العراق يواجه عجزا إسكانيا يصل إلى 3 ملايين وحدة سكنية

الحكومة تجبر على إشراك المصارف الأهلية والأموال الأجنبية لسد العجز الإسكاني

TT

أزمة السكن في العراق تعد واحدة من أهم الملفات التي ما زالت تنتظر حلولا جذرية لها بتدخل حكومي أو خاص، ومشاريع الحكومة المعلنة لبناء مجمعات إسكانية في بغداد والمحافظات لا يكمن بها الحل فهي لن تسد سوى أقل من 10 في المائة من الحاجة الفعلية التي تقدر بأكثر من ثلاثة ملايين وحدة سكنية، وقد انتبهت الحكومة إلى ضرورة إقحام القطاع الخاص والاستثمار العربي والأجنبي لتلافي أزمة حقيقية قد تظهر في المستقبل بسبب الزيادة السكانية التي لا يقابلها توسع إسكاني ونقص قديم قد يتضاعف بشكل سريع.

ومن خلال نظرة سريعة على القطاع الإسكاني وجدت «الشرق الأوسط» أن أسعار العقارات في بغداد فاقت بكثير أسعار عقارات أغنى دول العالم حيث يصل سعر شقة إلى 400 مليون دينار عراقي أي ما يعادل 335 ألف دولار أميركي. أما أسعار البيوت فهي الأخرى شهدت طفرات سريعة وغريبة في ذات الوقت حتى وصل سعر دار لا تتجاوز مساحتها 600 متر مربع ما يقارب ثلاثة مليارات دينار وهذا يعني أنه تخطى حاجز المليوني دولار بكثير، أما في مدن تجارية تميزت بطابعها الديني والجاذب للسياحة والاستثمار الأجنبي مثل كربلاء فقد قفز سعر المتر الواحد إلى عشرة أضعاف ما كان عليه قبل سنتين ليصل في هذه المدينة ما يقرب من 5 آلاف دولار.

وهناك تجربة تطبق تقريبا في أغلب دول العالم التي يعتمد اقتصادها على نظام السوق الحرة، وهو النهج الذي تبناه العراق بعد التغيير، تمثلت بالاعتماد على المصارف الأهلية والحكومية التي يمكن لها استثمار سيولتها المالية الضخمة لبناء مجمعات عمودية ومن ثم توزع على المواطنين باستقطاعات مريحة ومقابل نسب فوائد متباينة وبحسب التنافس أو بأسعار مدعومة حكوميا.

سامي الأعرجي (رئيس هيئة الاستثمار العراقية) أكد لـ«الشرق الأوسط» أن العراق سلك النهج ذاته، مؤكدا: «سنقوم بالاعتماد على المصارف الأهلية لتشجيع القطاع الإسكاني، حيث اجتمعنا بالمصارف الحكومية والأهلية العراقية وعرضنا عليهم فكرة المشاركة ورحبوا بها. وسيقوم المصرف العراقي للتجارة (TBI) بالتنسيق مع هذه المصارف لتمويل جزء من كلف بناء المجمعات السكنية بالإضافة إلى التمويل العربي والأجنبي، أما نسبة الفائدة المتوقعة فيجري بحثها الآن بين هذه المصارف وحال تحديدها سيتم الإعلان عنها».

