شهية مستثمري السندات في ظل فتور الانتعاش تؤثر على معدلات الفائدة

«وول ستريت» على اقتناع بأن هذه المعدلات ستستمر خلال الأعوام المقبلة

قد تدفع الانخفاضات المتتالية لمعدلات الفائدة الشركات في نهاية المطاف إلى استثمار مخزوناتها النقدية الكبيرة في مصانع ومعدات (أ.ب)
TT

إلى أي مستوى يمكن أن تنخفض معدلات الفائدة؟

تواصل معدلات الفائدة انخفاضها، ويبدو أن «وول ستريت» أصبحت بشكل كبير مقتنعة بأن هذه المعدلات المنخفضة ستستمر خلال الأعوام المقبلة. لكن المسؤول عن هذا الانخفاض ليس الاحتياطي الفيدرالي بل سوق السندات، فقد دفع الاقتصاد الضعيف المستثمرين إلى التدافع على شراء سندات الخزانة مما تسبب في ارتفاع الأسعار وانخفاض العائد.

وقد أدى التدافع على شراء السندات إلى انخفاض معدلات الفائدة على الكثير من الأشياء مثل الرهن العقاري وقروض الشركات. وانخفض معدل الفائدة على سندات الخزانة لأجل عامين إلى مستوى قياسي يوم الجمعة، ليهبط لفترة قصيرة إلى ما دون الـ0.5 في المائة.

كما تراجعت الرهونات العقارية ذات العائد الثابت لأجل ثلاثين عاما إلى ما دون 4.5 في المائة، وهو رقم قياسي آخر. ومن المتوقع أن يثبت الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي قرب الصفر هذا الأسبوع بسبب الغيوم التي تحيط بالانتعاش الاقتصادي.

وتعتبر هذه الأخبار جيدة للمقترضين، وسيئة للذين يدخرون أموالهم في المصارف وصناديق سوق المال. وقد بلغ متوسط العائد السنوي على شهادات الإيداع السنوية الآن 1.3 في المائة. وهذه العوائد البسيطة تعتبر مؤلمة إلى حد بعيد، خصوصا للأفراد الذين يعيشون على دخل ثابت.

ويقول خبراء الاقتصاد إنه من غير المتوقع أن تعود معدلات الفائدة للصعود قريبا، بل إنها قد تنخفض أكثر. وفي حين لا يستطيع الاحتياطي الفيدرالي خفض معدلات الفائدة الرسمية على صناديقه الفيدرالية أكثر من ذلك، وهو المعدل الذي ثبت عند 0.25 في المائة طوال العام، فإنه يستطيع تسهيل عملية الائتمان بطرق أخرى.

ويتشكل حاليا اتفاق في الآراء في «وول ستريت» حول ضرورة قيام المصرف الاحتياطي الفيدرالي باتخاذ خطوات غير تقليدية، مثل شراء المزيد من سندات الخزانة لدفع أسعار السوق إلى الانخفاض أكثر.

ويقول مكارثي وارد، كبير خبراء الاقتصاد المالي في مؤسسة «جيفريز آند كومباني» وأحد المراقبين في مصرف الاحتياطي الفيدرالي منذ فترة طويلة، إنه يتوقع من الاحتياطي الفيدرالي الاعتراف رسميا، وعلى حد تعبير رئيسه بن بيرنانكي، بأن الوضع المستقبلي للاقتصاد بات «غير مؤكد على نحو غير معتاد». وأضاف مكارثي، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، أنه نظرا إلى هذا الوضع المستقبلي القاتم، فإنه يتعين على المصرف الاحتياطي الفيدرالي اتخاذ خطوات أخرى لتسهيل الائتمان، مثل إعادة استثمار عائدات سندات الرهن العقاري وسندات الخزانة التي يملكها في سندات الخزانة قصيرة الأجل.

وشهدت معدلات الفائدة في الأسواق انخفاضا حادا بالفعل هذا العام. كما تراجع معدل الفائدة في سندات الخزانة لأجل 10 أعوام، التي تمثل مؤشرا على عدد كبير من القروض وواحدة من أكثر معدلات الفائدة التي تتم متابعتها عن كثب في جميع أرجاء العالم، بأكثر من نقطة مئوية كاملة منذ مطلع أبريل (نيسان). كما هبط معدل الفائدة على هذا النوع من السندات بنسبة أكثر يوم الجمعة ليصل إلى 2.82 في المائة، وذلك بسبب تقارير التوظيف التي جاءت مخيبة للآمال والتي زادت أيضا من المخاوف بشأن الاقتصاد. لكن ذلك المعدل لا يزال أعلى من نقطة 2.06 في المائة التي سجلها في أوج العاصفة المالية في ديسمبر (كانون الأول) 2008.

