الغربيون يتجهون شرقا مع انتعاش الاقتصاد الآسيوي

بينما يسعى الآسيويون الذين تربوا في الخارج للعودة إلى أوطانهم

النمو الذي شهدته الصين والهند وكوريا الجنوبية والكثير من دول المنطقة فاق الكثير من الدول في أوروبا والولايات المتحدة
TT

تركت شهرزاد موافن عملها في العلاقات العامة في لندن وانتقلت إلى هذه المدينة المزدحمة قبل أربعة أشهر لتتولى إدارة الاتصال في شركة مجوهرات «كارنت» التي ترى أنها فرصة رائعة.

كما قدم جان ميزليك (29 عاما) من جمهورية التشيك في نهاية شهر أبريل (نيسان) للحصول على وظيفة كمدرب في استوديو للعلاج البدني يدعى «ستريتش»، ويرى أن الخطوة ضمنت له عملا آمنا وفرصة للتعلم ليصبح معلم يوغا.

أما شارلوت سومنر (محامية) فوصلت إلى هنا قبل ثمانية أشهر بفضل انتقالها مع شركتها، حيث أمضت ستة أشهر في لندن وستة أشهر أخرى في موسكو، ثم اقتنصت الفرصة بالحصول على عمل في آسيا، التي شعرت بأنها ستمنحها المزيد من الفرص أكثر من العمل في مكان آخر.

قبل الأزمة المالية العالمية، لم يكن أي من الثلاثة يفكر جديا بشأن الانتقال إلى آسيا، لكن النمو الذي شهدته الصين والهند وكوريا الجنوبية والكثير من دول المنطقة فاق الكثير من الدول في أوروبا والولايات المتحدة. كما تشهد الكثير من الشركات المحلية هنا توسعا سريعا، مع تحول أصحاب الشركات العالمية إلى آسيا والبحث عن موظفين هناك. لذا أصبح الأميركيون والأوروبيون الباحثون عن العمل ينظرون، على نطاق واسع، إلى آسيا على أنها المكان الذي توجد فيه الفرص التي تتوافق وطموحاتهم.

وتقول موافن (28 عاما) «الأوضاع هنا أكثر ديناميكية، أما في لندن فلا تتوافر الكثير من الموارد بالنسبة لبرامج العلاقات العامة أو الإعلان. وهنا الجميع يتوسعون وينفقون على الأنشطة التسويقية. وهذا ما يجعل عملي هنا أكثر إمتاعا».

في هونغ كونغ، تقدر شركة التوظيف «امبيشن» ارتفاع عدد السير الذاتية القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا بنسبة 20 إلى 30 في المائة خلال عام 2008. وهي تشكل الآن ما يقرب من الثلثين لأكثر من 600 سيرة ذاتية ترد إلى هونغ كونغ كل شهر، بحسب تصريحات ماثيو هيل، المدير الإداري لشركة «امبيشن». وبالمثل، ارتفع عدد الطلبات، على موقع «إي فاينانشيال كاريرز» (موقع توظيف على الإنترنت) الباحثة عن وظائف في سنغافورة وهونغ كونغ بنحو 50 في المائة خلال العام الماضي، بحسب تصريحات جورج ماكفيران، مدير الموقع لمنطقة آسيا والمحيط الهادي.

وعلى الرغم من أن الحصول على وظيفة في آسيا ليس مجرد رغبة في تأسيس حياة جديدة في النصف الآخر من العالم، فإن الكثير من أصحاب الشركات يفضلون الموظفين ممن لديهم خبرة سابقة في المنطقة ولديهم مهارات اللغة والصلات المحلية للوظيفة.

ويقول مايك غيم، المدير التنفيذي لشركة «هادسون» (وكالة تشغيل عالمية في آسيا)، إن عدد الغربيين الذين ينتقلون لآسيا لا يزال صغيرا إلى حد ما. ويشير إلى أن أصحاب الشركات أكثر تشددا عما كانوا عليه خلال ذروة النشاط الاقتصادي في عام 2007، ووضعوا معايير جديدة لمتطلباتهم. وعلى الرغم من ذلك يبدو أن الكثير من الغربيين يتطلعون إلى القيام بهذه الخطوة. ولا عجب في ذلك فمعدل البطالة في الولايات المتحدة وصل إلى 9.5 في المائة، وفي بريطانيا وصل إلى ما يقرب 8 في المائة، وفي إسبانيا 19.9 في المائة. وفي المقابل يصل معدل البطالة في هونغ كونغ إلى 4.6 في المائة. وفي سنغافورة - محور آخر للوظائف المصرفية والقانونية - تبلغ نسبة العاطلين عن العمل المسجلين 2.2 في المائة. وفي أستراليا انخفضت نسبة البطالة في يونيو (حزيران) إلى 5.1 في المائة، وهو أدنى معدل تصل إليه في ما يقرب من عام ونصف العام.

