الشركات المملوكة للدولة تغذي انتعاش سوق الأراضي في الصين

تتناقض مع جهود الحكومة المركزية في الحفاظ على سوق العقارات من التحول إلى فقاعة قائمة على الدين

ترغب بكين في كبح جماح شركات الدولة التي لا تملك خبرة واسعة أو لا تملك خبرة على الإطلاق في مجال العقارات
TT

إلى جانب نشاطاتها الكثيرة، دخلت شركة «أنهوي سولت إندستري»، المملوكة للدولة التي يعمل بها 11 ألف موظف والقادرة على الوصول إلى مناجم الملح الحكومية، إلى قطاع جديد من الأعمال وهو قطاع العقارات.

وتقوم الشركة ببناء مجمع سكني ضخم تحت اسم «بلاتينيوم باي» على قطعة أرض حصلت عليها العام الماضي كانت تابعة للحكومة المحلية عبر المنافسة مع شركتين أخريين.

لم تكن هذه الخطوة، بالدخول إلى قطاع العقارات، حكرا على شركة «أنهوي سولت» وحدها، فهناك الكثير من الشركات الكبيرة الأخرى التي طرقت المجال ذاته، حيث تقوم شركة «تشينا ريلواي غروب» ببناء مجمع سكني في بكين بعد الفوز بالمزاد على قطعة أرض كبيرة هناك.

وفي السياق ذاته، دفعت شركة «تشينا أوردنانس غروب»، شركة تصنيع السلاح المملوكة للدولة والمعروفة بإنتاج الأسلحة الهجومية البرمائية، 260 مليون دولار لشراء عقار في بكين تخطط لتحويله إلى مجمع سكني فخم ومتاجر تجزئة.

وفي واحدة من أكبر صفقات الأراضي في الصين حتى الآن دفعت شركة بناء السفن «سينو أوشن» 1.3 مليار دولار في ديسمبر (كانون الأول) ومارس (آذار) الماضيين لشراء قطعتي أرض كبيرتين من الحكومة المحلية في بكين لبناء مجمعات سكنية هناك. وتتنافس الشركات المملوكة للدولة في مختلف المجالات - النفط والمنتجات الكيميائية والعسكرية والاتصالات وإنشاء الطرق - على شراء مساحات من الأراضي لبناء مشروعات سكنية عملاقة لا تمت بصلة إلى لب أعمالها.

ويقول دينغ ينغهنغ، من الجامعة الوطنية في سنغافورة: «هذه هي الشركات التي تملك المال لشراء الأراضي، لأن الحكومة في الصين هي التي تملك المال والموارد والإنفاق».

يأتي ارتفاع أسعار الأراضي، من قبل الشركات المملوكة للدولة، التي تسيطر عليها الحكومة الوطنية، متناقضا مع جهود الحكومة المركزية في الحفاظ على ازدهار سوق العقارات من التحول إلى فقاعة قائمة على الدين - كتلك التي دمرت الأسواق المالية الغربية عندما انفجرت قبل أعوام قليلة.

وتظهر سجلات الأراضي أن 82 في المائة من الأراضي التي تمت المزايدة عليها في العام الحالي فازت بها شركات مملوكة للدولة ضد شركات بناء خاصة. يذكر أن هذه النسبة بلغت 59 في المائة في عام 2008.

وقد أظهرت دراسة حديثة نشرها المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية في كامبريدج بولاية ماساشوتس، أن أسعار الأراضي في بكين قفزت نحو 750 في المائة منذ عام 2003 وأن نصف هذه المكاسب حدث خلال العامين الأخيرين، كما ارتفعت أسعار العقارات لتتضاعف في عدد من المدن خلال السنوات القليلة الماضية.

وأرجع التقرير الزيادة إلى عرض الشركات المملوكة للدولة زيادة تبلغ 27 في المائة من عروض الشركات الخاصة لمثيلاتها من الأراضي. ويقول المنتقدون إن الحكومة المركزية في بكين هي التي دفعت إلى هذا السعار المحموم على الأراضي دون قصد عندما أعلنت عن خطة تحفيز اقتصادي بقيمة 586 مليار دولار العام الماضي وشجعت البنوك المملوكة للدولة بالإقراض بصورة كبيرة.

ونتيجة لارتفاع أسعار الشقق السكنية الجديدة - تجاوزت أسعار الشقق السكنية في شنغهاي، على سبيل المثال، 200,000 دولار، في الوقت الذي لم يتجاوز فيه متوسط الدخل 4,000 دولار - يهدد هذا التوجه بتقويض هدف الحكومة المركزية بتوفير الإسكان للطبقة المتوسطة الناشئة. وقد واجهت بعض الحكومات المحلية - التي جنت ما يقرب من 230 مليار دولار من مزادات الأراضي في عام 2009 - اتهامات بهدم الأحياء القديمة وعدم تعويض السكان بصورة عادلة. وخلال استطلاع الرأي الأخير الذي أجرته صحيفة «تشينا يوث ديلي»، صحيفة الأنباء المملوكة للدولة، تبين أن أكثر من 80 في المائة من المشاركين في الاستطلاع قالوا إن الحكومات المحلية كانت «القوة الدافعة الرئيسية» لتصاعد أسعار العقارات. تثير هذه التصرفات استياء الشركات العقارية الخاصة التي تهيمن على سوق العقارات الصينية منذ ما يزيد على العقد، حيث بدأوا يشعرون بالضيق من لعبة تفضل مطوري العقارات المدعومين من قبل الدولة.

