الأسواق «شبه الناشئة».. قوة جديدة في الاقتصاد العالمي

بينما تعرف العوائد داخل الكثير من الأسواق الناشئة البارزة بعض التعثر

إحدى المنشآت النفطية في نيجيريا.. وتصنف نيجيريا ضمن الأسواق شبه الناشئة («الشرق الأوسط»)
TT

قبل ثلاثة أعوام، زار جوزيف روم، مدير صندوق «T. Rowe Price Africa and Middle East» العاصمة النيجيرية لاغوس، وكان يرافقه حينها حراس يحملون أسلحة شبه أوتوماتيكية. وفي هذه الأيام، يمشي روم، وهو مواطن من جنوب أفريقيا، وحده في الطرقات. ويقول: «أشعر بالأمن داخل لاغوس أكثر مما أشعر به في جوهانسبورغ».

ويظهر هذا التحول الواقع المتغير لما يعرف باسم الأسواق شبه الناشئة (Frontier Markets)، وهي الأسواق الأقل تطورا من الأسواق الناشئة مثل البرازيل والصين والهند. وقد دخلت دول، ومناطق بالكامل كان يقال قبل أعوام قليلة إن بها مخاطر كبيرة، إلى سوق الأسهم بقوة.

وقد دشنت شركات استثمار كبرى صناديق استثمارية تبادلية وصناديق مؤشرات متبادلة تضع كل أو على الأقل جزءا كبيرا من الأموال في مناطق شبه ناشئة. وقد بدأ صندوق روم، وهو من بين أقدم الصناديق، عام 2007. ومع نهاية أبريل (نيسان)، كان الصندوق قد استثمر نحو ثلاثة أرباع مبلغ يصل إلى 207 ملايين دولار داخل دول من بينها نيجيريا وكينيا وقطر. وخلال 12 شهرا حتى يونيو (حزيران)، حقق الصندوق عوائد نسبتها 17 في المائة.

وقد قدم موردان بارزان لصناديق المؤشرات المتبادلة، «كلايمور للأوراق المالية» و«إنفيسكو باورشيرز»، منتجات داخل أسواق شبه ناشئة. ويستثمر صندوق «Claymore/BNY Mellon Frontier Markets» في مختلف أنحاء العالم، بينما يركز الصندوق « PowerShares MENA Frontier Countries Portfolio» داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وكلتاهما تعتمد على مؤشرات خاصة بأسواق شبه ناشئة.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تعاني فيه اقتصادات داخل غرب أوروبا وأميركا، وتنخفض فيه أسعار الفائدة الأميركية. وقد تعثرت العوائد داخل الكثير من أسواق الأسهم الناشئة البارزة، مثل البرازيل والصين وروسيا، خلال العام الحالي بعد الارتفاع عام 2009.

ويقول قسطنطين باباغيورغيو، مدير المحافظ البارز بـ«أكاديان لإدارة الأصول» في بوسطن: «ننظر إلى الأسواق شبه الناشئة على أنها جذابة بالمقارنة مع الأسواق الناشئة». ويضيف: «لم يشاركوا في الارتفاع الكبير عام 2009 الذي شهدناه في الأسواق الناشئة».

ويعد الاستثمار في الأسواق شبه الناشئة ظاهرة جديدة، ويختلف الحرفيون على الدول التي تشكل هذا القطاع. ويتضمن المديرون والمؤشرات أسماء مختلفة. ويجعل «كلايمور» شيلي وبولندا في المقدمة، على الرغم من أنه لا توجد أي منهما في مؤشر «MSCI Frontier». ويتضمن المؤشر مجموعة متنوعة من الدولة مثل الأرجنتين ورومانيا وكينيا وكازاخستان. وقد ارتفع بنسبة 0.66 في المائة، من بينها الأرباح، خلال الأشهر الستة الأول من العام الحالي، بالمقارنة مع عائد إجمالي سلبي تبلغ نسبته 7.57 في المائة لمؤشر الأسهم «ستاندرد آند بورز 500». ومما ساعد مؤشر الأسواق شبه الناشئة العوائد الإيجابية داخل ثلاث أسواق مهمة: نيجيريا والكويت وقطر.

ويضع الجميع تقرير، ومن بينها « MSCI»، نيجيريا في فئة الأسواق شبه الناشئة. ويقول آدم كوتاس، مدير صندوق «Fidelity Emerging Europe, Middle East and Africa»: «هناك تساؤلات عن الدولة التي ستحذو حذو البرازيل. وأجيب بلا تردد إنها نيجيريا»، لأن لديها عدد كبير من السكان وقاعدة ضخمة من الموارد الطبيعية.

