إحراق السفن

علي المزيد

TT

كان لي زميل يعمل مدرسا وبعد مضي فترة زمنية في عمله أعير لمدرسة خاصة ليعمل بها كمدير، فبعد مضي عشر سنوات في حقل التعليم قرر زميلي أن يفتتح مدرسة خاصة، وفعلا افتتح المدرسة وبدأ كالمعتاد بالروضة والابتدائي. بعد فراغه من تنظيم المدرسة جمعتني به مناسبة عامة، سألته: هل أنت معار إلى مدارسك الخاصة؟ فأجابني: «بل استقلت». لم أجرؤ أن أنبس ببنت شفة، ولكني في واقع الأمر تألمت لأني أعرف أنه يستطيع أن يعار لمدارسه، فوزارة التربية والتعليم تشجع على التعليم الخاص، ظل هذا السؤال يتردد في صدري ولكنه لم يخرج لزميلي.

بعد مضي فترة رأيت بوادر النجاح على زميلي، فبعد أن كانت مدارسه فقط في جدة رأيته يفتتح في الرياض مدارس خاصة، وكذلك يتوسع في مدينة الرياض ليفتتح مدارس أخرى في حي آخر. حينما رأيت بوادر هذا النجاح رأيت نفسي في حل أن أسأله السؤال القديم: لماذا لم تعر إلى مدارسك؟ أجابني: يا أخي علي.. حينما أعار إلى مدارسي وأفشل سوف أرى أن لدي فرصة للعودة كموظف، ولكني حينما أستقيل وأفشل فسألملم أوراقي وأبدأ من جديد، ولكني كما ترى - ولله الحمد - نجحت.

أعجبتني هذه الشجاعة وبدأت أتحدث بها عند زملائي فقال أحدهم: «كان لي زميل خواجة، وقد عمل مثل عمل صاحبك السعودي، وجال في ذهني ذات السؤال الذي جال في ذهنك وقد سألته إياه فقال لي: هذه سياسة عربية أخذناها من طارق بن زياد، وهي سياسة إحراق السفن، فقد أحرقت سفني حتى يكون طلب النجاح لزاما علي».

سياسة إحراق السفن الاقتصادية سياسة ناجحة في معظم الأحيان، ولكن القليل من الشباب يخاطر بركوبها مع ثبات نجاحها، فلو خاطر الشباب لتحسن دخله ووضعه، لأن العمل التجاري في الغالب أفضل من الوظيفة، فهو يحسن الدخل ويزيد العلاقات ويكون النجاح من صنع الفرد ليتغنى به حينما يكبر.. ودمتم.

* كاتب اقتصادي