التوجه الكندي المحافظ تجاه الرهن العقاري يشكل نموذجا للولايات المتحدة

تتحد السياسة والتنظيمات لخلق ظروف تسمح لمالكي المنازل بالتمتع بتقدير ثابت للأسعار

تجنبت كندا الممارسات الخطيرة التي شهدها سوق العقارات الكندي (أ.ب)
TT

عندما اشترى منزلا الأسبوع الماضي مع سداده مبلغا مقدما يمثل 40 في المائة، لم ير المحامي كيفين فريتز في الصفقة أي أهمية خاصة بالنسبة للنقاش الدائر حول الاستقرار المالي العالمي.

إلا أنه عليكم إمعان التفكير فيما يلي: مع استمرار تقلقل مبيعات وأسعار المنازل الأميركية، اشترى فريتز من السوق الكندية التي تمكنت بالفعل من استعادة مستوياتها السابقة للأزمة المالية. من دون توافر ميزات ضريبية جوهرية أمام المشترين الأميركيين، حرص فريتز على جمع أكبر قدر ممكن من المال لسداد مبلغ مقدم، ويتوقع أن يسدد رهنه العقاري الممتد لـ15 عاما للمصرف ذاته الذي منحه القرض - وهو أمر نادر الحدوث داخل الولايات المتحدة، حيث تعمد الشركات المالية عادة إلى إعادة بيع الرهون العقارية.

وشرح فريتز أن «الكنديين ينفرون من الديون»، الأمر الناتج في جزء منه عن توجه ثقافي، وفي جزء آخر تشكل عبر ممارسات وتنظيمات مصرفية مصممة للإبقاء على الناس بعيدا عن المنازل إلا إذا كان بإمكانهم بالفعل سداد ثمنها. وأضاف فريتز أن «الناس هنا لا يميلون إلى الرفع».

مع اجتماع الرئيس أوباما وقادة دول مجموعة العشرين الآخرين في تورنتو للمضي قدما في النقاش حول سبل تجنب أزمات مالية مستقبلية، يتوافر أمامهم نموذج جاهز في كندا، حيث ساعد توجهها الكلاسيكي إزاء تمويل الرهن العقاري في تجنبها الجزء الأسوأ من الفوضى المالية التي اجتاحت العالم مؤخرا.

من ناحيته، شرح إد كلارك، الرئيس التنفيذي لـ«تي دي بانك» أن «الهيكل التنظيمي الكندي هو الذي أفرز نظام الرهن العقاري الكندي، مثلما أن الهيكل التنظيمي والسياسي في الولايات المتحدة هو الذي خلق نظام الرهن العقاري الأميركي». مع تزعم واشنطن حاليا المناقشات حول كيفية تعزيز استقرار النظام المالي، أعرب كلارك عن اعتقاده بأن «سخرية الموقف تتجلى في أن أحد الأسباب الرئيسة وراء الأزمة يتمثل في نظام الرهن العقاري الأميركي».

باعتبارها شريكا تجاريا كبيرا للولايات المتحدة، لم تنجح كندا في الفرار من دون أذى من موجة الانحسار الاقتصادي التي مني بها العالم مؤخرا. كما عانت البلاد من ركود، وتدخلت حكومتها ذات القيادة المحافظة بعشرات المليارات من الدولارات في صورة إنفاقات إضافية لتعزيز الاقتصاد.

بيد أن التجربة هنا مختلفة تماما عن التجربة الأميركية، وتسلط الضوء على كيف تتحد السياسة والتنظيمات وسلوك المستهلك لخلق ظروف اقتصادية تسمح لمالكي المنازل أمثال فريتز بالتمتع بتقدير ثابت للأسعار، في وقت يعاني فيه نظراؤهم داخل الولايات المتحدة عبر سنوات من الشك والقلق. رغم الآمال في بدء الاقتصاد الأميركي استعادة عافيته، انحسرت مبيعات المنازل الجديدة في مايو (أيار) إلى مستوى قياسي في انخفاضه بلغ 300000، وكان من بين العوامل وراء ذلك انتهاء سريان الاعتمادات الضريبية للمشترين.

