بنغلاديش تنافس الصين في جذب الشركات العالمية لصناعة الملابس

ارتفاع أجور العمال الصينيين دفع الشركات إلى البحث عن أماكن جديدة للعمالة الرخيصة

أحد مصانع الملابس في بنغلاديش (أ.ف.ب)
TT

يضيق الطريق السريع الذي يحتوي على ثماني حارات والقادم من العاصمة البنغلاديشية دكا بصورة متكررة بينما يقترب من هذه المدينة الواقعة على بعد نحو 30 ميلا في الشمال، وفي النهاية تدلف السيارات إلى حارة موحلة بها الكثير من الحفر تحيط بها أشجار المنغروف ومحلات صغيرة.

ولكن، هذه المنطقة لم تعد منطقة ريفية نائية، بل تتحول إليها مصانع أجنبية بوتيرة متزايدة، إذ دفعت المطالب المتزايدة برفع أجور عمال المصانع في الصين الشركات إلى البحث عن أماكن جديدة للعمالة الرخيصة.

ووراء بوابات حديدية وحوائط خرسانية مرتفعة يوجد عشرات الآلاف من العمال، معظمهم من النساء، يقضون أيامهم داخل مصانع يخيطون قمصانا وبناطيل وسترات من أجل شركات مثل «وول مارت» و«إتش أند إم» و«زارا» وغيرها من شركات التجزئة والعلامات التجارية الغربية.

ويوجد في إحدى الشركات البنغلاديشية هنا، وهو مجموعة «دي بي إل» 9000 شخص يقومون بتصنيع القمصان وبأعمال حياكة أخرى. ويعد هذا النشاط جيدا، وهو ما دفع الشركة إلى إتمام مبنى جديد من 10 طوابق به مساحات مفتوحة بحجم ملاعب كرة قدم تنتشر فيه آلات الحياكة في شكل صفوف وراء بعضها. وتقول مسعودة أكثار، وهي عاملة على ماكينة حياكة لدى «دي بي إل» تبلغ من العمر 21 عاما: «تحتاج عائلتي إلى المال، ولذا جئنا إلى هنا».

ومع ارتفاع التكاليف داخل الصين، بدأت بعض الشركات تتحول إلى دول أخرى مثل بنغلاديش وفيتنام وكمبوديا – على الأقل من أجل بضائع أرخص تحتاج إلى كثافة عمالية مثل الملابس الكاجوال والدمى والأدوات الإلكترونية البسيطة التي لا تحتاج بالضرورة إلى عمال متعلمين ويمكنها تحمل شبكات كهرباء ونظم مواصلات لا يعتمد عليها.

وذكرت شركة «لي آند فونغ»، وهي شركة مقرها هونغ كونغ تقوم بعمليات لصالح شركات مثل «وول مارت» و«ليز كلايبرون»، أن إنتاجها داخل بنغلاديش ارتفع بنسبة 20 في المائة خلال العام الماضي، فيما تراجع الإنتاج داخل الصين بنسبة 5 في المائة.

وقال ويليام فونغ، المدير الإداري في مجموعة «لي آند فونغ» في شهر مارس (آذار): «تزداد قدرات بنغلاديش التنافسية يوما بعد آخر». وقد بدأ تدفق الوظائف إلى دول أكثر فقرا مثل بنغلاديش قبل أن تؤدي الاضطرابات العمالية الأخيرة داخل الصين إلى زيادة كبيرة في الرواتب، مما صب في صالح الكثير من عمال المصانع هنا – وقبل تغيرات في سياسة العملة داخل بكين يمكن أن تؤدي أيضا إلى زيادة تكلفة الصادرات الصينية. ولكن، يتوقع علماء اقتصاد في الوقت الحالي تزايد وتيرة هجرة الوظائف الصينية ذات الرواتب المنخفضة.

وعلى الرغم من أن العمال داخل بنغلاديش وغيرها من الدول النامية يطالبون برواتب أعلى أيضا – الأمر الذي أدى إلى مصادمات بين الشرطة والمحتجين مطلع الأسبوع الحالي في مصنع ملابس خارج دكا – فإنهم لا يزالون يحصلون على دخل أقل كثيرا بالمقارنة مع العمال في المصانع الصينية.

