ماذا أغفل مؤتمر «قمة تورونتو» وتذكره الملك؟

سعود الأحمد

TT

لقد أثبت العالم أنانيته، من خلال تركيزه في قمة العشرين الرابعة (قمة تورونتو) على تحرير التجارة والاستثمار والتحفيز الاقتصادي ودعم البنوك، وإغفاله مواضيع إنسانية مهمة، مثل: إعانات الطاقة في الدول الفقيرة والبطالة العالمية والجوع والفقر في الدول النامية ومشكلات الشعوب في دول ما دون مستوى الفقر.. ومشكلة ترشيد الاستهلاك! ففي كل مناسبة دولية تثبت الدول الكبرى أنها تتناسى واجباتها الإنسانية في رعاية مصالح الأجيال القادمة. فهذا هو موضوع ترشيد استهلاك الطاقة لا تتخذ منه الدول الكبرى هدفا استراتيجيا في اجتماعاتها العامة وحواراتها الجانبية. متى ما ضمنت استمرار خفض أسعار النفط واستقرار أسواقه، في مسعى لفلسفة براغماتية آنية بحتة، تنصب نحو الضغط على الدول المنتجة لتزيد من تنقيبها عن النفط وإنتاجه لمواجهة تزايد الطلب على الطاقة، ورغبة عالمية لاستمرار بيع النفط للدول الصناعية بأرخص من الماء، وإباحة بيع منتجاته للدول المستهلكة كقطع غيار السيارات وغيرها للدول النفطية بما يعادل وزنها ذهبا! ومما يرسخ ظاهرة إغفال قيمة النفط الحقيقية، أن الدول المصدرة للنفط ليست من بين الدول المعنية برسم السياسة العالمية. بالنظر إلى أن نسبة (70%) من احتياطات النفط، ونسبة (38%) من الغاز الطبيعي لدى الدول المغلوبة على أمرها التي تضم دول الخليج العربية وجنوب تركيا وغرب إيران.

ولذلك فالعالم لم يجتمع (بعد) ليفكر جديا في تقنين استخدام العربات ذات الاستهلاك المسرف للطاقة، كالسيارات ذات الدفع الرباعي التي يجوب بها بعض سائقيها منفردين داخل المدن دون حاجة. كما لا توجد خطوات عالمية تنظم اقتصادات الوقود لدى مصانع السيارات العالمية لتتاح للاستعمال الشخصي في الدول المنخفضة فيها أسعار الوقود، كفنزويلا ومعظم الدول الخليجية، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من المجاعة النفطية! والحقائق تثبت أنه منذ أن اكتشف الإنسان النفط واستخرجه بكميات تجارية في الولايات المتحدة الأميركية في عام 1858 وإلى يومنا الحاضر، لا اكتراث لدى معظم دول العالم بمصلحة الأجيال القادمة. وكل الذي يحصل مجرد مبادرات تطوعية ترسخ القناعة بخطورة هذا المسلك على المدى المتوسط والطويل، وأنه كفيل بمضاعفة معاناة الأجيال القادمة! ولعل التاريخ يشهد لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه يحمل هم الأجيال القادمة بحرصه (يحفظه الله) على الطاقة كامنة في الأراضي السعودية. خدمة لأبناء وطنه والأجيال القادمة للبشرية. عندما ذكر في كلمته المرتجلة لأبنائنا الطلبة في الولايات المتحدة الأميركية، وبأسلوبه المتبسط، ما يؤكد صراحة أنه أصدر أوامره بالتوقف كليا عن المزيد من التنقيب عن النفط، وقوله بصريح العبارة: «خلوا خزائن الأرض فيها لأبنائنا وأبناء أبنائنا إنشاء الله». إدراكا منه بحقيقة أن العالم اليوم ليس بحاجة إلى مزيد من النفط، لأن الطاقة الإنتاجية الحالية للسعودية تبلغ 12.5 مليون برميل يوميا، بفائض يصل إلى 4.4 مليون برميل يوميا، وخدمة لأجيال أبناء الألفية الحالية.

وأخيرا.. من أجمل ما قرأته في تصريحات قمة تورونتو، تأكيد وزير المالية السعودي بقوله: «إن قمة تورونتو، لا تتضمن أي التزامات مالية على المملكة». وما تضمنه تصريح محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بأن بلاده لا تخطط لشراء الديون السيادية للدول الأوروبية.

* كاتب ومحلل مالي