خلال الفترة السابقة مباشرة لوقوع الأزمة، خضعت المصارف هنا لقواعد أشد صرامة أجبرتها على تنحية رؤوس أموال أكبر من تلك التي ادخرتها نظيراتها الأميركية واتسمت إدارتها بطابع أكثر محافظة. وأبدت وكالات حكومية مثل «كندا للرهن العقاري» و«هاوشنغ كورب» التزاما أكبر بسياسات عززت من خلالها سوق الإسكان عبر عرض تأمين رهن عقاري، لكن على خلاف الحال مع «فاني ماي» و«فريدي ماك» في الولايات المتحدة، لم يكن متوقعا منها قط تشجيع ملكية المنازل كغاية اجتماعية أو اقتصادية في حد ذاتها.

الملاحظ أن قانون الضرائب الكندي حيادي، بمعنى أن الفائدة على أقساط الرهن العقاري غير قابلة للخصم، وهي حقيقة شجعت مشتري المنازل على دفع مبالغ مقدمة أكبر. كما أن المصارف ذاتها تتوقع الإبقاء على الرهون العقارية التي قدمتها وجني الفوائد. وتسمح غالبية القروض بإعادة تعديل معدلات الفائدة بعد خمس سنوات، ويحمل معظمها كذلك عقوبات تتعلق بالدفع المسبق - وهو أمر نادر الحدوث في الولايات المتحدة.

وتمثلت نتيجة ذلك في سوق بدا بطيئا عندما كانت الفقاعة الأميركية العقارية في التضخم، لكنه تميز «بالعقلانية» على طول الطريق، حسبما أكد كريغ ألكسندر، الخبير الاقتصادي البارز لدى «تي دي بانك».

وقال ألكسندر: «بصورة أساسية، ما شاهدناه هو استجابة السوق العقارية الكندية لديناميكيات العرض والطلب». وقارن بين ذلك وسوق العقارات الأميركية المتحركة بدافع من معايير إقراض هينة وطلب وول ستريت على حزم الرهون العقارية معا وبيعها كأوراق مالية. وأضاف: «إن الرهون العقارية التي جرت في كندا هي رهون تشعر المصارف بسعادة بالغة في إبقائها داخل سجلات حساباتها».

الملاحظ أن الرهون العقارية مرتفعة المخاطرة في كندا شكلت قرابة 5 في المائة فقط من القروض التي قدمتها مصارف محلية خلال فترة الازدهار العقاري، مقارنة بأكثر من 20 في المائة داخل الولايات المتحدة.

وفي الوقت الذي بقيت فيه حركة السوق العقارية الأميركية بطيئة، تبدي السوق الكندية قدرا أكبر من الحياة بصورة دفعت «بانك أوف كندا» مؤخرا لزيادة معدلات الفائدة واتخاذ الجهات التنظيمية خطوات أخرى لتعزيز الطلب - مثل تشديد قواعد التأهل لنيل رهن عقاري.

في هذا الصدد، أشارت باميلا ألكسندر، المديرة الإدارية لشركة «ري - ماكس» العقارية بكندا، إلى أن الوسطاء العاملين لديها اشتكوا عند إقرار هذه الإجراءات.

وقالت: «قلت لهم «عليكم أن تسعدوا بما يجري، فرغم ما يحمله من ألم قصير الأجل، فإنه يعني خلق سوق طويلة الأجل».

من بين القواعد التي عززت الأداء الكندي والتي تكتسب حاليا قبولا أكبر بين دول «مجموعة العشرين» رفع معايير رأس المال للمصارف، على سبيل المثال، والتحلي بحذر أكبر في إدارة المخاطر. إلا أنه ربما يصعب على حكومات أخرى محاكاة توجه المستهلكين الكنديين.

على امتداد السنوات الثلاث منذ تخرجها في الجامعة وحصولها على وظيفة بحكومة أونتاريو الإقليمية، حرصت كارالي دسوزا، 25 عاما، على ادخار المال بانتظام لشراء شقة في وسط تورنتو - لكنها لا تنوي الإقدام على هذه الخطوة بالفعل حتى تتمكن من دفع 20 في المائة على الأقل مقدما وتحصل على سعر مناسب. وعن ذلك قالت: «من المهم صعود سلم العقارات تدريجيا. إنني أدخر المال منذ أن كنت طفلة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»