أوباما يواجه صعوبة في الترويج لمزيد من الإنفاق الحكومي لتعزيز الاقتصاد

مقاربته تجد تفهما في مجموعة الـ20 أكثر من الكونغرس الأميركي

أوباما برفقة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ورئيس المفوضية الأوروبية مانويل باروسو ورئيس الوزراء الياباني ناوتو كان خلال اجتماع مجموعة الثماني في هانتسفيل بكندا (أ.ف.ب)
TT

وصل باراك أوباما لحضور قمة الدول الاقتصادية، ومعه بالفعل بعض الإنجازات. ومع ذلك، سيواجه الرئيس الأميركي صعوبة أكبر في سعيه لإقناع الزعماء الأوروبيين بالعمل وفق ما يرغب في قضية يعتقد أنها ضرورية للانتعاش الاقتصادي، وهي الحاجة إلى نفقات عامة لتحفيز الاقتصاد.

وخلال الأيام التي سبقت القمة، ضمن أوباما تغييرا في سياسة العملة داخل الصين يمكن أن يفيد الصادرات الأميركية، والتزاما أوروبيا بإجراء تعديلات من أجل تحسين قواعد الشفافية المصرفية، واتفاقا على تشريع جديد يدخل تعديلات على نظام الرقابة المالية ويمنحه قدرة أكبر على دفع زعماء الدول الأخرى للقيام بخطوات مماثلة.

لكن، في الوقت الذي يجتمع فيه أوباما مع مجموعة الثماني داخل منتجع ريفي شمال تورونتو، فإنه وجه دعوة إلى الزعماء الأوروبيين داعيا إياهم إلى عدم تقليل النفقات العامة في غمار أزمة ديون متنامية داخل القارة الأوروبية. وقد أضفى الكونغرس تعقيدا على رسالة أوباما، حيث رفض طلبات من الرئيس بنفقات عجز جديدة لتحفيز الاقتصاد. وينظر أوباما إلى الاقتصاد العالمي بنظرة أكثر تشاؤما بالمقارنة مع نظرائه الأوروبيين، حيث إنه لا يعتقد بدرجة كبيرة أن الاقتصاد تحسن بالقدر الكافي منذ اجتماع المجموعة في لندن العام الماضي على نحو يبرر التراجع الحكومي الواسع بتلك الدول التي تعاني من مشكلات ديون.

واعتمادا على قدراته في إقناع الزعماء الأوروبيين خلال قمة مجموعة الثماني بالاستمرار في النفقات العامة سيتحدد ما إذا كانت الانتعاشة الاقتصادية ستحصل على دفعة خلال الأشهر المقبلة أم ستحدث حالة ركود، علما بأنه ستلي قمة مجموعة الثماني قمة لمجموعة العشرين في تورونتو نهاية الأسبوع.

ويقول إدوين ترومان، وهو زميل بارز في معهد بيتر بيترسون للاقتصادات الدولية، ومساعد وزير الخزانة السابق للشؤون الدولية «ستُطرح قضية جوهرية خلال القمة حول حجم وشكل الانتعاش العالمي. ومن الإنصاف القول إن موقف الإدارة لا يشبه مواقف الكثير من الدول الأخرى». وعلى ضوء رسالته، يتبين أن الرئيس الأميركي على خلاف مع حلفاء مثل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد أعلن الاثنان عن إجراءات تقشف خلال الأسابيع الأخيرة. وداخليا، يواجه أوباما وقتا عصيبا خلال سعيه إلى استخدام الأموال في الأهداف التي تضمنتها رسالته.

وفي مواجهة موسم انتخابات تكميلية صعب، لم يوافق الكونغرس إلا على نحو ربع مبلغ 266 مليار دولار في صورة «إجراءات انتعاشة مؤقتة» كان قد طلبها الرئيس في ميزانيته خلال فبراير (شباط).

ويوم الثلاثاء، أعاق مجلس الشيوخ مشروع قانون كان من شأنه أن يمدد مساعدات البطالة ويقدم مساعدات إلى ولايات تعاني من نقص في الأموال، ويقول الجمهوريون إن الـ33 مليار دولار التي كان من المفترض إضافتها إلى العجز تمثل رقما كبيرا بصورة مبالغ فيها. وأدان البيت الأبيض «اعتراض الجمهوريين، في الوقت الذي تواجه فيه العائلات الأميركية تحديا اقتصاديا كبيرا».

وقال أوباما يوم الجمعة قبل أن يرحل إلى كندا «نحتاج إلى العمل معا، فقد أثبتت الأزمة، ولا زالت الأحداث تؤكد، أن اقتصاداتنا الوطنية مترابطة. وسأعمل مع الدول الأخرى من أجل تنسيق جهود الإصلاح المالي وتشجيع النمو الاقتصادي العالمي مع ضمان أن كل دولة تتبع نهجا مستداما يناسب مواردها المالية العامة».