من جهته، أوضح سعد البنية رئيس مصرف الوركاء للتنمية والاستثمار العراقي الذي يعد المصرف الخاص الوحيد الذي رفع رأس ماله إلى 250 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 200 مليون دولار أميركي، أنه وللخوض في هذا الموضوع لا بد أن نعرج على قانون المصارف العراقي المرقم 94 لسنة 2004 - وعلى مادته 28 حصرا التي حظرت على المصارف الاستثمار في جميع المجالات - الذي حدد عملها في العمليات الائتمانية فقط، في حين أن كل المصارف أسست لغرض العمليات الائتمانية والاستثمار والتمويل وهذا ما توحي به عناوينها، علما أن كل البنوك في العالم تمارس مثل هذا العمل إلى جانب عملها المصرفي، وتكون هذه الاستثمارات للمدى البعيد وتتجاوز أحيانا (15) سنة مما يحقق عائدا كبيرا للمودعين إضافة إلى توفير السكن المريح والكريم لعموم المواطنين، ولا شك أن ذلك لا يتوفر إلا بتوفر السيولة المطلوبة لهذه العمليات، إلا أن القرار الذي صدر بتحديد التعامل مع المصارف الأهلية وسحب جميع الودائع التابعة لدوائر الدولة أدى إلى شح السيولة في هذه المصارف بشكل كبير، وذلك بسحب جميع الودائع الحكومية بشكل مفاجئ وسريع دون سابق إنذار.

وأضاف البنية: «إن التعويل على الاستثمارات العقارية بالبنوك الأجنبية أمر يصطدم بالوضع الأمني لأن المعروف أن رأس المال جبان ولا يمكن لمستثمر أجنبي أن يخوض هذا الغمار ما لم يستقر الوضع الأمني بشكل سليم، وعليه يجب التوجه إلى رأس المال الحكومي الموجود في البنوك الحكومية - المتمثلة بالعملاق النائم - لتتوجه صوب الاستثمار العقاري لتأمين عيش وسكن كريمين للمواطن، أما الرساميل العراقية لأصحاب رؤوس الأموال فإنها قد تحولت إلى الخارج نتيجة للوضع الأمني».

وبشأن إمكانية حصول المصارف الأهلية على دعم حكومي للخوض في مشاريع الاستثمار في قطاع الإسكان بين البنية: «أنا متأكد أن كل مواطن عراقي لديه حس وطني يجب أن يتكاتف ويتعاون لحل هذه الأزمة لأن التعاون ما بين البنوك ومجالس المحافظات وأمانة بغداد يكون حلقة متكاملة تنعكس على رفاهية المواطن العراقي، لكن المشكلة الأساسية بهذا الموضوع البنى التحتية لهكذا مشاريع مثل الماء والكهرباء والمجاري والاتصالات والطرق لأن كل ما يحتاجه العراق الآن هو ثورة بيضاء يدا بيد بجميع أطيافه للتغلب على الصعوبات والمعوقات والفساد الإداري والمالي لكي ينهض بإمبراطور الحضارات والديانة إلى مستوى يفوق جميع دول العالم لأن العراق لم يستثمر به إلا القليل طوال الأربعين سنة الماضية».

أما من ناحية سعر الفوائد المترتبة على هكذا قروض (طويلة الأمد) فهذه عملية اقتصادية حسابية تعتمد أساسا على عرض الودائع مقابل طلب استخدام هذه الودائع تحدد من قبل البنك المركزي العراقي الذي هو بنك البنوك، وأساسياته تقديم الرخاء في العراق بحيث لا تتجاوز عمولة المصرف أكثر من 2 في المائة بالسنة كمصاريف إدارية وقانونية وسيطرة واستحصال مبالغ، مشيرا إلى أنه يجب علينا ألا نركز على محافظة بغداد ولكن احتياجات الوحدات السكنية في جميع أنحاء العراق من البصرة إلى الموصل ومن الأنبار إلى ديالى.

وبشأن أهم المشاريع المستقبلية للمصارف الأهلية قال سعد البنية «لا يوجد أي تقنية حديثة في القطاع المصرفي في العالم لم تدخل في مصارفنا، ولكن إذا كان هناك عدم ثقة ما بين الحكومة والقطاع المصرفي الخاص فلن تغير التقنيات الحديثة صيغة التعامل الحذر دون مبرر من قبل الدولة مع القطاع المصرفي الخاص، مما يجعل هذه التقنية التي أنفق عليها ملايين الدولارات لا تفعل بشكل صحيح للاستفادة منها في كل العمليات الائتمانية المصرفية كي توازي أكبر المصارف في العالم الحديث المتطور».