حقل النفط الكازاخستاني الذي بإمكانه معادلة إنتاج خليج المكسيك لا يزال يعمل بنصف طاقته

«شيفرون» الأميركية محبطة من عائدات حقل «تينغيز»

حقل «تينغيز» في كازاخستان الذي يعد واحدا من أكبر المخزونات النفطية المعروفة في العالم («نيويورك تايمز»)
TT

يقف أحد الحقول النفطية هنا في آسيا الوسطى على أهبة الاستعداد لإنتاج عدد من البراميل يوميا يقترب من إجمالي إنتاج منطقة خليج المكسيك، مع احتمالية أقل للإضرار بالبيئة.

ومع ذلك، فإنه بعد 30 عاما من اكتشاف هذا الحقل النفطي، المعروف باسم «تينغيز»، ما يزال يعمل بنصف طاقته تقريبا، الأمر الذي يقع اللوم فيه على اعتبارات جيوسياسية، وليس جيولوجية.

تكمن المشكلة الرئيسة المتعلقة بحقل تينغيز، الذي تتولى شركة «شيفرون» الأميركية تشغيله، ليس في استخراج النفط، ذلك أنه جرى بالفعل حفر أكثر من 100 بئر بنجاح في صحراء غرب كازاخستان، قرب بحر قزوين، وإنما في الوصول بهذا النفط إلى السوق.

يرتبط حقل تينغيز، الذي يعد واحدا من أكبر المخزونات النفطية المعروفة، بخط أنابيب يمتد لمسافة 1.500 كيلومتر، أو 935 ميلا، حتى البحر الأسود. وترفض الحكومة الروسية منذ سنوات مد هذا الخط. وأصرت على هذا الرفض رغم كون «شيفرون» شريكا بحصة أقلية في خط الأنابيب الذي تتولى تشغيله «كونسرتيوم كاسبيان بايبلاين» (كونسرتيوم خط أنابيب قزوين) الذي تملك روسيا حصة الأغلبية به ووافق منذ قرابة عشر سنوات على زيادة قدرة الخط لأكثر من الضعف عندما يستلزم الطلب ذلك.

وعليه، فإنه بدلا من إنتاج 600.000 برميل يوميا من حقل تينغيز حسبما أمل المخططون بحلول الوقت الراهن، قصرت «شيفرون» إنتاجها على ضخ 420.000 برميل عبر خط أنابيب «كونسرتيوم كاسبيان بايبلاين» إلى البحر الأسود وهو أقرب نقطة دخول إلى خطوط الملاحة البحرية الدولية. وأرجأت «شيفرون» استثمارات لتعزيز الإنتاج من شأنها رفع الإنتاج لقرابة مليون برميل يوميا. في المقابل، يبلغ الإنتاج اليومي لخليج المكسيك نحو 1.5 مليون برميل.

في الوقت الراهن، يجري نقل بعض إنتاج تينغيز الذي يتعذر على خط الأنابيب استيعابه عبر أسطول من السفن المكلفة ببحر قزوين وناقلات تسير على خطوط سكك حديدية برا إلى البحر الأسود. وأجبرت هذه الجهود «شيفرون» على التحول إلى أكبر شركة تشغيل خطوط سكك حديدية في كازاخستان.

في هذا السياق، علق غاي هولنغزورث، المدير الإداري لـ«شيفرون» في أوروبا وآسيا، قائلا: «لو سارت الأمور على النحو الذي أملته (شيفرون) بيسر، كنا سنتمكن من تمديد خط (كونسرتيوم كاسبيان بايبلاين) منذ خمس سنوات»، في إشارة إلى خط الأنابيب.

إلا أن «شيفرون» لم تقرر بعد. باعتبارها الشريك المسيطر على خط الأنابيب، رفضت روسيا تمديد خط الأنابيب، في الوقت الذي حاولت حشد تأييد المستثمرين ومؤسسات النقل الدولية لبناء خط أنابيب ثان يشكل الضلع الثاني في رحلة النفط عبر وصلة برية بين البحرين الأسود والمتوسط.

بجانب فرض مزيد من السيطرة على نقل النفط داخل المنطقة، تسعى موسكو لتجنب الشحن عبر مضيق البوسفور في تركيا، الممر التقليدي إلى خارج البحر الأسود، وهو منطقة تأزم محتملة حيث يعمل المضيق بالفعل بقدرته القصوى فيما يخص مرور ناقلات النفط. الملاحظ أن فلاديمير في. بوتين، الرئيس السابق ورئيس الوزراء الحالي، تزعم منذ أمد بعيد المفاوضات الروسية بشأن خط الأنابيب، وأبدى اهتماما شخصيا بسياسات الطاقة بالمنطقة الأورو - آسيوية.

ويسلط الموقف المتأزم المرتبط بتمديد خط أنابيب «كونسرتيوم كاسبيان بايبلاين» الضوء على أنه في الوقت الذي ينطوي إنتاج النفط بمناطق مثل الولايات المتحدة ومياهها على مخاطر بيئية كبرى، فإن الاعتبارات الجيوسياسية العالمية يمكن أن تحمل مخاطر تجارية كبيرة بالنسبة لشركات النفط العالمية.