ويوجد في بنغلاديش، على سبيل المثال، أقل رواتب في قطاع الملابس في العالم، حسب ما يقوله ناشطون حقوقيون عماليون. وتحصل أكثار، التي يُنظر إليها على أنها تحصل على راتب جيد بحسب المعايير المحلية، على 64 دولارا شهريا. ويأتي هذا بالمقارنة مع أقل معدل للأجور في الأقاليم الصناعية الساحلية داخل الصين يتراوح بين 117 دولارا و147 دولارا شهريا.

ويقول باري إيتنغرين، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا: «الشركات الصينية التي بدأت تواجه مشكلات هي الشركات التي تنتج الأنسجة والأحذية والمطاطية وأشياء من هذا القبيل. وهناك الكثير من الدول في جنوب أفريقيا وشرق آسيا وأميركا الوسطى ترغب في أن تملأ هذا الفراغ».

ولكن، يجب على بنغلاديش أن تواجه تحديات خاصة بها، حيث تحظى الصين بقدرات تصنيع لا يمكن أن تقدمها بنغلاديش بفضل المزيج الصيني الذي يجمع بين عدد كبير من العمال المهاجرين، كثير منهم حاصل على تعليم ابتدائي على الأقل، بالإضافة إلى طرق حديثة وخطوط سكة حديدية وشبكات كهرباء في المناطق الصناعية. كما تقدم بكين أيضا قروضا منخفضة التكلفة ومحفزات أخرى إلى صناعاتها يصعب على الدول الأخرى تقديمها.

وفي المقابل، تعاني معظم الأنحاء داخل بنغلاديش من انعدام الكهرباء لمدة ست إلى سبع ساعات يوميا لأنها لم تستثمر بالقدر الكافي في محطات الكهرباء وحقول الغاز الطبيعي – وتمثل هذه أوجه قصور تعمل الحكومة على مواجهتها ولكن لن يتسنى علاجها سريعا.

وتبلغ نسبة من يعرفون القراءة والكتابة داخل بنغلاديش 55 في المائة فقط، بالمقارنة مع 92 في المائة داخل الصين. ونتيجة لذلك، نجد أن إنتاجية العمال داخل بنغلاديش تبلغ ربع إنتاجية العمال داخل الصين في مجال صنع القمصان والسترات وغيرها من الملابس الصوفية، حسب ما أفاد به تقرير لمركز حوار السياسات، وهو مؤسسة بحثية مستقلة مقرها دكا.

وعلى الرغم من هذه المعوقات، تمكنت بنغلاديش من زيادة صادراتها من الملابس بنسبة الضعف تقريبا في الفترة من 2004 حتى 2009. ويوجد في هذا القطاع حاليا نحو 3 ملايين شخص، أي أكثر من أي قطاع صناعي آخر في هذه الدولة التي يبلغ عدد سكانها 160 مليون نسمة. وفي الفترة من يونيو (حزيران) حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، تمثل صادرات الملابس أكثر من 80 في المائة من مجمل الصادرات البنغلاديشية التي تبلغ قيمتها 7.1 مليار دولار.

ومن بين الدول النامية، تعد بنغلاديش ثالث أكبر مصدر للملابس بعد الصين، التي بلغت قيمة صادراتها 120 مليار دولار عام 2008، وتركيا التي تأتي في المرتبة الثانية ولكنها تبعد كثيرا عن الصين، حسب ما تفيد به منظمة التجارة العالمية.

وفي ظل وجود نحو 70 مليونا في سن العمل، من المحتمل أن تستطيع بنغلاديش استيعاب الكثير من الوظائف الصينية في قطاع الملابس البالغ عددها 20 مليون وظيفة.

ولكن، يمكن أن تبرهن بعض التغييرات داخل الصين على أن لها ميزات وعيوبا بالنسبة إلى بنغلاديش. وإذا سمحت الصين بتداول عملتها بحرية أكبر، يمكن أن تصبح الصادرات البنغلاديشية ذات قدرات تنافسية أكبر.