وفي خطابه الأسبوع الماضي لزعماء مجموعة العشرين، ذكر أوباما نظرته الأكثر تشاؤما المرتبطة بالانتعاش الاقتصادي. وكتب أوباما أنه «يوجد ضعف كبير في اقتصادات مجموعة العشرين». وحذر من أنه «بعد العمل بجد على نحو استثنائي لاستعادة النمو لا يمكن أن نترك الاقتصاد يتعثر أو يفقد قوته حاليا». وتوقع صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد الأميركي سوف ينمو بسرعة تفوق سرعة نمو الاقتصادات الأوروبية خلال الأعوام القليلة المقبلة. ولكن على ضوء أزمة الديون الأخيرة داخل اليونان وتعرض دول أخرى بمنطقة اليورو للمخاطر، تشعر الدول الأوروبية الآمنة ماليا بالتردد إزاء تشجيع النمو من خلال ضخ أموال عامة إضافية أو حتى المحافظة على المستويات الحالية من النفقات.

وقال دبلوماسي أوروبي بارز داخل واشنطن، شريطة عدم ذكر اسمه كي يتسنى له مناقشة الأمر بصراحة «إذا لم نقم بشيء من أجل مواجهة الديون، سنواجه ضغوطا أكبر داخل الأسواق المالية. لكن نفهم أيضا ما يقوله الرئيس أوباما، وأنه لا يمكننا قتل الانتعاشة البطيئة الحالية».

ويقول الدبلوماسي إن تردد الكونغرس في الموافقة على طلبات النفقات التي قدمها أوباما تظهر أن الولايات المتحدة وأوروبا «تواجهان المشكلات نفسها». وأضاف الدبلوماسي «نحن في موقف متناقض نوعا ما وعلينا العثور على طريق للخروج منه».

يذكر أنه خلال الأعوام الأخيرة قامت اليونان بتخفيض النفقات ورفع الضرائب كي تتأهل للحصول على مساعدات دولية. وأخيرا، اقترحت المستشارة الألمانية ميركل تقليل نفقات الدفاع والأشغال العامة وتطبيق ضرائب جديدة، على الرغم من أن العجز داخل ألمانيا آمن نسبيا حيث يبلغ 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وأعلن ساركوزي مؤخرا عن خصومات في الميزانية قيمتها عشرات المليارات من الدولارات، وعن خطط لرفع سن التقاعد داخل فرنسا من أجل توفير الأموال التي تُنفق على المعاشات الحكومية. وقد تحرك رئيس الوزراء البريطاني أيضا من أجل رفع سن التقاعد في مقترح ميزانية خلال الأسبوع الحالي يدعو، كذلك، إلى رفع الضرائب وتقليل النفقات الحكومية بصورة حادة.

وفي خطابه، اعترف الرئيس أوباما بالتضارب داخل أوروبا، قائلا إنه «توجد حاجة إلى الالتزام بالتعديلات المالية من أجل تحقيق استقرار في النسب ما بين الدين والناتج المحلي الإجمالي وجعله في مستويات مناسبة». وحذر أيضا من أن هذا «التماسك» يجب أن يحدث على «المدى المتوسط»، مستشهدا بـ«الأخطاء الناجمة في الماضي عندما سحبت حزم التحفيز الاقتصادية بسرعة مبالغ فيها».

لكن قال مسؤولون بارزون في الإدارة إن الولايات المتحدة تقوم بذلك أيضا، وستقلل بسرعة من نفقاتها العامة خلال العام المقبل. وسيحدث ذلك بدرجة كبيرة بسبب قانون تحفيز اقتصادي قيمته 862 مليار دولار مرر في فبراير (شباط) 2009 من المقرر أن ينتهي العام المقبل.

ويقول مسؤولون في الإدارة إنهم يبذلون جهودا لتشجيع نمو القطاع الخاص من خلال تنزيل ضريبي لصالح الشركات الصغيرة وتشريع آخر سوف يغطي التراجع في نفقات التحفيز الاقتصادي.

وتعني الرسالة الأميركية المختلطة نوعا ما إلى الزعماء الأوروبيين أن النقاش حول التحفيز الاقتصادي داخل تورونتو يحتمل أن يدور حول وتيرة التراجع في النفقات، بحسب ما يقوله مسؤولون في الإدارة ودبلوماسيون أوروبيون.

وتقول هيثر كونلي، مديرة البرنامج الأوروبي في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، إن أوباما والزعماء الأوروبيين سيسعون إلى «التمييز بين استراتيجيات الخروج» في البيان الختامي لمجموعة العشرين. وأضافت «سيصوغون عبارات بارعة للإشارة إلى أننا نعمل على هذه القضايا، ولم نصل إلى اتفاق». وأضافت أنه بهذه الطريقة ستكون القمة هنا تمهيدا لقمة مقبلة من المقرر أن تعقد في وقت متأخر من العام الحالي.

وتقول كونلي «ليست هذه قمة للإعلان عن أننا نجونا من العاصفة، بل ستشير إلى أننا خرجنا منها إلى أماكن مختلفة، ونحتاج إلى المحافظة على التقدم. وأعتقد أننا سنجد أنه سيجري الإعداد لأجندة قمة تعقد بكوريا الجنوبية في نوفمبر (تشرين الثاني) لنعرف إذن هل تمكن من معالجة أزمة الديون الأوروبية فعلا أم لا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»