وأشار ويليام غروس، وهو العضو المنتدب في «بيمكو»، وهي مؤسسة عملاقة تعمل في مجال إدارة صناديق السندات، إلى أن تقرير الوظائف قد عزز من رأيه القائل بأن الاقتصاد وسوق العمل سيظلان في حالة ضعف خلال السنوات القليلة القادمة. وقال غروس إن هذا الوضع السيئ سيكون «الوضع الطبيعي» للاقتصاد الأميركي.

وأضاف، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: «لقد تقبلت الأسواق المالية هذه الأطروحة في الوقت الحالي، وخير دليل على ذلك هو أن العائد على سندات الخزانة لأجل عامين بلغ 0.50 في المائة، ولو كان المستثمرون يتوقعون أن المصرف الاحتياطي الفيدرالي سيرفع معدلات الفائدة في أي وقت خلال العامين المقبلين، لكان العائد أعلى من ذلك بكثير».

وتوقع غروس، شأنه في ذلك شأن الخبير الاقتصادي مكارثي، أن يدرس واضعو السياسة الفيدرالية اتخاذ خطوات أخرى، إلى جانب خفض معدلات الفائدة بشكل مباشر، من أجل إعادة النمو. وأوضح غروس أن الاحتياطي الفيدرالي، من جانبه، سيواصل على الأرجح تثبيت معدل الفائدة عند 0.25 في المائة لمدة سنتين إلى ثلاث سنوات.

وقال اقتصاديون من مصرف «غولدمان ساكس» في ورقة بحثية صدرت يوم الجمعة إنهم، أيضا، يعتقدون أن الاحتياطي الفيدرالي سوف يتبنى مجموعة أخرى من إجراءات التيسير غير التقليدية لمواجهة ضعف سوق العمل. وأوضحوا في دراستهم أن «هذه التدابير قد تشمل شراء المزيد من الأصول، التي ربما تكون سندات خزانة»، وأضافوا أن مجموع هذه المشتريات قد لا يقل عن تريليون دولار.

وقد تدفع الانخفاضات المتتالية لمعدلات الفائدة الشركات في نهاية المطاف إلى استثمار مخزوناتها النقدية الكبيرة في مصانع ومعدات، وهذا بدوره سيخلق فرص عمل جديدة. ولكن إذا لم تتحرك الشركات واستمرت بدلا من ذلك في انتظار ظهور علامات أكيدة على حدوث انتعاش اقتصادي، فإن معدلات الفائدة قد لا يكون بمقدورها فعل الكثير لتحفيز الاقتصاد، وهو الأمر الذي يؤكد غروس أنه يرقى إلى مستوى «انتظار سراب اقتصادي».

ولكن حتى لو لم تتحرك الشركات، فإن المستثمرين في السندات سيواصلون جني الأرباح، لأن أسعار السندات سوف تستمر في الصعود.

وفي الآونة الأخيرة، حقق حملة السندات نتائج أفضل بكثير من المستثمرين في الأسهم. فمنذ مطلع مايو (أيار)، ارتفعت أسعار سندات الخزانة لأجل 10 أعوام بنحو 6 في المائة، في حين تراجع مؤشر الأسهم «ستاندرد آند بورز 500» بنحو 4.3 في المائة في الفترة نفسها.

وأشار ناريمان بيهرافيش، كبير الاقتصاديين في مؤسسة «آي إتش إس غلوبال إنسايت»، إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيمتنع على الأرجح عن رفع معدلات الفائدة حتى أواخر العام المقبل. وأضاف أنه في حال شهد الاقتصاد مزيدا من التدهور، فقد تمتد هذه الفترة إلى أوائل عام 2012. وقال بيهرافيش: «سيكون هناك بعض الوقت قبل أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي التضييق بأي طريقة مجدية».

ولكن ما يعتبر خبرا سيئا للمدخرين، يعتبر نبأ سارا للمقترضين، خصوصا المشترين المحتملين للمنازل. وهناك أمل كبير في أن تسهم معدلات الفائدة المنخفضة في نهاية المطاف في تحفيز سوق الإسكان، وأن تتمكن الشركات الكبيرة ومتوسطة الحجم، أو على الأقل ذات الجدارة الائتمانية، من الحصول على قروض بمعدلات فائدة جذابة من سوق سندات الشركات وكذلك من المصارف.

وهذا ما أكده بيهرافيش قائلا: «بمجرد أن نتمكن من تجاوز الفوضى التي أحدثتها أزمة نزع الملكية، يمكن أن تعود سوق الإسكان بقوة من جديد. هناك طلب كبير محتمل على الإسكان».

* خدمة «نيويورك تايمز»