مصير الرئيس التنفيذي في «بي بي» يقترب من نهايته

أزمة التسرب النفطي: معركة لم يستطع تحقيق النصر فيها

الرئيس التنفيذي توني هايوارد وبوب دودلي المتوقع أن يخلفه في رئاسه شركة «بي بي» (أ ب)
TT

في الوقت الذي تدفقت فيه التقارير الأولى حول انفجار منصة الحفر النفطي في خليج المكسيك إلى مقر شركة «بريتش بتروليوم» (بي بي) في لندن في شهر أبريل (نيسان) الماضي، تساءل الرئيس التنفيذي في الشركة توني هايوارد ما إذا كان سيسافر إلى الولايات المتحدة على الفور أم لا.

ونصح أحد كبار الخبراء في الشركة هايوارد بأن يتجنب المشكلات، قائلا: «ليس من المقبول أن تكون نابليون ما لم تكن على يقين من النصر».

وقد استمر هايوارد على أي حال. وفي النهاية، كانت معركة لم يستطع تحقيق النصر فيها، لكنه لم يستطع أيضا تجنبها. لقد تسبب التسرب النفطي في أضرار شديدة في الخليج، ووجه ضربات مالية إلى «بي بي» وإصابات مميتة إلى مسيرة هايوارد المهنية.

ويقال إن هايوارد، وهو جيولوجي قضى مسيرته المهنية بالكامل في العمل لصالح «بي بي»، يعترف بأنه أصبح عبئا في الوقت الذي تحاول فيه الشركة التقدم للأمام.

ومن المحتمل أن يلجأ مجلس الإدارة إلى روبرت دودلي، الذي نشأ في ميسيسيبي وانضم إلى «بي بي» قادما من «أموكو» بعدما اندمجت الشركتان. وسيكون دودلي أول أميركي يدير الشركة التي كانت تعرف باسم «بريتش بتروليوم».

أما المعركة الحقيقية فقد خسرها هايوارد في السابق، وهي معركة تغيير ثقافة شركة «بي بي» وتحسين الآمان بها. وفي عام 2005، أي قبل عامين من أن يصبح الرئيس التنفيذي للشركة، قاد خفض التكاليف وإجراءات غير متقنة إلى وقوع انفجار في مصفاة الشركة في مدينة تكساس، مما أسفر عن مصرع 15 فردا. وانتقد كبير المحققين في مجلس السلامة الكيميائية والتحقيق في المخاطر «تاريخ من خفض الميزانية ونقص التمويل» في الشركة. كما أدى الإهمال في الصيانة إلى تسريبات في خطوط الأنابيب في ألاسكا.

وعلى الرغم من أن سقطات «بي بي» السابقة كانت معروفة جيدا، فإن إصلاحها كان قضية أخرى.

حاول هايوارد إرسال الإشارات الصائبة عندما تولى مهام منصبه عام 2007. كتب رسالة إلكترونية إلى الموظفين يقول فيها إن المسؤولين التنفيذيين في «بي بي» في حاجة إلى أن ينصتوا على نحو أفضل. وقام بترميم مقر «بي بي»، وقلص مساحة مكتب المسؤول التنفيذي إلى أقل من نصف مساحة مكتب سلفه، جون براون.

وقام هايوارد بتعديل طبقات الإدارة الوسطى. وتعهد بالتركيز على السلامة مثل «شعاع الليزر»، وهي العبارة التي واجهه بها أعضاء لجنة التجارة والطاقة بمجلس النواب أثناء جلسة استماع عقدت في 17 يونيو (حزيران) الماضي.

ومع ذلك، تشير مقابلات مع مستشارين وموظفين سابقين وحاليين في «بي بي» إلى أن هايوارد أخفق. أكدت الشركة على سلامة الأفراد، إلى درجة كوميدية، في حين لم تقدم اهتماما كافيا إلى عمليات آمنة.

وتذكر روبرت بي، الأستاذ والخبير في صناعة النفط بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، اجتماعا في أحد المنتجعات في نورماندي في شهر مايو (أيار) عام 2008. وفي السابق، كانت شركة «بي بي» استعانت بروبرت لكتابة تقرير حول العنصر البشري في السلامة. بيد أن «بي بي» اختصرت ملاحظاته إلى مسرحية ساخرة، أداها عشرة من الأفراد الفاعلين.

وقال روبرت: «لقد شعرت بالغضب الشديد. لقد استخف بأمور خطيرة».

ويستذكر أحد مستشاري الإدارة بالشركة أنه تعرض للتوبيخ لحمله كوبا من الشاي وملفا للأوراق في حين كان يصعد درجات السلم. فكان من المفترض أن تكون إحدى يديه طليقة لكي يمسك بدرابزين السلم إذا ما تعثر.

