الحكومة الإسبانية تنجح للمرة الأولى في تاريخ البلاد في خفض مرتبات الموظفين

إجراءات السيطرة على النفقات العامة كانت ضد «آيديولوجية الحكومة»

مقر البنك المركزي الإسباني (رويترز)
TT

عندما أعلنت الحكومة اليونانية أنها تعاني من الإفلاس، تحولت الأنظار إلى دول أخرى مماثلة داخل أوروبا، مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وآيرلندا. وكانت الحكومة الإسبانية تستهل رئاستها للاتحاد الأوروبي، وكان عليها أن تواجه الكثير من الضغوط بشأن قدرتها على إدارة البلاد، وعلى قيادة الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الوقت، كرر رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، مرة بعد أخرى، أن إسبانيا ليست في المستوى نفسه الذي فيه اليونان، وكان ذلك شيئا حقيقيا. ولكن، كان عليه أن يعترف بأنه يجب على البلاد أن تخفض الملايين والملايين، إذا كان يريد «تنظيف» الأرصدة، وتقليل العجز الكبير، الذي بلغ 11.2 في المائة، ومعدل البطالة الذي بلغ 20 في المائة.

ومن أجل تحقيق ذلك، أعلن ثاباتيرو في مايو (أيار) عن إجراءات تاريخية للسيطرة على النفقات العامة، وجميعها كان ضد آيديولوجيته الاشتراكية في ما يتعلق بالإعانات الاجتماعية أو الاستثمار في التنمية والتعاون، (ستنفق إسبانيا مبلغا أقل، بمقدار 600 مليون في هذا الصدد، العام المقبل).

وكان القرار الرئيسي هو تقليل رواتب الموظفين الحكوميين، وكانت هذه المرة الأولى في التاريخ الإسباني التي تتخذ فيه حكومة مثل هذا القرار. وخلال أسوأ الفترات الاقتصادية التي عاشتها إسبانيا، تجرأ رؤساء الوزراء الآخرون على تجميد هذه الرواتب، ولكنهم لم يقللوها؛ لأن الموظفين الحكوميين يمثلون جماعة ضغط قوية داخل إسبانيا، (تبلغ نسبة الموظفين الحكومية 1 لكل 18 شخصا).

وتمكن ثاباتيرو من القيام بذلك، وأشار إلى أن هذا شيء ضروري، ولا فكاك منه. ومنذ يونيو (حزيران)، خفض المرتب الأساسي للموظفين الحكوميين بنسبة 5 في المائة في المتوسط، وسيتجمد المرتب خلال 2011. وقررت الحكومة الإسبانية أن تطبق نسبة مئوية، كي تجعل الأمر أكثر عدلا.

وأوضح الرئيس الإسباني، الذي يحصل على راتب حاليا أقل من بعض أبرز رؤساء بلديات مدن إسبانيا مهمة، مثل مدريد وبرشلونة وفالنسيا: «سيكون الخصم على الدخول، ولضرب مثال على ذلك، قررت الحكومة تقليل رواتبنا بنسبة 15 في المائة». ويلزم القرار رئيس الإقليم ورؤساء بلديات وأعضاء البرلمان، وكل شخص يشغل منصبا بالانتخاب، تقليل راتبه أيضا، بنسبة تتراوح ما بين 5 - 15 في المائة.

ويقول ثاباتيرو: «من خلال جميع هذه الإجراءات، يفترض أن يتم تقليل النفقات العامة خلال العام الحالي بمقدار 5000 مليون يورو، و10000 مليون يورو خلال 2011». ويعد ذلك تحركا مهما، ولكنه لا يكفي بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد الدولي.

وأدى هذا القرار إلى إضراب قام به الموظفون الحكوميون، ولكنه لم يحقق نجاحا مثلما كانت تتوقع الاتحادات العمالية. ولم يضرب عن العمل في ذلك اليوم سوى أقل من 20 في المائة من العمال، وكان هذا اليوم شيئا سيئا للاتحادات التي كانت تخطط في النهاية إلى عقد إضراب عام.

ولكن، في 20 مايو (أيار)، عانى الموظفون الحكوميون من تخفيض الرواتب، وعرف المتقاعدون أن معاشهم سيتجمد العام المقبل، إلا أصحاب أقل المعاشات. ويمثل المعاش قضية حساسة داخل إسبانيا. وخلال العقد، أشارت الحكومة المحافظة إلى أن النظام الإسباني العام يفلس، ولن يكون في مقدور جميع الإسبانيين الحصول على معاشهم في أعوامهم الأخيرة.

وبقرار ثاباتيرو، أعيد فتح النقاش من جديد، وظهرت مخاوف أصحاب المعاشات، وجعل ذلك القطاعات اليسارية داخل الحزب الاشتراكي تقف ضد زعيم الحزب، ثاباتيرو، وأفراد الحكومة. وحاول ثاباتيرو توضيح أن أصحاب المعاشات لن يفقدوا قوتهم الاقتصادية؛ لأن الحكومة قامت، العام الحالي، بتعديل معاشاتهم، بصورة تتجاوز تكلفة الحياة العادية. وتساءل بعض الأعضاء البارزين في الحزب الاشتراكي عن أهمية الإجراءات. ولكن مضت الحكومة في طريقها، ومن خلال هذا القرار ستوفر الحكومة 1530 مليون يورو خلال 2011.

وانتقدت المعارضة ما تقوم به الحكومة، وقالت إنها تتخذ الإجراءات من دون وجود خطة لتقليل العجز، الذي بلغت نسبته 11.2 في المائة. ومع ذلك أكد ثاباتيرو على أن «الأسواق تتغير كل يوم، ولا يمكن لأي حكومة أوروبية التنبؤ بمستقبل هذا الوضع الصعب».

واستمر ثاباتيرو في تقليل المساعدات الاجتماعية، ووفر في بند الدواء، وألغى فحوصا للأطفال، وهي مساعدة اجتماعية قيمتها 2500 يورو تُعطى إلى أي أم جديدة. وبدءا من 2011، سوف يلغى هذا الحافز، وستوفر الحكومة 1250 مليون يورو إضافية. ولتقليل النفقات على الأدوية، أعلن رئيس الوزراء، للمرة الأولى في الحقبة الديمقراطية داخل إسبانيا، أنه سيعدل الأطباء عدد وحدات عبوات الدواء، حتى يقوموا بتوزيع عبوات بها حبة أو حبتان إذا كانت هناك حاجة. وستوفر إسبانيا 1300 مليون إضافية في قطاع الصحة.

ومع ذلك، فإن كل هذه الإجراءات لا تكفي، وكان لزاما على ثاباتيرو أن يعلن عن تخفيض كبير في الاستثمارات العامة. ولتوفير 6045 مليون يورو، لن يتم البدء في مشروع بنية تحتية خلال 2011. ولن يتم البدء في صناعة أي قطارات، أو بناء طرق أو مبانٍ أو مدارس حتى 2012. وبالطريقة نفسها، ألزمت الحكومة المناطق الإقليمية بتخفيض قيمته 1200 مليون في مشروعات ونفقات عامة خلال العام الحالي، محذرة بأنها لن تحصل على المزيد من المال من الأرصدة المركزية، إذا لم تمرر خطة بها خصومات.

وتنذر معارضة هذا الإجراء بأن السوق الإسبانية قد تدخل مرحلة ركود. ولكن، لم يكن هناك أموال للقيام بأي شيء حتى «تنظيف» الأرصدة العامة.