حرب البرامج تستعر بين «أوراكل» و«غوغل»

استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر حوّلها إلى سلاح في الصراع بين الشركات

اندي روبن
TT

عندما بدأت حرب البرمجيات المجانية مفتوحة المصدر بين متخصصي التكنولوجيا الفائقة والباحثين، كان تقاسم الكود والأفكار، لا الأرباح، أولوية بالنسبة لهم. وكانوا أحيانا ما يقارنون بالاشتراكيين والشيوعيين.

تلك الأيام قد ولت، مع وجود بعض المثالية الاشتراكية. لكن استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر بصورة أكبر من قبل الشركات مثل «آي بي إم» و«أوراكل» و«إتش بي» و«غوغل» و«أبل» وحتى «مايكروسوفت» حولها إلى سلاح في حرب الشركات.

وقد شهد شهر أغسطس (آب) ضجة إعلامية كبيرة عندما رفعت شركة «أوراكل» دعوى قضائية ضد شركة «غوغل» تتهمها فيها بانتهاك حقوق الملكية الفكرية وبراءة الاختراع. وزعمت «أوراكل» أن نظام تشغيل أندرويد الذي تنتجه «غوغل» والخاص بأجهزة الهواتف الذكية وهواتف الجوال الأخرى يستخدم بصورة غير شرعية أفكار وكود جافا، مجموعة من أدوات البرامج التي طورتها شركة «صن مايكروسوفت سيستمز» عام 1995، والتي اشترتها «أوراكل» من شركة «صن» في يناير (كانون الثاني).

تنفي «غوغل» الاتهامات الموجهة ضد نظام تشغيل أندرويد، الذي هو أيضا برنامج مفتوح المصدر قائلة إنها صممت نظام التشغيل وأدوات جافا الخاصة به دون استخدام حقوق الملكية الفكرية لشركة «صن». وترى «غوغل» أن الدعوى القضائية التي رفعتها شركة «أوراكل» كانت أمرا تردد المديرون التنفيذيون في «صن» في القيام به. وقال كنت ووكر، المستشار العام لشركة «غوغل»: «هذا التصرف لا يقصد به أندرويد ذاته بل أي تطوير لبرامج جافا لم تصرح به (أوراكل). وإن الدعوى القضائية تحاول إعادة الجني مرة أخرى إلى القمقم». من خلال البرامج مفتوحة المصدر يمكن للمبرمجين مشاهدة كود المصدر الرئيسي والقيام بتعديلات وإصلاح الأجهزة ما دام أنهم يتبعون قواعد معينة، وعادة ما توزع البرمجيات مفتوحة المصدر بصورة مجانية. ثلاثة أرباع البرمجيات مفتوحة المصدر لا تزال تعمل في خدمة عالم الشركات الساعية إلى الربح، وتستخدم في صورة نظام تشغيل لينوكس أو خادم أباتشي للإنترنت إلى إدارة مراكز المعلومات التي تشغل الشبكة. وتقوم كل شركة بنشر برمجيات مفتوحة المصدر على نحو مختلف كأداة لخفض التكاليف أو كسلاح لنيل الأفضلية عن منافسيها. جنود معارك الشركات هم المبرمجون الذين يسهمون في البرامج مفتوحة المصدر في سوق العمل مع حملات مبيعات وهيئات المعايير التي تحكم المشاريع مفتوحة المصدر. ونزاع «أوراكل» و«غوغل» قضية استثنائية ستنتهي في المحاكم.

ويرى دوغلاس ليا، عالم الحاسبات في جامعة ولاية نيويورك في أوسويغ، أن مواجهة الشركتين جبهة جديدة فيما يسمى «حروب الوكالة مفتوحة المصدر»، التي تستخدم فيها الشركات مصادر مفتوحة لتكون صاحبة اليد الطولى في سوق العمل التجارية.

ويقول ليا، عضو اللجنة التنفيذية في «جافا كوميونوتي بروسس»، المؤسسة التي تضطلع بتحديد ملامح ومعايير برنامج جافا: «نادرا ما تقع شركات جيدة وأخرى سيئة في مثل هذا الموقف. فهذه الشركات تتنافس بشراسة ولديها مصالح مختلفة. وفي هذه الحالة، تدافع الشركتان عن أشكال مختلفة من المصادر المفتوحة».

