الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يغير سياساته ويتحرك لدعم النمو

يخشى توقف حركة الاقتصاد الأميركي وتكرار سيناريو اليابان

مقر الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
TT

مع فقدان موجة استعادة النشاط الاقتصادي عافيته لزخمها، تحرك مصرف الاحتياطي الفيدرالي، أول من أمس، الثلاثاء، نحو تعزيز النمو، مما يعد تحولا كاملا لمصرف مركزي قضى الجزء الأكبر من العام الماضي في تقليص إجراءاته القوية الداعمة للاقتصاد.

وقد تعهد مصرف الاحتياطي الفيدرالي بالإبقاء على حجم الأصول، التي يملكها من دون تغيير عند مستوى 2 تريليون دولار، بدلا من السماح لذلك المستوى بالتناقص تدريجيا بمرور الوقت. ومن المفترض أن يبقي هذا القرار على معدلات الفائدة طويلة الأجل، مثل تلك المرتبطة بالرهون العقارية وقروض الشركات، عند مستوى أقل قليلا عما كان يمكن أن تصله، وإن كانت التداعيات الاقتصادية المباشرة من المحتمل أن تبقى متواضعة.

وتكمن الأهمية الأكبر وراء القرار فيما يكشف عنه بالنسبة لوجهة نظر مسؤولي مصرف الاحتياطي الفيدرالي بشأن الاقتصاد، واستعدادهم وقدرتهم على المضي لمسافة أبعد، إذا ما ساءت الأوضاع.

وقد شرع قيادات مصرف الاحتياطي الفيدرالي في المكافحة ضد مخاطرة إمكانية توقف حركة الاقتصاد نحو استعادة عافيته، بل ربما تبدأ الأسعار في التراجع. في خضم موجة الانكماش، مثل تلك التي منيت بها اليابان في تسعينات القرن الماضي، ودفعت الأسعار المتراجعة الأفراد نحو تخزين الأموال النقدية، الأمر الذي ألحق مزيدا من الضعف بالاقتصاد، وتفاقمت مشكلة الديون.

الملاحظ أن أغلبية قيادات مصرف الاحتياطي الفيدرالي أعلنت أن هذا الأمر من غير المحتمل وقوعه بالولايات المتحدة. إلا أن المسؤولين اعترفوا بعد اجتماع لهم بأن «وتيرة استعادة الإنتاج والبطالة عافيتهما تباطأت في الأشهر الأخيرة»، وأضافوا أن وتيرة التوسع «من المحتمل أن تكون أكثر تواضعا على المدى القريب، عما سبق توقعه».

وكعادته، اكتفى المصرف المركزي بإصدار بيان قصير مصاغ بحرص، أعلن خلاله نتائج اجتماع صناعة السياسات، الذي عقده أول من أمس، الثلاثاء. أما أعضاء اللجنة فلا يصدرون تعليقات علنية. إلا أن عددا من الخبراء الاقتصاديين والمحللين والمستثمرين، ممن عكفوا على تحليل البيان عثروا على أدلة توحي بأن المصرف المركزي بات أكثر إدراكا لمخاطر تباطؤ عجلة الاقتصاد.

وجاء التأثير المباشر لتغيير سياسات مصرف الاحتياطي الفيدرالي محدودا، حيث تراجعت أسعار الفائدة على سندات الخزانة الإرشادية بمعدل 0.07 في المائة فقط.

من جهته، قال أنتوني تشان، الخبير الاقتصادي البارز لدى «جيه بي مورغان ستانلي ويلث منيدجمنت»: «التأثير الذي يحمله ذلك، كمؤشر، يفوق تأثيره الفعلي، حيث يوحي القرار بأن لدى المصرف أسلحة أكبر بكثير يمكنه نشرها إذا ما اقتضت الضرورة».

ومن وراء قراره الأخير، يقول لسان حال المصرف، إنها حالة تردي الأوضاع الاقتصادية وبدت عودة الركود وشيكة، فإن المصرف المركزي سيستجيب لذلك، عبر استئناف إجراءات شرائه لسندات الخزانة طويلة الأجل، ليس مجرد شراء أعداد كافية، لتحل محل أوراق الرهن العقاري المالية التي يحتفظ بها مع بلوغها فترة استحقاق الدفع، وإنما لزيادة مجمل ممتلكاته فعليا.

