صيف حار يهب على الاقتصاد الإسباني خوفا من وصول «العدوى اليونانية»

إضراب عمال المترو احتجاجا على إجراءات التقشف القاسية

TT

فيما بدأ العاملون في شبكة مترو الأنفاق في مدريد إضرابا مدته ثلاثة أيام احتجاجا على خفض الأجور الذي يمثل جزءا من خطة تقشف أعلنتها الحكومة لسد العجز الهائل في الميزانية، يواجه رئيس الوزراء الأسباني صيفا حارا على حكومته التي تواجه مصاعب جمة في إطار رغبتها الجامحة في تجاوز المصاعب المالية التي يمر بها الاقتصاد الإسباني، وتحاشي وصول العدوى اليونانية إلى معقل الدولة الأسبانية.

ويهدف الحزب الاشتراكي الذي يقود البلاد إلى توفير 15 مليار يورو (18.57 مليار دولار) من خلال خفض أجور العاملين في القطاع الحكومي خمسة في المائة إلى جانب إجراءات أخرى.

وفي حين أن هذه الإجراءات لم تكن تستهدف في البداية العاملين في قطاعات مثل قطاع النقل فقد طبقت الإدارة الإقليمية في مدريد خفض الأجور على العاملين في شبكة مترو الأنفاق.

ودفعت هذه الخطوة خمس نقابات عمالية للدعوة إلى الإضراب الذي سيؤدي إلى تقليص خدمة مترو الأنفاق بأكثر من النصف اليوم وسيؤثر على ما يقدر بنحو مليوني راكب في العاصمة.

وأوضحت وكالة رويترز أن هذه الخطوة تأتي بعد إضراب موظفين حكوميين في الثامن من يونيو (حزيران) الحالي احتجاجا على خفض الأجور وهي تسبق إضرابا عاما مزمعا في نهاية سبتمبر (أيلول) احتجاجا على إصلاحات بسوق العمل تقول نقابات عمالية إنها تقلل تكلفة إقالة العمال.

ويمكن القول إنه لم يكن في حسبان خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو رئيس الوزراء الإسباني، في أواخر العام الماضي أن صيف هذه السنة سيكون حارا أكثر من غيره في السنوات الماضية. فقد دفعته «نيته الطيبة» إلى التفكير أن بإمكانه قيادة بدء مرحلة الإنعاش الأوروبي بعد خروج معظم الدول الأوروبية من فترة الركود الاقتصادي التي عصفت بها خلال السنوات القليلة الماضية، ومن بينها إسبانيا، خلال الثلاثة أشهر الأولى من رئاسته الدورية للاتحاد الأوروبي. ولكن، ومع حلول العام الجديد، حصل ما لم يكن في الحسبان، وبدأت أوروبا في مواجهة أزمة جديدة لا تقل خطورة عن الأزمة القائمة، وهي أزمة المالية العامة أو الحكومية التي ألقت الشكوك على قدرات العديد من البلدان ومن بينها إسبانيا. وهكذا اضطرت مدريد إلى اتخاذ تدابير جديدة وإجراءات قاسية غير متوقعة لمواجهة تهديدات الأسواق المحلية والدولية وتحذيرات الاتحاد الأوروبي، ووضع خطة لا سابق لها في محاولة يائسة لتخفيض العجز وإصلاح قطاع العمل اعتمدت بمقتضى مرسوم دون موافقة المحاورين الاجتماعيين، كالنقابات العمالية ومنظمات أرباب العمل، ودون الحصول على الدعم الضروري من القوى السياسية الأخرى وبالأخص من الحزب الشعبي المعارض الذي اختار الامتناع عن التصويت أثناء الجلسة البرلمانية التي خصصت للمناقشة والتصويت على المرسوم. وبعد أيام قليلة من تولي الرئاسة الدورية الأوروبية بدأ الزلزال اليوناني يهز الاتحاد الأوروبي، ووجهت المفوضية الأوروبية تحذيرات بشأن الوضع اليوناني الخطر في تقرير حول المخالفات التي ارتكبتها اليونان بانتظام عند إعطاء المعلومات المالية. وسارع الاتحاد الأوروبي لوضع الآليات الضرورية لنجدة اليونان شارك فيها صندوق النقد الدولي. ولكن هذه الآليات لم تتمكن حتى الآن من إقناع الأسواق الدولية. وهنا بدأ القلق ينتشر في الصفوف الأوروبية خوفا من انتقال عدوى السيناريو اليوناني إلى البلدان الأوروبية التي تقع تحت أعباء نسبة عجز مرتفعة، ومن بينها إسبانيا، وسارع المجلس الأوروبي، في اجتماعه المنعقد في 7 مايو (أيار) الماضي إلى مناقشة خطر انتشار العدوى إلى إسبانيا والبرتغال، وبعد ذلك بيومين فقط أعلنت الحكومة الإسبانية عن خطة للحد من العجز في السنتين الجارية والمقبلة، قيل آنذاك أن الاتحاد الأوروبي كان وراءها.

وما كان أمام الرئيس ثاباتيرو إلا المثول أمام البرلمان الإسباني كي يشرح الخطوط العريضة لخطته الجديدة التي ارتكزت على تسوية الإنفاق العام، وذلك عبر خفض النفقات الاجتماعية بنسبة عالية، وخفض أجور الموظفين بنسبة معدلها 5%، وتجميد رواتب المتقاعدين، وسحب مساعدات الأمومة، وغيرها. ولكن الشارع الإسباني لم ينتظر كثيرا في الرد على «التدابير غير العادلة»، وجاء رده عبر إضراب لموظفي القطاع العام في 8 يونيو الحالي. وهكذا فشل الحوار الاجتماعي وفشل ثاباتيرو في إقناع الفاعليات الاجتماعية والسياسية، واعتمدت الحكومة الخطة التي «فرضها» الاتحاد الأوروبي، وأعلنت النقابات العمالية الإسبانية إضرابا عاما في 29 سبتمبر المقبل، اعتبره الشارع الإسباني متأخر جدا لأن الوضع الداخلي أصبح لا يطاق منذ فترة طويلة. وبالإضافة إلى خفض أجور الموظفين، وتجميد رواتب المتقاعدين، ومنح أرباب العمل وأصحاب الشركات تسهيلات كبيرة في التوظيف والصرف، زادت الحكومة الإسبانية ضريبة القيمة المضافة نقطتين لتصبح 18% في أول يوليو (تموز) المقبل، وأعلنت عن زيادة الضرائب، وبالأخص لأصحاب الثروات، الذين بدأت تلاحق رؤوس أموالهم في المصارف السويسرية. ولكن المفاجأة جاءت عندما حصلت مدريد على معلومات حول 3 آلاف حساب مصرفي في سويسرا فقط يملكها إسبان أعطتهم وزارة المالية الإسبانية مهلة تنتهي مع نهاية الشهر الجاري للإعلان عن ثرواتهم وتطبيق القانون الضرائبي الإسباني قبل اتخاذ أي تدابير جذرية ضد أصحاب هذه الحسابات.