ولدى نيجيريا احتياطي نفط كبير، وتحتل المرتبة العاشرة عالميا، حسب ما تشير إليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وعلى مدى أعوام، كانت ثرواتها سببا في الاضطراب، حيث تمرد سكان دلتا النيجر الغني بالبترول ضد ما اعتبروه حصة صغيرة جدا في العوائد. وفي الفترة الأخيرة، استقر الدلتا، وشهدت الدولة الكثير من التحولات الديمقراطية، بعد أن كانت من قبل ديكتاتورية عسكرية. وقد عاد ارتفاع أسعار السلع بالنفع على نيجيريا والكثير من الاقتصادات البارزة داخل أفريقيا، التي تعتبر غنية بالموارد، حسب ما يقول بول كولير، مدير مركز دراسة الاقتصادات الأفريقية داخل جامعة أكسفورد. ويضيف البروفسور كولير: «تعد هذه الدول الجبهة الأخيرة لاكتشاف الموارد الطبيعية. ومع ارتفاع أسعار السلع، سيتم اكتشافها جميعا». ويشير البروفسور كولير إلى أنه في الوقت نفسه، قام صناع السياسات داخل أماكن، مثل نيجيريا، بتقليل التضخم الكبير وتحرير التجارة. وقد ساعد ثراء الموارد والاستقرار الكلي على جذب مستثمرين.

ويوجد في الكثير من دول الأسواق شبه الناشئة مقدار كبير من السلع. وهي متنوعة كما هو متوقع من اقتصادات داخل أربع قارات. وتكتشف كازاخستان، على سبيل المثال، النفط والمعادن، فيما تبيع الأرجنتين فول الصويا والذرة والقمح، وتتفوق فيتنام في قطاع التصنيع. وعلى ضوء هذا التنوع، فإن عوائد الأسهم الخاصة بها متقاربة مع تلك الموجودة داخل أسواق متقدمة وناشئة، حسب ما يقوله باباغيورغيوي من «أكادينا». ولا ترتبط العوائد داخل مناطق الأسواق ببعضها. ويقول باباغيورغيوي: «تتاجر أسواق شرق أوروبا مع بعضها، ولكن بصورة مختلفة عن الدول الأفريقية». وعليه، يمثل مخصص الأسواق شبه الناشئة شيئا مختلفا داخل أي محفظة.

ولا يعني ذلك كله أن هذه الأماكن أصبحت منخفضة المخاطر. ويقول غريغ ولبر، وهو محلل استثمار بارز داخل «مورنينغتسار»: «يعتقد بعض الناس أن العلاقة غير التبادلية تعني أن الأسواق شبه الناشئة سترتفع عندما ينخفض كل شيء. وهذا غير صحيح، فهي ليست الدواء السحري. وعندما تنخفض الأسعار تتعرض هذه الأسواق لضربة قوية، ومن ثم فهم غير محميين».

ولا تزال بعض دول الأسواق شبه الناشئة تعاني بدرجة أكبر من خطر الفساد والأزمات السياسية بالمقارنة مع الأسواق المتقدمة النمطية، حسب ما يقوله دارل زيتشمان، وهو مستشار بارز مقيم في شيكاغو لدى «تاورز واستون للخدمات الاستثمارية». ويضيف زيتشمان: «تشهد هذه الدول تقلبات كبيرة، وتحتاج إلى مدى زمني طويل جدا».

ويشير إلى أنه يوافق على الاستثمار فيها. مؤكدا أنها «متنوعة نسبيا، وبها عدد كبير من السكان، وتنمو بسرعة. ولكنها تستحق الدراسة. وقد كان الناس يقولون الشيء نفسه فيما يتعلق بالأسواق الناشئة قبل 15 عاما».

وعليه، ما الذي يمكن أن يعد مخصصا مناسبا داخل سوق شبه ناشئة لمستثمر على المدى الطويل لديه بالفعل محفظة متنوعة، ويمكن أن يلطف المخاطر؟ تتراوح تقديرات مديرين يعملون في القطاع بين 2 و5 في المائة.

ولكن كان ولبر، من «مورنينغتسار»، متشككا في أي استثمار. ويقول: «تضع الصناديق الدولية وصناديق الأسواق الناشئة مقدارا قليلا جدا من الأموال داخل الأسواق شبه الناشئة. ويمكنك أن تؤسس محفظة دولية رائعة من دون صندوق داخل الأسواق شبه الناشئة». ويضيف أنه إذا كنت تعتقد أن الدول ذات الأسواق شبه الناشئة ستنمو بسرعة أكبر من العام المتقدم، فعليك النظر إلى أشياء عملية مرتبطة بها، ومن بينها التكلفة. ويشير ولبر إلى أن صناديق الأسواق الناشئة تميل إلى أن تكون أغلى من المتوسط. ويضيف: «يمكن أن يكون لها مستقبل واعد، ولكن لا يمكن أن تفترض ببساطة أنك ستحصل على عوائد كبيرة». ويقول كوتاس، من «Fidelity»، إن أي شخص يعتقد أن الأسواق شبه الناشئة سترتفع بصورة مستمرة يجب أن يتذكر ما حدث عام 1978. وكان ذلك عندما سمت مجلة «تايم» دنغ شياو بينغ، الذي كان يقود التحول داخل الاقتصاد في الصين، أبرز رجل خلال العام.

* خدمة «نيويورك تايمز»