اتجاه دولي للتشدد مع شركات التنقيب عن النفط في البحر

تسرب نفطي محدود أمام سواحل الغردقة

TT

تبحث حكومات عدة دول اتخاذ شروط جديدة مع شركات التنقيب عن النفط في البحور والخلجان لإجراءات السلامة على شواطئها، مما قد يزيد من تكلفة الإنتاج. ويأتي هذا الاتجاه الدولي للتشدد مع شركات التنقيب، بعد وقوع تسرب نفطي كارثي في خليج المكسيك، أدى لخسائر بمليارات الدولارات وكارثة بيئية.

وكشف مصدر ليبي بوزارة البترول لـ«الشرق الأوسط» أمس، عن أن ليبيا، إحدى أهم الدول المنتجة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط، قد لا تسمح لشركات بترول عالمية بالتنقيب على سواحلها، ما لم تقدم هذه الشركات ضمانات بعدم وقوع تسرب نفطي مماثل للتسرب الذي حدث منذ شهرين في خليج المكسيك، مضيفا أن هذا الشرط في حال العمل به سيطبق على شركة «بريتش بتروليوم» (بي بي) البريطانية التي تعمل بالفعل على الساحل الليبي.. لكن دولا أخرى في آسيا، مثل الفلبين، قالت إن أي إعادة لتقييم إجراءات السلامة لن يسري على الشركات العاملة على سواحلها بالفعل.

ويوجد تعاقد يعود لثلاث سنوات مضت بين «بي بي» وليبيا للتنقيب عن البترول على سواحل غدامس وسرت تبلغ قيمته نحو 900 مليون دولار. وبحسب المصدر فإن طلبات أخرى من عدة شركات عالمية تريد التعاقد على التنقيب في الساحل الليبي الأطول على البحر المتوسط (نحو ألفي كيلومتر). كما زاد إنتاج مصر من البترول خلال العامين الماضيين بنحو 12 في المائة، إضافة لمصادقة مجلس الشعب قبل يومين على نحو 7 اتفاقات جديدة للتنقيب، في حين بدأ السودان منذ مطلع العام التنقيب عن النفط في قاع البحر الأحمر قرب منطقة سواكن ومحمد قول. ويقول محللون إن شركات نفطية في منطقة الشرق الأوسط الغنية بإنتاج النفط، وفي مناطق أخرى من العالم، تتخوف من لجوء الدول إلى فرض رسوم تأمينية جديدة على شركات التنقيب في البحور والخلجان القريبة من الشواطئ كضمانات لإجراءات السلامة ضد أي تسرب نفطي، وذلك على خلفية التسرب النفطي القريب من السواحل الأميركية، وكذا وقوع حالات تسرب نفطي محدودة في بعض المواقع الأخرى من العالم. وتتجه الدول إلى التنقيب في البحر مع تزايد الطلب العالمي على الطاقة. وقال حمدي عبد العزيز وكيل وزارة البترول المصرية المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن بعض الدول ستضع أمام عينيها حادثة خليج المكسيك، ووضع شروط أكثر شدة في اتفاقياتها البترولية، لما يتعلق بمثل هذه الحوادث، والوقاية منها..«الإجراءات ستكون أكثر قسوة على الشركة، وقد يطلب منها أن تستخدم أجهزة أكثر دقة وتكنولوجية».

وعما إذا كانت مثل هذه الإجراءات التي قد تلجأ إليها الدول النفطية، تتضمن رسوم تأمينية إضافية، أوضح عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»: «قد تطلب بعض الدول اشتراطا باقتطاع مبالغ من حصيلة الإنتاج يوضع تحت حساب صندوق للإنفاق منه في حال وقوع أي حوادث، أو سداد تأمين أو تعويض أو غيره»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن زيادة معدلات النمو وزيادة الطلب على الطاقة في العالم دفع دولا كثيرة للاتجاه إلى التنقيب في البحر منها، على سبيل المثال، الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك الأماكن التي كان الحفر محظورا فيها، مثل المناطق القريبة من الشواطئ السياحية.

وقال الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو يتخذ قرارا في مارس (آذار) الماضي بفتح مناطق جديدة للتنقيب قبالة السواحل الأميركية، إنه خيار «صعب»، مما أثار غضب المدافعين عن البيئة. ويتسبب التسرب النفطي في إصابة البيئة الطبيعية بأضرار جمة، إضافة لأضرار تتعلق بمدن تعيش على النشاط السياحي والمراكز العلاجية والترفيهية على سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر ومنطقة الخليج وغيرها.

وتطرق نواب بالبرلمان المصري لمسألة التشدد مع شركات التنقيب عن النفط على السواحل، من خلال بيانين عاجلين لنائبين من البحر الأحمر، حيث أدى تسرب نفطي قدره خبير مصري بنحو 40 برميل بترول بالقرب من شواطئ المنتجعات الشهيرة على البحر، بين منطقتي الجونة والغردقة، لإثارة المخاوف من إصابة مشروعات سياحية عالمية تبلغ كلفتها مليارات الدولارات بأضرار جمة. وتجد محاولات السيطرة على التسرب الذي وقع في خليج المكسيك صعوبات، مما يفاقم من تأثيرها السلبي على الحياة الطبيعية والاقتصادية، وهو ما عبر عنه اجتماع لوزراء الطاقة بدول من آسيا والمحيط الهادي (آبك) بقوله إن مشكلة التسرب في خليج المكسيك قد تؤدي إلى تشديد اللوائح التنظيمية لعمليات التنقيب البحرية، وتأخير المشروعات الجديدة.

وقال وزير الطاقة الفلبيني خوسيه إيبازيتا لوكالة «رويترز»، على هامش الاجتماع الذي عقد قبل يومين في اليابان: إن بلاده ستعقد اجتماعا هذا الأسبوع مع الشركات التي تنقب عن النفط والغاز لديها، لتقييم إجراءات السلامة لمراجعة اللوائح التنظيمية.

وبالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قال المصدر الليبي، وهو مسؤول في وزارة البترول: «إن من حق ليبيا والدول التي تسمح لشركات النفط بالعمل على سواحلها أن تتخذ إجراءات تجعل احتمالات التسرب النفطي ضعيفة للغاية.. هذا يجري بحثه. وقد يكون في صورة التزام تلك الشركات بدفع أموال (تعويضات) كبيرة، في حال ثبتت مسؤوليتها أو تقصيرها في احتياطات الأمان من التسرب، وأن تكون مسؤولة عن التعويض وإزالة الأثر في أسرع وقت».

وإلى جانب السياحة البحرية، تنتشر على سواحل البحر الأحمر رياضات الغوص العالمية وصيد الأسماك والاستجمام على الشواطئ، لكن تأثير التسرب النفطي المحدود الذي جرى الكشف عنه قبل يومين بمصر، لا يقارن، بحسب عبد العزيز، بتسرب خليج المكسيك الضخم، الذي أدى لانخفاض حجوزات السياحة على الشواطئ في عدة ولايات هناك بنسب تتراوح بين 70 في المائة و90 في المائة.

ولم يكن أي تسرب نفطي يثير قلقا يذكر لدى شركات النفط والحكومات، في الماضي، بسبب قلة التنقيب في البحر.. لكن محللين ومتعاملين في قطاع النفط عبر العالم أصبحوا يخشون، على ما يبدو، من احتمال ارتفاع تكاليف الاستكشاف في مناطق مشابهة تضم الكثير من إمدادات النفط غير المستغلة في العالم، وهو أمر يمكن أن يضر بتوافر هذه الإمدادات مستقبلا، ويزيد من كلفة الطاقة أيضا.