وقال مسؤول تنفيذي سابق بشركة «بي بي»، كان كل مؤتمر صحافي، حتى لو حول قضايا غير فنية، يبدأ بأناس يصفون تجربة تنطوي على أحد دروس السلامة. وقال هذا المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه لكي يحافظ على علاقته بالشركة شأنه شأن غيره من الموظفين السابقين والحاليين بالشركة، «لقد كانت مثل الصلاة في المدارس. إنني أخاف هذه الأشياء».

وعلى الجانب الآخر، تم تجاهل قضايا مهمة متعلقة بالسلامة. وتم إعطاء مسؤول تنفيذي سابق في «بي بي»، ليس لديه أي خلفية في مجال الحفر، أربع ساعات فقط من التدريب قبل إرساله إلى الإشراف على السلامة في إحدى منصات الحفر البحرية. وواصلت مصافي النفط الأميركية ذكر استشهادات حول انتهاكات السلامة.

وقال أحد المستشارين: «لقد خلطوا بين سلامة الأفراد، التي يعد من السهولة تحقيقها، لكنها في العادة تكون غير كارثية، وسلامة العمليات. لا أعتقد أن توني فعل ذلك».

ولم تساعد الهياكل التنظيمية المتداخلة بالشركة في ذلك. وقال مسؤول تنفيذي سابق بالشركة: «كانت لدينا محادثات لا تنتهي بشأن السلامة، لكن لم تكن هناك محادثات كثيرة حول التنفيذ. كان من الصعب معرفة من هو الشخص البارز المسؤول عن أي شيء».

ويرجع تاريخ الكثير من المشكلات الثقافية في «بي بي» إلى استحواذها على «أموكو» و«أركو» و«سوهيو» في أواخر تسعينات القرن الماضي. وفي ظل قيادة براون، شكلت «بي بي» إمبراطورية أميركية جديدة. ولأنه فعل ذلك عندما كانت أسعار النفط منخفضة، حيث حول «بي بي» من شركة متوسطة الحجم إلى شركة ضخمة كبيرة الحجم.

واختلفت ثقافة هذه الشركة العملاقة المترامية الأطراف عن نظيراتها الأميركية، وكان براون فخورا بذلك. كان ينظر إلى «إكسون» على أنها صارمة وغير خيالية. وأخبر براون أكاديميا أميركيا بأن «الغرض الكلي هو إطلاق إبداع الأفراد الموهوبين الذين يعملون لدينا. نريد أن نكون رجال أعمال، وليس بيروقراطيين يفعلون بالضبط الأوامر التي تصدر لهم من أعلى».

وقال مسؤول تنفيذي متقاعد: «إن الحامض النووي لشركة (بي بي) محدد للغاية. إنه رائع وبريطاني للغاية في أفضل الأحوال. إنه حكم متروك للتقدير. النهج الأميركي مألوف. إنه أمر بيروقراطي».

ونجح أسلوب «بي بي» إلى حد ما. وقال خبراء بالصناعة إن «بي بي» دفعت التكنولوجيا إلى الأمام. ففي العام الماضي، قامت بحفر بئر في خليج المكسيك يصل عمقها إلى ضعف عمق بئر «ماكوندو». وأتى هايوارد من هذا الجزء الهندسي المحفوف بالمخاطر من نشاط الشركة.

وقال مستشار عمل في صناعة النفط: «ونعود إلى السؤال: ما الذي كان يحاول توني تغييره؟ سيكون من الخطأ القول بأن توني كان يحاول تغيير الابتكار أو خفضه. إنه يحب الفنيين الذين يقومون بالابتكار».

وقال إن السلامة أصبحت غطاء على مجموعة متباينة للغاية من السلوكيات، مضيفا أن «بي بي» قالت: «حسنا، على رأس ما نفعله، سننفذ أيضا السلامة». وأضاف: «أعتقد أن ذلك تبين أنه لم يكن فعالا بهذه الدرجة».

وقال بعض المطلعين في «بي بي» إن المشكلة الحقيقية ترجع إلى أيام براون، الذي أنشأ نخبة إدارية مع نحو 200 شخص موهوب في لندن. لقد كان صورة مصغرة لهذه المجموعة: متعلم في جامعة كمبريدج، وصديق لرئيس الوزراء البريطاني آنذاك توني بلير، وعنصر ثابت في المشهد الثقافي في لندن. وشجع براون الفكرة بأن «بي بي» وقفت الآن لما هو أبعد من النفط.

ولم يكن الكثير من المطلعين سعداء. وقال مسؤول تنفيذي سابق إن «بي بي» كانت مثل الجيش الذي يحتوي على فيلق من ضباط النخبة، لكن لا يوجد رقباء للتأكد من أن الأوامر يتم تنفيذها على الخطوط الأمامية.

