الأسواق تتطلع إلى رئيس «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» مع تباطؤ الاقتصاد

مسؤولو «الاحتياطي» دخلوا في خلاف مفتوح بشأن ما ينبغي القيام به

بيرنانكي، رئيس «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» («الشرق الأوسط»)
TT

مع تراجع سوق الإسكان وثبات معدل البطالة ودخول المسؤولين البارزين في مصرف الاحتياطي الفيدرالي في خلاف مفتوح بشأن ما ينبغي القيام به، يواجه رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بين إس بيرنانكي، ضغوطا متصاعدة لتقديم حلول في الخطاب الذي يلقيه اليوم (الجمعة) الذي من المحتمل أن يكون أهم خطاب بالنسبة إليه منذ نهاية الأزمة المالية.

وكانت نيات سياسة المصرف المركزي غير مرتبة على غير العادة خلال الشهرين الماضيين، وفقا لوجهة نظر سائدة بين الخبراء الاقتصاديين والأفراد النافذين في العالم المالي. يقول هؤلاء الخبراء إنه ليس من الواضح إلى أي مدى سيبذل مصرف الاحتياطي الفيدرالي جهودا جديدة وكبرى لمحاولة دعم الاقتصاد، كما أنه ليس من الواضح ما هي الظروف الاقتصادية التي ستقود إلى هذه التحركات وما هو الشكل الذي ستتخذه هذه التحركات.

وعلى الجانب الآخر، تشير الدلائل إلى أن الانتعاش الاقتصادي يواجه صعوبات. ففي يوم الأربعاء، ذكرت وزارة التجارة أن مبيعات المنازل الجديدة في شهر يوليو (تموز) وصلت إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق. ورفعت الطلبات على السلع المعمرة، وهي نوع من الإنفاق العالي الذي كان يغذي النمو الاقتصادي، جزءا صغيرا مما تنبأ به الخبراء.

ومع الإحصاءات المقرر صدورها يوم الجمعة ومن المتوقع أن تظهر أن الاقتصاد قد نما بمعدلات أقل مما كان متوقعا خلال الربع الثاني من العام الحالي، يأمل المراقبون في مصرف الاحتياطي الفيدرالي أن تغرس التعليقات التي سيدلي بها بيرنانكي في نهاية هذا اليوم الثقة بأن لديه خطة ويستطيع التحرك بصورة حاسمة إذا ما واصل الاقتصاد التدهور. ويحذر هؤلاء المراقبون من أن الإشارات المتضاربة الأخيرة من المسؤولين داخل المصرف قد تسهم في الضعف الاقتصادي عن طريق ترويع الأسواق المالية.

وأعرب بعض واضعي السياسة الأكثر صخبا في مصرف الاحتياطي الفيدرالي عن وجهات نظر معارضة تماما بشأن التوقعات الاقتصادية ومسارهم المفضل للسياسة، وكان بيرنانكي وأقرب المتعاونين معه هادئين خلال الأسابيع الأخيرة.

وقال إيثان هاريس، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد في أميركا الشمالية في «بنك أوف أميركا -ميريل لينش»: «إن الثرثرة التي تحصل عليها بشأن السياسة في الفترة الحالية تعد بمثابة تنافر نغمات. لا يوجد هناك سوى مجموعة من وجهات النظر المختلفة للغاية يتم تقديهما من داخل وخارج المصرف، ويتسبب ذلك في إرباك الأسواق». يعكس الشعور بالإرباك الجانب السلبي من نمط بيرنانكي في القيادة. يشعر بيرنانكي بالارتياح مع واضعي سياسة آخرين يختلفون معه بصراحة في الرأي، وقاد مجلسا أكثر تعاونا ويحركه التوافق في الآراء بالمقارنة بالمجلس الذي كان يقوده سلفه ألان غرينسبان. وكان لهذا النهج مميزات أثناء الأزمة المالية.

قاد بيرنانكي جهاز سياسة معقدا - الذي يشمل، عندما يكون مكتملا، 7 محافظين في واشنطن ورؤساء 12 فرعا من فروع مصرف الاحتياطي الفيدرالي في جميع أنحاء البلاد - لاتخاذ خطوات جريئة وغير تقليدية لمكافحة الركود.

ويرى واضعو السياسة، الذين يحملون وجهات نظر مختلفة، أن آراءهم خضعت لدراسة جادة، ولذلك كانوا مستعدين لاتباع القائد فيما يتعلق بسياسات غير تقليدية، وحتى عندما كان لديهم تحفظات.

لكن الآن تتضح تكاليف هذا الأسلوب من الإدارة، التي لا تواجه انهيارا ماليا وشيكا، لكن مشكلة متمثلة في التحرك البطيء للنمو الاقتصادي الذي لا يعد قادرا على القضاء على البطالة، ففي الشهر الماضي، على سبيل المثال، نشر جيمس بولارد، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، ورقة تؤكد أن الاقتصاد الأميركي معرض لخطر فترة طويلة من انخفاض الأسعار وضعف الاقتصاد المعروف باسم الانكماش. ويجب على المصرف المركزي دراسة ضخ مئات المليارات من الدولارات في الاقتصاد لاستباق هذا الخطر. كما ظهر بولارد على تلفزيون «سي إن بي سي» لمناقشة هذا الرأي باستفاضة.