يذكر أنه خلال فترة الركود الاقتصادي فقد الملايين من الأفراد في آسيا - بدءا من عمال المصانع والإنشاءات ووصولا إلى المصرفيين والمهندسين المعماريين – وظائفهم نتيجة لانخفاض الطلب على الصادرات وخفض الشركات العالمية العمالة بها. لكن عدم إفلاس المصارف في غالبية الدول الآسيوية وعدم وجود أعباء الديون المعوقة التي تحاول الحكومات والبيوت في الغرب خفضها، أعاد الاقتصادات إلى سابق وضعها بسرعة (كانت اليابان الاستثناء في ذلك).

ويقول ماكفيران إن «سرعة التعافي الاقتصادي أصابت البعض بنوع من الدهشة، عندما بدأت أسواق التوظيف في الانتعاش مرة أخرى».

وقال شركة «هدسون» في أواخر يونيو (حزيران) إن نسبة الشركات في هونغ كونغ التي تخطط لاستخدام عمال سريعا في أعلى معدلاتها منذ أن بدأت مراقبة البيانات في عام 1998. فقال ثلثا الشركات التي تم سؤالها في هونغ كونغ والصين في مايو (أيار) إنها تعتزم إضافة المزيد من العمال في الربع الثالث من العام الحالي. وفي سنغافورة، وصل الرقم إلى 57 في المائة وهو أعلى معدل لها منذ عام 2001.

وذكرت شركة «امبيشن» في تقرير آخر شكوى الكثير من الشركات في هونغ كونغ عن صعوبة العثور على موظفين أكفاء وارتفاع الرواتب. تجدد عملية التوظيف كان قويا خاصة في القطاع المالي والخدمات القانونية، لكن حركة سوق الأسهم كانت أكثر قوة.

ونادرا ما ينقضي يوم من دون ورود أنباء عن توسعات جديدة في قطاعات الضيافة والسلع الفاخرة، حيث تسعى الشركات إلى الاستفادة من الطلب المتزايد في الصين على السلع الفاخرة والغرف الفندقية.

وقال براديب بانت، رئيس شركة «كرافت فودز» في آسيا والمحيط الهادي «يجب أن تحصل على الموظفين الآن قبل المنعطف، وأن تكون على استعداد لنوعية الشركة التي ستكون عليها خلال خمس سنوات».

وقد غادرت لورين كوان، سان فرانسيسكو لتولي منصب في شركة العلاقات العامة الدولية «بيرسون مارستيلر» في هونغ كونغ العام الماضي، وقالت «كنت أرى توقف التوظيف وتسريح العمالة يحدث أمامي طوال الوقت، وقد وسعت من نطاق بحثي بصورة أكبر لأرى ما يمكن أن أحصل عليه هناك».

ويقول جيفري جوريس، الرئيس التنفيذي لخدمة التوظيف في «مان باور»، في محادثة هاتفية من ميلووكي «نظرا لانخفاض حجم التوقعات هنا يفكر الأفراد في الخيارات المختلفة ويبحثون عن أماكن العمل».

من جانبهم، يرغب أرباب الأعمال في توظيف أفراد ذوي ثقافة محلية وخبرات في الأعمال والبيئة التنظيمية. وبالنسبة للكثير من أصحاب الوظائف - مثل المبيعات والتسويق أو الاستثمار المصرفي وإدارة الثروات – فإنهم يتطلعون إلى موظفين لديهم صلات وعملاء.

أما مهارات اللغة المحلية فهي أمر محبب - وغالبا ما تكون ضرورة - لكل ما يتعلق بالصين. ونتيجة لذلك، يسعى الموظفون المحليون والآسيويون الذين تربوا في الخارج إلى تحين الفرصة الأفضل. فقد نشأت كيوان التي تعمل في «بيرسون مارستيلر»، في الولايات المتحدة لكنها تتحدث اللغة الصينية والكانتونية بطلاقة.

وقال ماثيو هيل، الذي يدير شركته الخاصة، والمتخصصة في توظيف كبار الموظفين في البنوك وصناديق التحوط «لا يرغب أصحاب الشركات في القيام بالكثير من الرعاية والتدريب. فهناك الكثير من الأفراد المحليين ذوو مؤهلات جيدة، وقادرون على التحدث باللغة الصينية أو الكانتونية، ومن ثم يجب عليك امتلاك مؤهلات أفضل».

* خدمة «نيويورك تايمز»