الرجل «المخيف» الذي ليست له شراهة للشوكولاته.. وفي يده سوقها

أنتوني وارد يسيطر على حصة مؤثرة في الإنتاج العالمي السنوي من الكاكاو.. ويراهن بمليار دولار في سوقه بلندن

أنتوني وارد (نيويورك تايمز)
TT

بالنسبة إلى البعض، هو واقع حي لشخصية ويلي ونكا الخيالية. وإلى البعض الآخر، هو شخصية شريرة على غرار شخصيات جيمس بوند، مصممة على الاستحواذ على كل المعروض من الشوكولاته في السوق العالمية.

بضربة واحدة، قام مدير صندوق تحوط يدعى أنتوني وارد بالسيطرة على سوق الكاكاو. وبحسب أحد التقديرات، فقد اشترى وارد ما يكفي لصناعة أكثر من 5 مليارات قطعة من الشوكولاته.

وعشاق الشوكولاته هنا يبكون على شركة «كادبوري» والتجار المنافسون يشكون من الظلم، قائلين إن وارد يقوم بتخزين الكاكاو في محاولة منه لرفع الأسعار المرتفعة أصلا حتى يتمكن من بيعها لاحقا لتحقيق أرباح كبيرة. وقد أدت ممارسات وارد إلى تسجيل أسعار الكاكاو في سوق لندن أعلى مستوياتها منذ 30 عاما.

ويقول موظفون سابقون إن وارد (50 عاما) ليست لديه شراهة تجاه الشوكولاته، ولكنه شخص لديه إلمام خاص بالكاكاو. ومن خلال شركته الاستثمارية الخاصة «أرماجارو»، أصبح وارد يسيطر على ما يساوي 7 في المائة من الإنتاج العالمي السنوي من الكاكاو، وهي حصة كبيرة بما يكفي للتأثير على الأسعار. ويقول تيم سبنسر، مدير تنفيذي سابق في «أرماجارو»: «لا يوجد من لديه معرفة بالكاكاو مثل وارد على مستوى العالم».

مكاتب «أرماجارو» المنتشرة في غرب أفريقيا تساعد وارد على مراقبة محاصيل الكاكاو الرئيسية عن قرب. وفي مقابلة تلفزيونية أجرتها معه إحدى مؤسسات الأخبار الاقتصادية، قال وارد ذو الكلام المعسول: «لدينا حتى محطات للأرصاد الجوية خاصة بنا، التي قد لا يمتلكها البعض في بعض مناطق العالم».

ويتحدث التجار هنا الآن عن أن وارد يراهن بمليار دولار في سوق لندن للعقود المستقبلية للكاكاو. وحسبما يشير التجار فإن وارد اشترى هذا الشهر 241.100 طن متري من حبوب الكاكاو.

وقد أغضبت هذه الخطوة بعض المراقبين، وفي حين يرى البعض أنه رهان بسيط على أن أسعار الكاكاو سترتفع مع تراجع المعروض منها، يرى البعض الآخر أن وارد يقلل المعروض من الكاكاو في السوق من أجل رفع السعر بنفسه.

وكتبت رابطة تجارة الكاكاو الألمانية وجهات أخرى خطابا غاضبا إلى بورصة لندن التي يتم التداول على الكاكاو فيها، وطالبوها باتخاذ إجراء ضد ما وصفته الرابطة «بالتلاعب».

وقد أطلقت وسائل الإعلام البريطانية على وارد اسم «شوكولا فنغر»، في إشارة إلى شخصية شريرة في أحد أفلام سلسلة جيمس بوند (أوريك غولد فنغر). كما قام شخص ما بعمل صفحة على «الفيس بوك» وسماها «شوكو فنغر»، ووضع في هذه الصفحة وجه وارد على خنزير يقف بالقرب من حوض العلف.

ويخشى التجار أن يصبح وارد المصدر الرئيسي للكاكاو حتى موعد حصاد هذا العام، الذي سيبدأ في أكتوبر (تشرين الأول). ومع بدء صناع الحلوى تخزين الشوكولاته استعدادا لموسم الأعياد، ربما يضطرون لدفع أسعار مرتفعة لوارد، وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن أسعار الكاكاو قد قفزت بالفعل 150 في المائة منذ عام 2008. وتقول المحللة الاقتصادية في مصرف «كومرزبانك» في فرانكفورت، يوجين وفينبرغ: «إن الخطوة جاءت في وقت مناسب تماما». وقد رفض وارد ومكتبه الاعتراف بشراء عقود الكاكاو ورفضوا كذلك التعليق على هذا المقال. يذكر أنه تجري محاولات للاستحواذ على الأسواق من وقت إلى آخر في عالم تجارة السلع. فقد حاول نيلسون هانت وشقيقه ويليام خلال السبعينات من القرن الماضي الاستحواذ على السوق العالمية من الفضة ولكنهما فشلا.