وبمقدور مصرف الاحتياطي الفيدرالي ضخ أموال في الاقتصاد، عبر شراء سندات، ومن شأن ذلك فعليا خلق أموال واستغلالها في السداد لمستثمريه فيما يخص السندات. ويساعد ذلك على دفع معدلات الفائدة نحو الانخفاض، الأمر الذي من شأنه جعل الاستهلاك والاستثمار أرخص تكلفة بالنسبة للأميركيين. إلا أنه في حال افتقاد الأميركيين الثقة في المستقبل، ربما لا تصبح معدلات الفائدة المنخفضة كافية.

من ناحيته، علق بروس ماكين، كبير المخططين الاستثماريين لدى «كي برايفيت بنك»، بقوله: «لقد قدموا بعض التأكيدات للمستثمرين والمستهلكين وأصحاب الأعمال المتوترين حول أنهم يتعاملون مع مؤشرات تباطؤ الاقتصاد بجدية».

يذكر أن مصرف الاحتياطي الفيدرالي يحتفظ حاليا بأوراق مالية مرتبطة بالرهن العقاري بقيمة 1.4 تريليون دولار. في ظل سياسته السابقة، ولم يهدف المصرف المركزي لاستبدال أي من تلك الأوراق المالية بمجرد سداد الرهون العقارية القائمة وراءها، مثلما الحال عندما يعيد الأفراد تمويل منازلهم.

وعليه، كانت ميزانية مصرف الاحتياطي الفيدرالي في طريقها نحو الانكماش بمقدار 200 مليار دولار تقريبا على امتداد العام المقبل، نظرا لبلوغ تلك الأوراق المالية فترة الاستحقاق. في الواقع، لقد شجعت معدلات الفائدة المنخفضة بصورة قياسية الكثير من الأفراد على إعادة تمويل منازلهم، الأمر الذي كشف عن أن دعم مصرف الاحتياطي الفيدرالي للنمو الاقتصادي ينحسر. ويرمي الإجراء المعلن عنه الثلاثاء، لإنهاء ذلك.

ويشكل قرار مسؤولي مصرف الاحتياطي الفيدرالي بإحلال أوراق مالية مرتبطة بالرهن العقاري حان موعد استحقاقها، بسندات خزانة تحديدا بدلا من مزيد من الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري، تحولا في السياسة التي ينتهجها المصرف. ولو كان المصرف قد استمر بالاستثمار في الأوراق المالية المرتبطة بالرهن العقاري، ربما كان ذلك سيعود بالنفع على سوق الإسكان مباشرة من خلال الإبقاء على معدلات الرهن العقاري منخفضة. الملاحظ أن سوق الرهن العقاري تعمل الآن بصورة جيدة مع معدلات فائدة منخفضة للغاية بالنسبة لسندات الخزانة. ويقول قيادات مصرف الاحتياطي الفيدرالي إنهم يفضلون اتباع سياسات تفضل قطاعا معينا، في تلك الحالة الإسكان، على أخرى.

ومع ذلك، تبقى هناك جوانب سلبية لشراء مزيد من سندات الخزانة. وفعليا، سيقدم مصرف الاحتياطي الفيدرالي على طبع مزيد من الأموال لتيسير استمرار الكونغرس والرئيس في إدارة عجوزات ضخمة بالميزانية. وينطوي هذا الأمر بدوره على تهديد بخروج التضخم عن السيطرة.

ومثلما فعلت في جميع الاجتماعات منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008، قررت «اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة»، التي تشكل الكيان المعني بصناعة السياسات داخل مصرف الاحتياطي الفيدرالي، الإبقاء على هدفها المتمثل في معدلات فائدة منخفضة تقترب من الصفر، وتعهدت بالإبقاء على معدلات الفائدة عند ذلك المستوى «لفترة طويلة». ولم تتخذ قيادات مصرف الاحتياطي الفيدرالي أي خطوات أخرى نحو دعم الاقتصاد، مثل إضافة المزيد من الأوراق المالية في ميزانيتها أو تعزيز تعهدها السابق بالإبقاء على معدلات الفائدة عند مستوى شديد الانخفاض «لفترة طويلة».

من جهته، انشق توماس إم. هوينغ، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي بكنساس سيتي عن القرار، مثلما فعل في جميع الاجتماعات التي جرت خلال العام، مفضلا عدم الإبقاء على التعهد الخاص بـ«فترة طويلة» وعدم استئناف عمليات شراء أوراق مالية.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»