ارتفاع أسعار القمح إلى أعلى مستوى له خلال عامين بعد إعلان روسيا حظر صادراتها منه

يزيد من احتمال ارتفاع أسعار الأغذية مما قد يخرج الاقتصاد العالمي الساعي إلى التعافي عن مساره

TT

أعلنت روسيا أول من أمس أنها ستحظر جميع صادرات الحبوب خلال الأشهر الباقية من العام الحالي، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار القمح إلى أعلى مستوى لها خلال عامين، كما أنه يزيد من احتمالية ارتفاع أسعار الأغذية، وهو الأمر الذي قد يخرج الاقتصاد العالمي الساعي إلى التعافي عن مساره.

وقد أتى جفاف شديد وحرائق كبيرة على خمس المحاصيل داخل روسيا، وأجبر البلاد على الاعتماد على احتياطي الطوارئ. ومع إعلان الحظر خلال اجتماع وزاري داخل موسكو، قال رئيس الوزراء فلاديمير بوتين: «إن روسيا، وهي إحدى أكبر مصدري القمح في العالم، في حاجة إلى منع زيادة أسعار السلع الغذائية محليا»، وأضاف أنه سيقرر بعد حصاد العام الحالي، هل سيتم تمديد الحظر، الذي يغطي الصادرات من 15 أغسطس (آب) إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) أم لا.

وعلى المستوى الدولي، ارتفعت أسعار القمح بنسبة نحو 50 في المائة منذ يونيو (حزيران)، وقد أثار ذلك مخاوف من تكرار أزمة غذاء وقعت عام 2008 وأدت إلى أعمال شغب امتدت من بنغلاديش إلى هاييتي، وصولا إلى موزمبيق. ويقول خبراء إن أسعار القمح داخل الولايات المتحدة، يحتمل بدرجة أقل، أن تبقى مرتفعة، كما أن المحصول الوفير يمكن أن يجعل المزارعين الأميركيين في وضع يمكنهم من الاستفادة من انخفاض الإمدادات داخل أماكن أخرى. وارتفعت أسعار المحاصيل الأخرى، ومن بينها الشعير والأرز والذرة، بصورة حادة بعد إعلان روسيا.

وفي عصر التجارة الحرة، ينظر إلى حظر الصادرات من جانب الدول على أنه الإجراء الأخير لحماية المصالح الوطنية. وقامت إندونيسيا بحظر تصدير الخشب الخام، بعد أن قامت مصانع الأخشاب بتسوية غابات كاملة بالأرض. وتنظر الهند في حظر على الحديد الخام من أجل ضمان ثروتها المعدنية كي يستفيد اقتصادها الذي يحقق نموا مطردا.

وفي عامي 2007 و2008 حظر عدد من الدول من بينها روسيا، تصدير الحبوب مع بدء ارتفاع الأسعار بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من أن محللي السلع أكدوا أنه لا يوجد سبب يدعو إلى الخوف من نقص في القمح عالميا مجددا، تستعد شركات وحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى ما هو أسوأ.

وداخل مصر - وهي أحد أكبر مستوردي القمح وشهدت أعمال عنف دموية أمام المخابز قبل عامين - طمأنت الحكومة المواطنين بأن لديها قمحا يكفي لمدة أربعة أشهر وحثت روسيا على الوفاء بعقود وقعتها معها قبل الحظر. وفي أوروبا، حذرت شركة «بريمير فوودز» البريطانية واثنان من أكبر تجار التجزئة في قطاع الأغذية داخل سويسرا العملاء من أنهم قد يرفعون أسعار المنتجات التي تحتوي على القمح بدءا من البسكويت إلى البيرة.

وقالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الأسبوع الحالي إنه على الرغم من أن مؤشر الغذاء والأسعار أعلى بنسبة 13 في المائة بالمقارنة مما كان عليه قبل عام، فإنه لا يزال أقل بنسبة 22 في المائة من ذروته في يونيو 2008. وفي ذلك العام تعرضت محاصيل الحبوب في مختلف أنحاء العالم إلى دمار كبير بسبب طقس غير عادي.

