طرق تحايل جديدة تبرز في السوق المالية السعودية

خبراء ماليون وقانونيون أكدوا لـ «الشرق الأوسط» أن لها أثرا مخيفا على أداء السوق

تقوم هيئة السوق المالية عبر نظام الرقابة الإلكتروني «سمارت» بدراسة وتحليل حالات اشتباه في مخالفة نظام السوق المالية («الشرق الأوسط»)
TT

ظهرت مجددا في السوق المالية السعودية طرق تحايل جديدة لتوجيه المجاميع للشراء والبيع في أسهم الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية، برزت بينها رسائل التوصيات النصية عبر أجهزة الهواتف الجوالة بأرقام موهمة.

وظهرت في آخر تداول من الأسبوع الجاري حالة ارتفاع سعري بالنسبة القانونية القصوى المسموح بها، لأحد الأسهم المدرجة في قطاع التأمين، طبقا لما جاءت عليه توصية أرسلت لهواتف جوالة، حيث يعتقد متلقي الرسالة أنها وصلته بالخطأ، وهذا الاعتقاد الذي ساد يوم الأربعاء لدى بعض متلقي الرسالة التي يفيد نصها بالآتي: «هلا أبو عبد الله، خلصنا تجميع في (..) آخر الوقت بنقفله نسبة والسبت نسبة» أي إنهم جمعوا كمية من الأسهم في الشركة (تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمها)، ورفعوا أسهمها بالنسبة المسموح بها في سوق الأسهم السعودية وإن ذات الأمر سيكون يوم السبت المقبل.

الرسالة كانت حديث المتداولين في آخر أيام تداول الأسبوع، وهي في حقيقة الأمر مرسلة عبر الإنترنت ووضع في خانة الإرسال رقم هاتف جوال مميز، وعند التدقيق فيه يظهر أن عدد أرقامه ناقص أي إنه غير حقيقي.

يذكر أن الهيئة تقوم عبر نظام الرقابة الإلكتروني «سمارت»، بدراسة وتحليل 1311 حالة تنبيهات، رصد منها 41 حالة اشتباه في مخالفة نظام السوق المالية، وتسلمها 348 شكوى تتعلق بعمليات تنفيذ أو تسهيلات وعقود مرابحة أو صناديق استثمارية أو محافظ استثمارية وغيرها من الشكاوى الأخرى، وقد اتخذت الإجراءات اللازمة حيال 91 في المائة من تلك الشكاوى، وما زال العمل جاريا لدراسة 9 في المائة منها.

وتعتمد الطريقة الجديدة إرسال الرسالة النصية بالتوصية إلى آلاف الأرقام العشوائية عبر استخدام تقنيات الإنترنت والاشتراك في بعض المواقع المتخصصة في الرسائل النصية، فيما تعتمد على وضع أرقام جوالات مميزة كمرسل للرسالة لتضليل وإضفاء مصداقية بالقوة المالية للمرسل.

وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال بهيئة السوق المالية إلا أن مسؤوليها فضلوا عدم التعليق حول التحركات الجديدة لاستغلال المجاميع في سوق الأسهم.

واشتكت السوق، منذ بزوغ نجمها كقطاع اقتصادي في عام 2003 ودخول ملايين الأفراد قدروا بأكثر من 3 ملايين محفظة تضم مليارات الريالات من الأموال والمدخرات، من رسائل التوصيات التي تفشت وقادت إلى تضخيم أسعار بعض الشركات المدرجة ورفع مكرراتها الربحية إلى مستويات غير منطقية.

إلا أن إبراهيم الناصري وهو مستشار قانوني سابق لهيئة السوق المالية ذكر بأن هذا النوع من الرسائل يعد مخالفة صريحة لنظام السوق المالية من ناحيتين: أولا لصدوره من شخص غير مرخص له من الهيئة بممارسة تقديم المشورة وثانيا لأنه ينطوي على تضليل وإيحاء كاذب في شأن مدى أهمية أو مصداقية من أرسلها.

وأضاف الناصري حول الرؤية القانونية لهذه الظاهرة أنه لا فرق بين رسالة صادرة من مصدر محلي مباشرة، أو من مصدر أجنبي فالمسألة تتعلق بآلية الإثبات فقط، وهو ما يعني أنه متى ما ثبت معرفة مصدر الرسالة المخالفة للنظام فإن المرسل يتحمل تبعات ذلك قانونيا، وكذلك الشأن بالنسبة للدعاوى المدنية حيث يتحمل مصدر الرسالة تعويض المتضرر.