تعود أصول الدعوى القضائية التي رفعتها «أوراكل» إلى ما قبل امتلاك «أوراكل» لشركة «صن». فبعد أن جعلت «صن» برنامج جافا مفتوح المصدر عام 2006 لنشر استخدامه كانت استراتيجيتها تكمن في السماح للمطورين والشركات من استخدام تكنولوجيا جافا في مراكز البيانات. وكانت «غوغل» الأكثر مشاركة في الإسهام بالسمات وصياغة المعايير لما يسمى جافا الكبير في «جافا كوميونوتي بروسس»، حيث احتفظت «صن» (أوراكل حاليا) بالمرتبة الأولى بين متكافئين. لكن «صن» قررت أن تجني المال من مجال الهواتف الجوالة الأسرع نموا عبر مجموعة من البرامج المصممة خصيصا لهذه السوق يدعى جافا مايكرو إديشن. هذا التطبيق متاح لغالبية المطورين لكن «صن» تفاوض الترخيصات التجارية للشركات الكبرى التي ترغب في صنع منتجاتها الخاصة. وتشمل الشركات التي حصلت على هذه النوعية من التراخيص «نوكيا» و«ريسيرش إن موشن» و«موتوريلا» و«إل جي» و«سامسونغ» و«فودافون» و«تي موبايل». وأوضح محامي الشركة، الذي شارك في جولات المفاوضات تلك، والذي طلب عدم ذكر اسمه لأن العقود كانت سرية، أن التفاوض على تلك التراخيص أجري بصورة فردية، شمل دفع مستحقات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات سنويا والسماح للشركات بتعديل الكود وعدم نشر تلك التغييرات.

وقال جون ريزو، نائب رئيس استراتيجية التكنولوجيا بشركة «آبليكس» التي تقوم بعمل أدوات برامج قائمة على جافا. و«آبليكس» عضو في كل من «أوبن هاندست أليانس» و«جافا كوميونوتي بروسس»: «النزاع بين (غوغل) و(أوراكل) في الأساس بشأن السيطرة - وقدرة (غوغل) على التحكم في تطوير تكنولوجيا أندرويد». ويشير مدير شركة «صن» الأسبق الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب الدعوى إلى أن «غوغل» و«صن» أجريتا محادثات على مدار الأعوام الثلاثة الماضية للتوصل إلى اتفاق لكنهما لم يحققا تقدما كبيرا. ومن ثم أعادت «صن» الدعوى القضائية التي رفعتها «أوراكل» أخيرا وحددت 7 براءات اختراع اتهمت «غوغل» بانتهاكها.

اختارت «صن» في النهاية عدم مقاضاة «غوغل»، وقال مدير «صن» السابق إن السبب وراء ذلك هو اعتقاد الأولى بأن دعوى براءة الاختراع ستقوض من جهود المصدر المفتوح للشركة بقيادة جوناثان شوارتز المدير التنفيذي للشركة الذي استقال من منصبه بعد شراء «أوراكل» للشركة. وفي عام 2005 أطلقت «صن» نسخة مصدر مفتوح من نظام التشغيل سولاريس، المستخدم في قواعد البيانات. لكن براءات اختراع البرنامج مثيرة للجدل خاصة بين مطوري البرامج مفتوحة المصدر. وأشار المدير السابق إلى أنه يخشى من أن يؤدي قيام «صن» برفع دعوى قضائية إلى إثناء الكثير من مطوري البرامج مفتوحة المصدر والعملاء المتوقعين بدءا من شركات «وادي السليكون» إلى الحكومات حول العالم التي تسعى إلى امتلاك برامج مفتوحة المصدر. قاد الاستعدادات القانونية لشركة «أوراكل» نورين كرال، مستشارة الملكية الفكرية السابقة في شركة «صن»، والتي انضمت إلى الشركة هذا العام كمدير لقانون حقوق الملكية الفكرية والتقاضي. وكانت «أبل» قد رفعت في مارس (آذار) دعوى قضائية ضد شركة الهواتف الجوالة «إتش تي سي» قائلة إن الهواتف التي تعمل بنظام تشغيل أندرويد تنتهك براءة اختراع آي فون الذي تنتجه «أبل». ولم تقاض الشركة «غوغل» لكن «غوغل» أصدرت بيانا قالت فيه «إننا نساند نظام تشغيل أندرويد وشركائها في الصناعة».

ويقول إيبن موغلن، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا الذي يقدم استشارات بشأن مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر: «مع شرائها شركة (صن) امتلكت (أوراكل) الدعوى القضائية التي يمكن أن ترفعها». وأضاف موغلن أن لورانس إليسون المدير التنفيذي للشركة استغل هذه الأصول في وقت يبدي فيه آخرون اهتماما بمحاربة نظام أندرويد. ومعروف أن إليسون صديق مقرب لستيفن جونس المدير التنفيذي لشركة «أبل». جدير بالذكر أن «أوراكل» شركة برامج تجارية تقليدية تتربح عبر بيع تراخيص البرامج. وتدعم «أوراكل» نظام تشغيل لينوكس. لكن محاولتها خفض التكلفة الإجمالية للبرامج وأجزاء الحاسب على المشترين في استخدام برامج قواعد بياناتها رفع من أرباحها، ما شجعها عن الانسحاب من «أوبن سولاريس». من جانبها فإن «غوغل» ليست شركة برامج تقليدية فجهازها الذي يحاكي تلفزيون البث وخدماتها (بما فيها البرنامج) مجانية وتجني الأموال عبر الإعلانات. يأمل المحايدون في النزاع - مطورو البرمجيات مفتوحة المصادر - في التوصل إلى هدنة بين «أوراكل» و«غوغل» أو على الأقل قرار سريع بإزالة اللبس.

وقال لي: «من الصعب حقا التنبؤ بعواقب خصومات الشركات الكبرى مع بعضها البعض».

* خدمة «نيويورك تايمز»