وتعاني المناطق الريفية داخل غرب روسيا، من درجات الحرارة الأعلى في فصل الصيف منذ بدأ تسجيل بيانات الطقس قبل 130 عاما، كما تواجه روسيا حرائق كبيرة أتت على 196000 هكتار (نحو 484 فدان) وما زالت تنتشر.

وقد أدت الأمطار الشديدة إلى تدمير الكثير من محصول القمح داخل كندا، وتتوقع كندا تراجع نسبته 35 في المائة في الإنتاج. وداخل الصين، وهي الدولة الأكبر من حيث عدد السكان، من المتوقع أن تؤدي الفيضانات الأسوأ خلال أكثر من 10 أعوام إلى خفض إنتاج الأرز بنسبة ما بين 5 - 7 في المائة. وتنتج الصين نحو ثلث الأرز عالميا. ويقول داكس ودميار، وهو محلل لدى هيئة السلع الأميركية في ويست دي موين بولاية أيوا: «إنه إذا صدقت التوقعات بشأن محاصيل وفيرة داخل الولايات المتحدة وأستراليا، فإنه يمكن تقليل أثر الحظر الروسي». ولكنه قال: «إن أي تعقيدات إضافية يمكن أن تطرح تحديات كبيرة أمام دول نامية تعتمد على الصادرات». وأضاف ودميار: «أشعر بعدم الراحة بدرجة كبيرة بشأن هذه الإمدادات».

ولكن يقول ماكسيمو توريرو، وهو باحث في معهد أبحاث سياسات الغذاء العالمية في واشنطن: «إن حساباته تظهر أنه توجد حماية كافية في إمداد القمح عالميا وأن الأسعار المرتفعة نتيجة لإقبال على الشراء، ربما من جانب مستوردين داخل الشرق الأوسط وأفريقيا يعتمدون بدرجة كبيرة على المزارع الروسية». ويضيف توريرو: «يظهر ذلك إلى أي مدى أصبحت أسواق الحبوب مرتبطة بالأسواق المالية».

ويمثل القمح الروسي نحو 11 في المائة من الصادرات العالمية، ولكن بدءا من يونيو كانت هناك «وفرة» في مخزون القمح داخل الأماكن الأخرى تعادل النقص، حسب ما يقول توريرو. وتخزن الولايات المتحدة وحدها أكثر من 26 مليون طن متري من القمح، أي ثلاثة أضعاف التراجع المتوقع في الصادرات الروسية. وتقع الولايات المتحدة في الركن الوحيد من العالم الذي لا يجب أن يتأثر سلبا بالحظر الروسي. وتتوقع وزارة الزراعة الأميركية فائض نحو مليار بوشل، ويعني العجز داخل باقي العالم هامش أرباح أكبر للقطاع خلال الموسم الحالي.

ونتيجة لذلك، قال شاون ماكمبريدج، من شركة «برودينشال باش» للسلع داخل شيكاغو: «إنه لا يعتقد أن الزيادة الأخيرة في أسعار القمح سوف تؤدي إلى زيادات كبيرة في أسعار المستهلكين داخل الولايات المتحدة، مثلما حدث عندما ارتفعت الأسعار داخل 2008. وفي ذلك الوقت، كانت تكاليف الوقود في ازدياد مطرد، وأثر ذلك على المتسوقين»، حسب ما قال. ويقول ماكمبريدج: «إن الحظر الروسي ربما يفيد المزارعين الأميركيين. وخلال الأعوام الأخيرة، رفع مزارعو القمح الأميركيون الإنتاج، ولكن أكل القمح المنخفض السعر من منطقة البحر الأسود على الحصة الأميركية من سوق الحبوب العالمي». ويقول ماكمبريدج: «سيؤدي ذلك إلى تغيير بعض النشاط التصديري إلى المصدرين الأميركيين في وقت نحتاج فيه إلى زيادة الطلب».

وخلال التداول في مجلس التجارة بشيكاغو أول من أمس، ارتفع سعر القمح تسليم ديسمبر إلى 57.25 سنت للبوشل. وكان هذا أعلى معدل منذ أغسطس 2008، ولكنه لا يزال دون الرقم القياسي المسجل في فبراير (شباط) 2008 والذي بلغ 13.50 دولار.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»