لكن وارد يتربع على قمة عالم الكاكاو، أما خارجه فهو شخصية غير معروفة. وحسبما يصفه بعض الموظفين السابقين في شركته ومعارفه وزملائه فهو شخص غير شرير كالشخصيات التي يشبهونه بها، لكنه شخص ذكي وودود. وعلى الرغم من قدرته على هز الأسواق باستثماراته الضخمة، فإن وارد يفضل الابتعاد عن الأضواء.

فبعد أن كان يعمل عامل بريد، دخل وارد إلى عالم السلع في 1979 عندما أصبح متدربا لعمليات الشاي والأرز والكاكاو والمطاط في مجموعة «سي داربي».

وقد وضع أول بصمة له في عالم تجارة الكاكاو برهان كبير في منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما كان يعمل في «فليبرو»، وهي ذراع تجارة السلع في مجموعة «سالومون سميث بارني» في ذلك الوقت.

وافتتح وارد شركته الخاصة في عام 1998 بمشاركة ريتشارد غاور. واسم الشركة «أرماجارو» هو عبارة عن مزيج من أسماء أبنائهما الأربعة. ويمتد ميل وارد للمخاطرة إلى ما هو أبعد عن سوق الكاكاو، حيث شارك بنشاط في سباقات السيارات الرياضية. وقاد ذات مرة سيارة «ألارد» رياضية حمراء طراز 1947 لمسافة آلاف الأميال في سباق امتد من لندن إلى كيب تاون. وينوي المشاركة في سباق مشابه في يناير (كانون الثاني) بسيارة «فورد إسكورت» إنتاج عام 1971.

أما زميله في القيادة فسيكون مارك سولواي، الذي تعرض من قبل لإصابة بالغة في حادث تصادم شمل أيضا وارد عام 2002 في بولندا. وعندما انتهى الحال بسولواي في مستشفى محلي، سعى وارد بجد إلى اتخاذ ترتيبات لنقله جوا إلى لندن لتلقي العلاج. ووصف سولواي زميله بالقول: «إنه أعظم وأكثر الناس كرما».

يذكر أن وارد يعيش مع زوجته ونجليه في منزل مؤلف من أربعة طوابق ومبني بالآجر الأحمر بضاحية مايفير الراقية في لندن. ويقع منزله على مسافة 15 دقيقة سيرا على الأقدام من مكاتب «أرماجارو» القائمة داخل مبنى ضخم مصمم على الطراز الجورجي ويتميز بأرضية رخامية وأسقف عالية وفناء.

في البداية، قصرت «أرماجارو» اهتمامها على الكاكاو، لكنها شرعت لاحقا في الاتجار في القهوة، ثم توسعت في نشاطها ليشمل سلعا غذائية أخرى.

اليوم، تتولى «أرماجارو» إدارة أصول تتجاوز قيمتها 1.5 مليار دولار، معظمها داخل صناديق تحوط. إلا أنها في نشاطاتها التجارية الأخرى، لا تزال واحدة من كبريات إنتاج الكاكاو في العالم، ولها نشاط تجاري في كوت ديفوار وإندونيسيا والإكوادور.

تتفق معظم التقديرات على أن وارد جنى أرباحا طائلة من وراء تنظيم نشاط مشابه في مجال الكاكاو عام 2002، في خطوة أكسبته أسماء شهرة مرتبطة بالشوكولاته واجتذبت أنظار الجهات التنظيمية المالية هنا، لكن نتائج تحقيقاتها لم تعلن بعد.

هذه المرة وفي مواجهة استثمار أكبر، اشتكت بعض المؤسسات المعنية بالكاكاو إلى مسؤولي البورصة، مهددة بنقل تداولاتها إلى مكان آخر. وفي خطاب أصدرته، أعلنت البورصة أن تحقيقاتها لم تتوصل إلى «أي أدلة حول وقوع سلوك فاسد». ورفض مسؤول بالبورصة الإدلاء بمزيد من التعليقات حول الأمر.

على أي حال، ينبغي على عاشقي الشوكولاته عدم المبالغة في القلق، حسبما يرى محللون، بالنظر إلى أن الكاكاو تشكل قرابة 10 في المائة فقط من سعر غالبية قوالب الشوكولاته العادية.

إلا أن الوضع قد يتغير إذا جاء محصول الكاكاو القادم أدنى من المستوى المتوقع - أو إذا استمر وارد في عمليات الشراء.

من ناحيته، قال أحد المضاربين في الكاكاو داخل لندن طلب عدم ذكر اسمه لأنه قد يرغب في التعاون مع «أرماجارو» في المستقبل: «هذا الأمر يخيفنا فعلا، فربما يقدم ضعف عرضنا ويشتري المزيد من عقود سبتمبر (أيلول)». إلا أنه أبدى إعجابه بوارد قائلا: «لو كانت لدي الشجاعة والمال، كنت سأفعل المثل».

* أسهمت في التقرير جوليا ورديغير من لندن، وجولي كريسويل من نيويورك