وحاول هايوارد جعل «بي بي» أكثر تماسكا. وقال مسؤول حالي في الشركة: «لقد كانت (بي بي) التي أراد توني الوصول إليها هي الشركة التي تستطيع تحقيق سلسلة من النجاحات، ثم تعود إلى الخندق مرة أخرى».

كما كان لهايوارد نظرة مظلمة لصورة «ما وراء النفط». وقال إن النشاط الأساسي لـ«بي بي» هو النفط، وإن مشروعات الطاقة البديلة سيكون عليها أن تثبت أنها تستطيع تحقيق الأرباح.

في حين أن هايوارد، الذي حصل على درجة الدكتوراه من جامعة إدينبيرغ، كان ظاهريا أكثر تواضعا من براون، كان نتاج نظام إدارة النخبة لدى سلفه.

وعلى الرغم من رمزية خفض حجم مكتبه، إلى أن بعض المطلعين داخل «بي بي» قالوا إن هايوارد لم يكن الرجل الذي يحظى بالشعبية. وبعدما زار رئيس «بي بي» كارل هنريك سفانبيرغ ومسؤولون تنفيذيون بارزون في «بي بي»، بما فيهم هايوارد، البيت الأبيض ووافقوا على إنشاء حساب ضمان بقيمة 20 مليار دولار لتغطية أي مطالبات، قال سفانبيرغ إن عمالقة النفط يهتمون «بالأفراد الصغار». وكان سفانبيرغ، وهو سويدي الأصل، يقصد الأفراد العاديين، لكن الناس أخذوها على محمل الإهانة.

وقال مسؤول تنفيذي سابق في الشركة: «لم يكن لتوني أن يقول على الإطلاق إنه يهتم بالأفراد الصغار، لأنه لم يكن كذلك».

بيد أن هايوارد قال إنه تتم أخذ أمور أخرى على أنها أمثلة لعدم الحساسية. وقال إنه أراد «استعادة حياتي»، وهي صرخة من الإحباط، لكنها أثارت غضب السكان المحليين على شاطئ الخليج الذين يخافون من أنهم لن يتمكنوا من استعادة حياتهم.

وقال مايكل أوسيم، أستاذ الإدارة بمدرسة وارتون في جامعة بنسلفانيا: «إذا أخذت ذلك من موقف مجلس الإدارة، فإن عليك سؤال نفسك هل هناك شخص أفضل، لأن هايوارد تضرر كثيرا».

ولا يزال هناك الكثير من المدافعين عن هايوارد. قال مسؤول تنفيذي متقاعد إنه عند اختيار هايوارد، كان «مسؤولا تنفيذيا متميزا لما طلبوه: إعادة بناء الشركة مع التركيز على السلامة، وأقول ذلك بلا خجل لأنني أعتقد أنه فعل الكثير لتعزيز السلامة وخفض المخاطر».

وقال المسؤول التنفيذي السابق إن هايوارد يعد إلى حد ما ضحية بحث أميركي عن شخص يتم توجيه اللوم له.

وقد تقول تجربة هايوارد أيضا الكثير عن صعوبة إدارة شركات كبرى مترامية الأطراف. لقد قادت موجة الاندماج التي تمت في أواخر تسعينات القرن الماضي إلى صهر الشركات العملاقة التي لم يتم السماح لها بالاندماج أثناء أوج مكافحة الاحتكار. وقالت شركات إنها تحتاج إلى أن تكون كبيرة بالدرجة الكافية لتتنافس مع الشركات المملوكة للدولة وتمويل الاستكشاف في الأماكن عالية التكلفة، مثل المياه العميقة.

وسترى «بي بي» الآن ما إذا كان دودلي سيفعل أي شيء أفضل في السيطرة على هذه الإمبراطورية المترامية.

وقال فاضل غيت، المحلل في شؤون النفط: «يوجد في (بي بي) أفراد موهوبون للغاية. في بعض الأحيان تقول إن الوقت قد حان للتغيير، فقط من أجل التغيير. لماذا تقوم فرق البيسبول بعزل المدير الفني؟ إنه الفريق نفسه، لكن لعل الكيمياء ستكون أفضل مع هذا الرفيق».

* متوقع أن يرحل بمكافأة قدرها 18 مليون دولار

* لم يسفر اجتماع مجلس إدارة الشركة في مركزها الرئيسي بوسط لندن أمس عن قرار أخير لمستقبل رئيسها التنفيذي، الذي من المتوقع أن يحصل على مكافأة قدرها 18 مليون دولار. ومن المتوقع أن يعلن مجلس إدارة «بي بي» أن هايوارد البالغ من العمر 53 عاما سيتنحى عن منصبه في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ويقول المقربون من الشركة إن هذا الرحيل سيكون بناء على قراره الخاص بقدر ما هو قرار مجلس الإدارة.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»