وكانت هيئة السوق المالية قد أعلنت في وقت سابق بأن المنتديات والتوصيات تمثل إحدى المخالفات الصريحة في السوق المالية، كاشفة عن بلوغ العدد الإجمالي لمخالفات مواقع ومنتديات الإنترنت وتوصيات الأشخاص أو المجموعات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية التي تم التحقيق فيها ومعالجتها إلى 43 حالة.

وقالت حينها إنه قد اتخذت الإجراءات النظامية لمعالجة تلك المخالفات، التي تمثلت في استدعاء المخالفين واستجوابهم، وأخذ التعهدات النظامية عليهم، بالتوقف الفوري عن ممارسة تلك المخالفات، وإغلاق مواقعهم الإلكترونية، وعدم الإقدام على ارتكاب مثل تلك المخالفات مستقبلا.

من ناحيته، أوضح طلعت حافظ الأمين العام للجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية أن مثل هذه الرسائل التي تأتي عبر الجوال وتشتمل على توصيات لبيع أو شراء أسهم يفترض ألا يتم التعامل معها تحت أي ظرف لأنه في الغالب ما تنطوي على توجهات قد تكون عكس توجهات المستثمر في سوق الأسهم، أي إنها تخدم صاحب هذه الرسالة مما سيعرقل التوجهات الاستثمارية الصحيحة.

وأبان حافظ الذي قاد حملة توعوية لصالح البنوك والقطاع المالي في يونيو (حزيران) المنصرم أن الرسائل عادة لا ترد من مصادر موثوقة تنوي الخير وهو ما يؤكد بأنها غير مشروعة، في وقت يفترض أن يكون قرار الاستثمار في يد المستثمر لا أن يفرض عليه من أي جهة سواء كانت شخصا أو رسالة جوال، لا سيما أن معظم رسائل الجوال، غير معروفة المصدر ومجهولة الهوية.

واعتبر حافظ أن هذه الرسائل والطرق الملتوية تشكل أثرا مخيفا على أداء السوق، إذ توجه الإضرار بمقدرات السوق العامة على ما يعرف لدى الاقتصاديين بـ«الأداء الكلي»، وبالتالي ينعكس على أداء المحافظ الاستثمارية للمستثمرين بشكل خاص.

وربط حافظ رسائل التوصيات ببعض الرسائل التي تأتي لعملاء المصارف السعودية وغير السعودية من مصادر غير المعروفة تطالبهم بالإفشاء عن بياناتهم المالية والمصرفية وبالتالي يقع من يتعامل معهم في شرك، لافتا إلى تنبيهات هيئة السوق المالية والبنوك المحلية والجهات الأمنية وكذلك مؤسسة النقد العربي السعودي في أكثر من مناسبة بعدم التعامل مع هذه الرسائل مجهولة الهوية والامتثال إلى ما تحتويه من نصائح أو طلبات أو توجيهات سواء استثمارية أو مصرفية.

وأكد حافظ أن الطرق المستخدم بارعة حيث يعتبرها وسائل جرائم منظمة ومخططا لها ولديهم أساليب جاذبة ومقنعة للتلاعب بنفسية المستثمر تستهدف توجيه واستغلال أكبر شريحة ممكنة، مشيرا إلى أن المستثمر هو جوهر المكافحة.

من ناحيته، ذكر علي الزهراني، خبير فني في السوق المالية السعودية وعضو الجمعية الأميركية للمحللين الفنيين أن هناك شركات آثرت تقديم هذه الخدمات باشتراكات تمكن المشترك من وضع الأرقام وتسميتها بأي شيء يرغب به وبعثها إلى المستهدفين، مشيرا إلى أن حركة المجموعات في سوق الأسهم بدأت تخطو نحو هذا الاتجاه للبعد عن المساءلة القانونية.

وأضاف الزهراني أن هذا السلوك يأتي من ضمن سلوكيات كثيرة في الأسواق تسمى «الأموال الذكية» التي تعتمد على تكوين حالة من الرأي العام للمجاميع عبر المستثمر الأساسي الذي يكون قد أكمل التجميع ويريد تكوين أكبر قاعدة من المتداولين الجدد لمساعدة في رفع السعر، في وقت مرحلة دخول المجاميع يليها مرحلة الحماس المفرط الذي يأتي مع المدى اليومي والنطاقات العالية في الأداء مصحوبة بالسيولة الكبيرة.

بيد أن الزهراني لا يرى نجاح هذه الخطط في سوق الأسهم السعودية التي تعاني حاليا من حالة تراجع فني، إذ إنها تنجح غالبا في الأسواق الاندفاعية، موضحا أن هيئة السوق المالية ربما تواجه صعوبات في تتبع هذه المجاميع حيث ستحتاج إلى خبراء وكوادر تقنية عالية تمكنها من عمليات التتبع.