ويقول يانغ شاوفنغ، مدير شركة «كونوورلد ريال استيت إيجنسي» في بكين: «الأمر أشبه ما يكون بطفل يقترض المال من والدته».

بلغ إجمالي القروض التي منحتها البنوك المملوكة للدولة خلال العام الماضي 1.4 تريليون دولار، وهو ما يقارب ضعفي ما كانت عليه العام السابق. ويشير المحللون إلى اعتقادهم بأن الكثير من هذه الأموال تم توجيهها إلى سوق العقارات عبر مناورات خارج ميزانيتها العمومية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع في أسعار الأراضي والعقارات بصورة قياسية. ويضيف أن هذا الاعتقاد يؤدي إلى المخاوف من أن بعض البنوك المملوكة للدولة ربما تقف على ديون هائلة لم يتم الإبلاغ عنها. وتحاول بكين جاهدة في الوقت الحالي السيطرة على أزمة الائتمان دون تباطؤ اقتصاد الدولة المزدهر. ويحاول المنظمون وقف بنوك الدولة من استغلال المناورات الذكية في إقراض المال بصورة سرية لشركات تطوير العقارات الضخمة المملوكة للدولة.

وترغب بكين أيضا في كبح جماح شركات الدولة التي لا تملك خبرة واسعة أو لا تملك خبرة على الإطلاق في مجال العقارات. ففي مارس (آذار) الماضي طالبت مفوضية الإدارة والإشراف على أصول الدولة - واحدة من الهيئات الحكومية القوية - 78 شركة مملوكة للدولة بإغلاق أقسام العقارات بها. لكن محللين يقولون إن الحكومة ستجد صعوبة في وقف المئات من الشركات المملوكة للدولة وفروعها المختلفة من المشاركة فيما أصبح واحدا من أهم الصناعات في البلاد. ويقول الخبراء إن أكثر من 90 شركة من بين 125 شركة مملوكة للدولة تقع بصورة مباشرة تحت سيطرة بكين لا تزال أقسام العقارات نشطة بها، وإن الحكومات المحلية والإقليمية تسيطر على الكثير من شركات التطوير العقارية الأخرى.

وتصارع الحكومة الوطنية مجموعة معقدة من الحوافز التي تدفع الشركات التي تديرها الدولة للمضاربة في سوق العقارات بمساعدة الحكومات المحلية.

وترى روسيالا ياو، المحللة في شركة «دراغونوميكس»، شركة استشارات أبحاث في بكين، أن عددا متزايدا من المحليات شكلت أوعية استثمارية تقترض بكثرة من البنوك المملوكة للدولة لتمويل إعادة توطين السكان وبناء البنية التحتية في قطع الأراضي التي تنوي بيعها في المزادات (لا تستطيع الحكومات المحلية الاقتراض بصورة مباشرة من البنوك أو إصدار سندات لمطورين عقاريين).

وتشير ياو إلى أن تلك الديون غير المدرجة في الميزانية العمومية، هي في الأساس رهانات على أسعار الأراضي المرتفعة يمكن أن تتحول إلى التزامات ضخمة إذا ما تراجعت أسعار الأراضي بشكل كبير أو جفت أسواق المزادات.

وتقول ياو: «ربما يكون ذلك السبب وراء حماس الحكومات المحلية في مجال البنية التحتية. فقد اقترضوا لإنشاء خدمات ترفع من قيمة الأراضي التي يرغبون في بيعها بالمزاد».

وهنا في ووهو، المدينة الصناعية الخاملة الواقعة على بعد 70 ميلا غرب مدينة نانجينغ، شرعت شركة «أنهوي سولت» في بناء مشروعها السكني الضخم في وسط المدينة بجوار فندق تديره شركة «أنهوي كونتش هولدينغز».

كانت الأرض قد طرحت في المزاد في مايو (أيار) عام 2009 وكان هناك ثلاثة متنافسين فقط - من بينهما شركة مملوكة للدولة أيضا. وتفتخر «أنهوي سولت» بامتلاكها شركة لتجارة الصلب وأخرى للتمويل وفرعين لبيع سيارات «هوندا»، وتقول إنها حريصة على التوسع خارج نطاق المنتجات الصناعية وملح الطعام. ويقول سو شوانبو، مدير التسويق: «سيكون (بلاتينيوم باي) أول مشروع سكني فاخر لشركة (أنهوي سولت) يستهدف الأغنياء والصفوة في ووهو».

وعند سؤاله عن السبب وراء رغبة «أنهوي سولت» في التحول إلى التطوير العقاري، أشار سو إلى أن الحكومة المركزية شجعت الشركات المملوكة للدولة على أن تكون أكثر ربحية، ولذا فإن سوق العقارات مربحة للغاية.

وبذلك تكون الحكومة هي التي تقف خلف هذا التوجه نحو سوق العقارات. وقال سو: «على الرغم من أن الشركات التابعة للحكومة المركزية محظورة من دخول سوق العقارات، فإن الشركات المحلية المملوكة للدولة مثل (أنهوي سولت) لا تزال ماضية في مشروعاتها العقارية ضمن حدود معقولة، وهذا الموقف هو ذاته في كل الصين».

* (خدمة: «نيويورك تايمز»)