وألقى توماس هونيغ، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كنساس، خطابات وعقد مقابلات لمناقشة المشكلة المعاكسة. يرى توماس أن الانتعاش متواصل وقال إنه يجب رفع هدف سعر الفائدة لدى مصرف الاحتياطي الفيدرالي من أجل تجنب زيادة فقاعات الأصول أو التضخم.

ولا تعد وجهات نظر أي من الرجلين ضمن التيار الرئيسي للآراء في لجنة السياسة بمصرف الاحتياطي الفيدرالي، التي ترى الأغلبية بها أن التوسع المتواصل أمر محتمل، وأن الانكماش أمر غير محتمل وأنه يجب تبرير المستويات الدنيا من أسعار الفائدة خلال فترة قادمة. لكن أعضاء هذه اللجنة وغيرهم، مثل تشارلز بلوسر، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، وريتشارد فيشر، رئيس المصرف في دالاس، ظهروا بصورة علنية أكثر من الذين هم أقرب إلى المركز.

ومنذ أن قرر مصرف الاحتياطي الفيدرالي في 10 أغسطس (آب) اتخاذ الخطوة الأكثر اعتدالا والمتمثلة في شراء مزيد من الأصول لتحل محل الأصول المسجلة على ميزانيته التي انتهت مدتها، لم يظهر أي من بيرنانكي ولا أقرب الأفراد إليه - مثل رئيس المصرف في نيويورك ويليام دودلي والمحافظين دونالد كوهن وكيفين ورش - بصورة علنية لتفسير الأساس المنطقي لهذه الخطورة أو الإشارة إلى احتمالية اتخاذ خطوات أكثر جرأة لدعم النمو.

وبدلا من ذلك، سمع المشاركون في السوق من نارايانا كوتشرلاكوتا، رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، وهو آخر من انضم إلى اللجنة من واضعي السياسات، قوله إن قرار المصرف «كان له أثر على الأسواق المالية أكبر مما كنت أتوقع».

وبدلا من انتقاد الزملاء لطرح مناقشات داخلية في مصرف الاحتياطي الفيدرالي أمام الرأي العام، شجع بيرنانكي هذا الإعلان عن الآراء بمهارة، حيث أشاد بالنقاط التي أدلى بها بعض زملائه في اجتماعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أو في رسائل البريد الإلكتروني الخاصة.

بيد أن السؤال الآن هو: هل يستطيع بيرنانكي السيطرة على الأفراد الذين يحملون وجهات نظر مختلفة لوضع سياسة نقدية متماسكة؟

قال ديان سونك، الخبير الاقتصادي في «ميزيرو فاينانشال»: «إنه أسلوب بيرنانكي في القيادة منذ اليوم الأول لتشجيع الشفافية والنقاش المفتوح. ويعد ذلك أمرا جيدا بصفة عامة، لكن في الفترة الحالية، وفي حين أننا لسنا متأكدين إلى أين تتجه السياسة، يقود ذلك إلى الإرباك في الأسواق المالية بدلا من الوضوح».

وذكر بعض المراقبين في مصرف الاحتياطي الفيدرالي أن جزءا من التحدي الذي يواجه بيرنانكي في الخطاب الذي سيلقيه اليوم، في الندوة الاقتصادية السنوية التي يعقدها مصرف الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كنساس، يتمثل في إعادة تأكيد القيادة حتى لو لم يكن في مقدوره أن يكون دقيقا للغاية بشأن مسار سياسة المصرف.

وينظر قادة المصرف إلى الوتيرة المتباطئة للانتعاش على أنها مثيرة للقلق، لكنهم يرون أنه من المرجح الاستمرار في التوسع بدلا من العودة إلى الركود. وإذا تباطأ النمو الاقتصادي بصورة كبيرة، سيفكر مصرف الاحتياطي الفيدرالي في شراء سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بقروض الرهن العقاري، تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، وهي استراتيجية تعرف باسم التخفيف الكمي. لكن هناك سؤالا مفتوحا حول مدى تأثير هذه الخطوة على النمو، نظرا لأن أسعار الفائدة بطيئة للغاية بالفعل. ومن المحتمل أن يعارض عدد من أعضاء لجنة السياسة في مصرف الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم هوينغ وبلوسر، أي تحرك من هذا القبيل معارضة شديدة.

وسيقرأ الأفراد المنخرطون في الأسواق المالية خطاب بيرنانكي عن كثب للبحث عن دليل حول «دلالة رد الفعل» للمصرف. وبعبارة أخرى، ما هو مدى السوء الذي سيعانيه الاقتصاد قبل تنفيذ برنامج جديد لشراء السندات.

وسيبحثون أكثر من أي شيء آخر عن دلائل حول وجود خطة وأن المصرف يستطيع التحرك بصورة حاسمة عند الضرورة. وقال إيثان هاريس، الخبير الاقتصادي: «يحتاج إلى التغلب على هذه الفكرة التي تقول إن المصرف مشلول، إما لأنهم لا يمتلكون أدوات النجاح، وإما لأنهم لا يتفقون مع بعضهم».

وأضاف: «سيحتاج إلى الإقرار بالضعف الأخير في البيانات، وتبرير التحرك الذي قاموا به أثناء الاجتماع الأخير، ويحتاج في الوقت نفسه ألا يكون مثيرا للمخاوف وألا يبدو يائسا. وسيكون تحقيق هذا التوازن أمرا صعبا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»