المستقبل: مشكلة العام 3000!

TT

تأثرت دول العالم بالمتغيرات التي حدثت خلال الجزء الثاني من القرن المنصرم وكان العرب من بين تلك الامم. اذ تمكن بعضهم ان يحقق القليل من الانجازات على الصعيد المحلي والاقليمي، لكنهم ما زالوا كمجموعة متخلفين عما وصلت اليه الدول المتقدمة، اذ على الرغم مما تحقق للعرب الا انهم بحاجة الى خطوات كبيرة عاجلة لمواكبة حركة العالم المتقدم.

بدأت شعوب العالم ودوله تستيقظ من سقطتها التي واكبتها خلال القرن العشرين.. ولم يبق غير العرب وزملائهم الافارقة وبعض دول اسيا الذين لا يملكون رؤية لصياغة المستقبل والتعامل معه، اما دول العالم الاخرى فقد بدأت مسيرتها في هذا الدرب منذ الربع الاخير من القرن الماضي حين حضرت أهدافها وخططها للدخول في زمن حديث، بل ان بعض مناطق العالم بدأت تحصد نتائج تخطيطها حتى قبل ان تدخل القرن فالمجموعة الأوروبية تسير بخطوات أكيدة نحو أوروبا الموحدة اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وقانونيا حتى لو تأخرت الوحدة السياسية، والصين بدأت تجني ثمار خططها الاقتصادية وتحقق افضل معدلات للنمو في العالم على الرغم من انها ما زالت تقوم على نظام شمولي مبني على الشيوعية، واليابان حضرت نفسها لا لتدخل القرن الواحد والعشرين بصورة حديثة بل لتكون سيدة القرن، والنمور الاسيوية (نبتت) لها اجنحة واصبحت (نسورا) تحلق في الفضاء. اما الولايات المتحدة الأميركية وجيرانها في الشمال والجنوب فأولئك لهم شأن آخر متميز وأمام هذا الوصف يبدو الوضع العربي اكثر بؤسا وتخلفا.

هذا المشهد الذي أصبح جليا للجميع بعد أن قامت (وسائل) التشريح العربية والاجنبية باظهار بواطنه ولم يعد هناك من آخر يمكن اضافته للقول عن تخلف العرب، على الرغم من يقين بعض الباحثين العرب أنهم ما زالوا يملكون (أسرارا) عن التخلف العربي يلوحون بها في كل ملتقى، فيكفي هذه الأمة أنها منذ ما يقرب من مائة عام ومثقفوها وعلماؤها يتحدثون عن تخلفها وتراجعها، ولذا فإن أي حديث عن تخلف العرب لن يضيف جديدا وآن الأوان للبحث عن حلول لهذا الواقع الذي يعتقد البعض ان الخروج منه لا يمكن ان يتم الا من خلال بوابة السياسة، وعلى الرغم من أهمية هذا الأمر الا ان مواطن الضعف ليست سياسية فقط بل تعصف بكافة الجوانب، وما تحتاجه الأمة اليوم هو مشروع (نهضوي) شامل لكافة الجوانب يكون اساسه الاقتصاد الاخلاقي اي الاقتصاد المبني على أسس مسؤولة، ان القوة الاقتصادية هي احد العناصر المؤثر في صياغة اي مستقبل عربي، وتجاهلها يجعل من العرب أمة فوضوية بلا هدف.

واذا كان الاقتصاد هو اساس أي مشروع تنموي فإن الإنسان هو جوهر هذا المشروع فهو الغاية والوسيلة، ان الإنسان العربي لا يبحث عن رغيف الخبز فقط بل يبحث عن مكان له بين أبناء العالم، وحدهم العرب يعيشون خارج الاحداث وخارج التاريخ، فكأن ما يحدث لا يعنيهم أو كأنه يدور على كوكب آخر، وحين تأتي محاولاتهم لتقليد تلك التجارب تأتي إما ناقصة أو مشوهة، وتكون النتيجة مزيدا من الصراعات الاجتماعية ومزيدا من الحلول الفاشلة التي لا تجني منها المجتمعات سوى الدمار والخراب والتخلف، ان بعض العرب ما زال ينظر الى الحلول العملية المطلوبة باعتبارها ترفا لا حاجة لنا به أو انها مما (يقذفنا) به الغرب من سيئاته، أو ان الشعوب والمجتمعات ليست مهيأة لممارسة حرية المشاركة، أو أنها لا تتناسب مع معتقداتنا وقيمنا الاجتماعية أو غير ذلك من الدعوات التي لم تعد مقنعة حتى لاصحابها.. ثم يطالب هؤلاء بعد ذلك ان يدخلوا الى القرن الجديد ويكونوا ندا لقرنائهم من الدول والشعوب الاخرى.

واذا كان التعليم هو ابرز مظاهر التنمية البشرية واهمها فإن التقارير الدولية تشير الى أنه بنهاية عام 1996 كان هناك ما يقرب من 69 مليون عربي أمي وكم مفزع هذا الرقم اذا علمنا ايضا ان نسبة نمو السكان هي من بين الأعلى في العالم فكيف سيتم توفير فرص تعليم وفرص توظيف كريمة تؤمن حياة شريفة؟ وهل سيتم تأمين حقوقهم بأنظمة عادلة وقضاء نزيه؟ اذا كانت مشكلة عام 2000 الهاجس التقني الأكبر الذي ختم به العالم الألفية الماضية، فكيف سيتمكن العرب من مواجهة تحديات الألفية الحالية واللحاق بركب الكون أم نحن بحاجة لألف عام اخرى لذلك.

اننا اليوم نجد لنا شركاء في تخلفنا وهم بعض الافارقة والاسيويين، ولكن ربما يأتي يوم لن يشاركنا احد في ذلك، لقد وصلنا الى مفترق طريق حاسم فنحن بين خيارين اما القناعة بالأمر الواقع، وهذا لا يرضي عاقلاً، واما السعي الى اصلاح هذا الواقع، وهذا ما يجب ان نبحث فيه حتى نجيب على سؤالنا المهم، كيف سيكون مستقبلنا العربي؟.