ولكن، يمكن أن يضر الرنمينبي الأقوى ببنغلاديش من خلال رفع أسعار الآلات والأقمشة المستوردة من الصين، وهي المورد الأكبر لبنغلاديش، بحسب ما يقوله مشفيق مبارك، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية ييل للإدارة. وبمرور الوقت، يمكن أن تشتري بنغلاديش المزيد من دول أخرى مثل الهند، ولكن هذه الدول ستحتاج بناء مقتدرات إنتاج هامة.

وكما هي الحال داخل الصين، بدأ عمال داخل بنغلاديش طلب أجور أعلى. وخلال الأسابيع الأخيرة أدت احتجاجات عمالية من حين لآخر إلى إغلاق مصانع ملابس، ووقعت مصادمات بين الآلاف من العمال والشرطة داخل دكا وغيرها من مراكز الملابس مثل غازيبور. وفي وقت متأخر من الشهر الماضي، وقعت مصادمات بين الشرطة ونحو 15,000 متظاهر في شارع مزدحم بدكا تنتشر فيه مصانع الملابس. وفي إحدى المناوشات، قام عدد من المتظاهرين برشق ضباط شرطة بالطوب من حارة مقابلة لمصنع «أوتريت فاشون» قبل أن يسارعوا بالفرار بينما كان الضباط يقذفون قنابل مسيلة للدموع عليهم ويضربونهم بالهراوات.

ويطالب عمال الملابس بزيادة نسبتها 200 في المائة للحد الأدنى من الأجور إلى 5000 تاكا (نحو 71 دولارا) في الشهر - ويحصل على هذا الأجر حاليا عمال لديهم أعوام طويلة من الخبرة. وكانت آخر مرة ترفع فيه الحكومة الحد الأدنى من الأجور في 2006 إلى 1662,50 تاكا (نحو 24 دولارا)، ومنذ ذلك الحين بلغت معدلات التضخم 9.9 في المائة سنويا. وتخطط الحكومة حاليا للإعلان عن حد أدنى من الأجور قريبا.

ويقول مشرف ميشو، رئيس منتدى الاتحاد لعمال الملابس، وهي رابطة تزعم أنها تمثل أكثر من 60,000 عضو: «يعيش معظم عمال الملابس داخل مناطق عشوائية، وهناك تتكلف 2000 إلى 3000 تاكا».

وتريد قيادات عمالية من الحكومة أن تسهل على العمال تشكيل نقابات - ويوجد في الوقت الحالي نقابات داخل عدد قليل للغاية من المصانع - والمطالبة بمعايير أمن وظروف عمل أفضل.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي طلبت «إتش أند إم» و«وول مارت» و«غيب» و«تيسكو» وشركات غربية أخرى تشتري الملابس من الحكومة البنغلاديشية زيادة الحد الأدنى من الأجور وإعادة تحديده كل عام، على الرغم من أن المجموعة لم تحدد الشكل الذي يجب أن تكون عليه الأجور. وقالت مالين بيورن، وهي متحدثة باسم «إتش أند إم»، إن الشركة مستعدة لشراء للملابس للمساعدة على دعم الأجور الأعلى. ومن غير الواضح ما إذا كانت هناك شركات أخرى ستفعل مثل ذلك.

ولكن يقول ملاك مصانع هنا إن زيادة كبيرة في الأجور ستجعلهم غير منافسين بالمقارنة مع فيتنام ودول كبرى منتجة أخرى، لديها تكاليف عمالة أعلى ولكن مع بنية تحتية أفضل ومنتجين أكثر كفاءة.

ويقول أنيس الحق، وهو رئيس سابق للنقابة العمالية بقطاع الملابس البنغلاديشي وصاحب مصنع يورد إلى «إتش أند إم» و«وول مارت»: «إذا أصبح (الحد الأدنى من الأجور) 5000 تاكا، فسأغلق جميع مصانعي، وحتى إذا كان 3000 تاكا، ستغلق الكثير من المصانع خلال ثلاثة أو أربعة أشهر».

* خدمة «نيويورك تايمز»