأسواق نتيجة تباطؤ الخطوات الصينية، وقد لا يضيف المزيد إلى التحول الحقيقي في السياسة، لكن القرار قد صدر بالفعل».

وردد الاقتصاديون في «بنك أوف أميركا ميريل لينش» هذا الاعتقاد في مذكرة بأنهم على الرغم من توقعاتهم بعدم حدوث تقييم بارز للرينمبي مقابل الدولار، فإن إعلان يوم السبت كان «خطوة رئيسية للسياسة الكلية الصينية».

وبحسب آراء الاقتصاديين، ستساعد مرونة سعر صرف العملات الأجنبية الصين في التحكم في فقاعة سعر الأصول وخفض التهديد بالحمائية.

وقد تلقت غالبية أسواق الأسهم إعلان يوم الأحد بوضوح تام، ما أزال الغموض حول توقيت وصغر حجم أي تقييم حقيقي محتمل.

ويتوقع غالبية المحللين أن تسمح بكين بزيادة تتراوح بين 2 و5 في المائة بنهاية العام. وأظهر المسح الذي أجرته وكالة «رويترز» يوم الاثنين توقع شريحة واسعة من الاقتصاديين وصول الرينمبي بنهاية عام 2010 إلى 6.67 مقابل الدولار.

إضافة إلى الصين واليابان، حققت المؤشرات الرئيسية في باقي أنحاء العالم مكاسب، حيث ارتفع مؤشر سنغافورة بنسبة 1.8 في المائة، وارتفع مؤشر تايوان 1.9 في المائة، ومؤشر كوريا الجنوبية بنسبة 1.6 في المائة، ومؤشر سينكس بالهند بنسبة 1.7 في ختام جلسة التداول، وأغلق المؤشر العام في أستراليا مرتفعا بنسبة 1.3 في المائة.

كما اعتبرت شركات البضائع والشركات العابرة للقارات التي تصدر بضائعها وخدماتها إلى الصين بين أكبر الرابحين من قوة الرينمبي، حيث ارتفعت أسهم شركة «سواتش»، شركة صناعة الساعات السويسرية، بنسبة 5.6 في المائة بعد الظهيرة في أوروبا، وارتفعت أسهم شركتي السلع الفاخرة الفرنسية «إل في إم إتش» و«ريتشمونت» 3.2 و4.6 في المائة.

سيعتمد التأثير الحقيقي على الشركات إلى حد بعيد على كمّ صادراتها من وإلى الصين، وما إذا كانت لهم عمليات تصنيع هناك. ويرى المحللون أن تقييم الرينمبي على المدى البعيد يمكن أن يكون له تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد الكلي.

ويقول المحللون في بنك «نامورا» الياباني في مذكرة يوم الاثنين: «من الواضح أن تقييم الرينمبي مقابل الين يصب في صالح الشركات اليابانية التي تتوق للاستفادة من النمو في السوق الصينية»، إلا أنهم أشاروا إلى أن ذلك سيتسبب في بعض التداعيات السلبية للشركات اليابانية التي تقوم بعمليات تصنيع في الصين والتي تصدر إلى باقي المناطق. ونقلت وكالة «رويترز» عن وزير المالية الياباني، يوشيهيكو نودا، قوله: «أتوقع أن تكون الخطوة إيجابية للاقتصاد الصيني والآسيوي والعالمي أيضا، وأنا أرحب بالخطوة بصورة أساسية».

كما نقلت وكالة «رويترز» عن بانديد نايجاثواورن، نائب محافظ البنك المركزي التايلاندي، أن الأرباح في الرينمبي، الذي يعرف أيضا باليوان، «ستدعم الصادرات إلى الصين وتساعد في خفض الخلل التجاري على المدى البعيد. فالصين سوق صادرات تايلاندية، وإذا ما تعزز اليوان فيمكن لصادراتنا أن تنافس الصادرات الأخرى، وهو ما سيفيدنا».

خدمة «نيويورك تايمز»