خلال السنوات التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، أبدى كثير من المعنيين بالصناعة أملهم في أن تتحول منطقة بحر قزوين إلى الخليج العربي الثاني، مما يزيد ثروات الشركات والدول ويساعد في التحول في الاعتماد على إمدادات النفط بعيدا عن الشرق الأوسط.

من جانبه، أوضح سفانتي كورنيل، مدير شؤون الأبحاث بـ«معهد شؤون آسيا الوسطى والقوقاز» التابع لكلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز في واشنطن، أن بحر قزوين «شكل قصة نجاح، لكنها لم ترق لمستوى التوقعات المبالغ فيها».

وأضاف: «كانت إحدى المشكلات عدم استعداد الحكومة الروسية لزيادة تدفق النفط».

لا تعد «شيفرون» الشركة الوحيدة بمنطقة بحر قزوين التي تعاني من مشكلات في النقل، ذلك أن العثور على منفذ إلى الأسواق العالمية بمثابة صداع مزمن لجميع الشركات النفطية العاملة بآسيا الوسطى.

ومن المنتظر أن يدخل كيان مسؤول عن تشغيل حقل نفطي آخر ضخم بمنطقة بحر قزوين - وهو عبارة عن مجموعة من الشركاء بينهم «إكسون موبيل» و«شل» و«كونوكوفيليبس» و«توتال» و«إني» - في مفاوضات للتوصل إلى طريق مناسب للتصدير. وكذلك الحال بالنسبة لـ«بريتيش بتروليم»، التي تدير حقلا ضخما للغاز الطبيعي بالمنطقة.

في المقابل، تتسم مشكلات «شيفرون» بطابع أكثر دقة، ذلك أن حقل تينغيز منتج ومربح، لكنه لا يوفر إنتاجا نفطيا ولا يدر مالا على نحو يتماشى مع إمكاناته. ويؤكد المسؤولون التنفيذيون بـ«شيفرون» على أنه في الوقت الذي تتطلب الصادرات عبر الشحن في خطوط السكك الحديدية تكاليف أكبر، فإن التمتع بنظام نقل متنوع يحمل قيمة في حد ذاته.

يذكر أن «شيفرون» فازت بعقد تينغيز عام 1993 بتوقيعها عقدا مع الحكومة الكازاخستانية التي تملك الشركة النفطية التابعة لها حصة أقلية في المجموعة الاستثمارية التي تتولى الجهود التنموية بالحقل النفطي. بجانب «شيفرون» بحصتها البالغة 50%، تشارك أيضا «إكسون موبيل» و«لوكويل» الروسية.

رغم مشاركة شركة مملوكة للدولة، تتعرض المجموعة من وقت لآخر لضغوط من الحكومة الكازاخستانية لسداد مزيد من الضرائب والغرامات لتعزيز الميزانية الوطنية - الأمر الذي بات أكثر شيوعا خلال فترة الركود. هذا الشهر، مثلا، أعلنت السلطات الكازاخستانية عن ضريبة جديدة على الصادرات تبلغ 2.73 دولار للبرميل، مما سيكلف «شيفرون» وشركاءها 1.6 مليون دولار يوميا. كما أعلنت الحكومة إجراءها تحقيقات حول عمليات تنقيب غير قانونية، مما قد يترتب عليه غرامات باهظة. من ناحيتها، نفت المجموعة انحرافها عن خطة التنقيب التي نالت موافقة الدولة.

في منتصف تسعينات القرن الماضي، صيغت خطة لبناء خط أنابيب فوق الأرض عبر روسيا إلى ميناء نوفوروسيسك، على الشاطئ الشرقي من البحر الأسود. ومن هناك، يمكن نقل النفط باستخدام ناقلات بحرية إلى الدول الأخرى المطلة على البحر الأسود أو عبر مضيق البوسفور إلى البحر المتوسط، ومن هناك إلى موانئ متنوعة بمختلف أرجاء العالم.

طبقا لاتفاق وقع عام 1998، وافقت الحكومة الروسية على بناء خط الأنابيب على مرحلتين - الأولى: بقدرة 650.000 برميل يوميا. أما الثانية فمن شأنها رفع هذه القدرة لأكثر من الضعف لتتجاوز 1.4 مليون برميل يوميا «عندما تستلزم توقعات المساهمين هذه القدرة»، طبقا لما ورد في بيان صادر عن «كونسرتيوم كاسبيان بايبلاين».

وبالفعل، أنجزت المرحلة الأولى في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، بينما لم يبدأ العمل بعد في المرحلة الثانية رغم تنامي الطلب من جانب «شيفرون» وشركائها.

يذكر أن «شيفرون» استثمرت مئات الملايين من الدولارات في حفر آبار، لكن التكاليف الأكبر ارتبطت ببناء منشآت معالجة بتكلفة بلغت عدة مليارات من الدولارات للتخلص من غاز كبريتيد الهيدروجين السام من النفط بحيث يصبح ملائما للبيع في السوق العالمية.

* خدمة «نيويورك تايمز»