الغش التجاري أرهق الميزان التجاري العراقي ومليارات الدولارات تضيع على سلع مقلدة

العراقيون ينهون رمضان ويقبلون على عيد وعام دراسي بجيوب خاوية

TT

يمكن تصنيف آخر ستين يوما ماضية على أنها من أصعب الأيام مرارة على العراقيين، والتي تزامنت فيها موجات حر لم يشهدها البلد من قبل مع انقطاع دائم للتيار الكهربائي وأزمة خانقة في الوقود المستعمل في مولدات توليد الكهرباء البيتية، وهنا اعتمد المواطن على السوق السوداء، ناهيك عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام بعد أن عجزت وزارة التجارة عن تأمين مفردات البطاقة التموينية للنسبة العظمى من العوائل وقرار الحكومة بمنع استيراد الفواكه والخضر بكل أنواعها من دول الجوار، وفوق كل ما ذكر هناك مصروفات رمضان التي يجب أن تكون مميزة وتنتهي بالعيد واحتياجاته وبعد أيام من انقضائه على رب العائلة تأمين ملابس وحقائب ومستلزمات دراسية لأبنائه الخمسة أو الستة، وهذا يعني إشهار إفلاسه.

«الشرق الأوسط» تابعت تحضيرات العراقيين للعيد، حيث شهدت أسواق بغداد الرئيسية، وخاصة الشورجة وجميلة وبغداد الجديدة، إقبالا لافتا للنظر على شراء السلع الغذائية والملابس والحلويات، حيث أوضحت أم منال، والتي تعتمد على مرتب زوجها الذي توفي في حرب الخليج الثانية، أن صيف هذا العام أعتبره من أصعب المواسم وأكثرها مرارة على العراقيين لوجود الكثير من المشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية وكل شيء وهذه المشكلات انعكست حتى على تصرفات المجتمع، مؤكدة أنها تعول أربعة أفراد أكبرهم في الجامعة ومع بداية كل صيف تتجه أي عائلة لتأمين الكهرباء وهذا يعني إنفاق نسبة كبيرة من الدخل، بعدها شهر رمضان المبارك وتخصيص ميزانية خاصة لهذا الشهر والبقاء على استعداد تام للعيد، وأنا وصلت الآن وقبل العيد بأيام ولم يبق معي شيء من الأموال التي ادخرتها لهذا الموسم ولا أعرف كيف الحال في موضوع تدبير مستلزمات العام الدراسي الجديد.

عودة السلطاني خبير اقتصادي عراقي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن نظرية تحسن المستوى المعيشي للفرد العراقي هي نظرية بعيدة تماما عن الواقع، لأن من يرى ذلك للأسف وجه عينه صوب شريحة هو فيها مثلا يرى طبقة الموظفين أو كبار الموظفين فيجد نفسه مرفها من كل النواحي فيعتقد أن الكل بذات الوضع، لكنه لا يعلم أن شريحة الموظفين في القطاع الحكومي لا يتجاوزون المليونين موظف، ومعهم خمسة ملايين أي عوائلهم، فهذا يعني سبعة، وشرائح أخرى أيضا بدخل جيد عددهم ثلاثة ملايين فيصبحون عشرة أو اثني عشر مليون عراقي (دخل جيد ومتوسط) وهذا يعني أن أكثر من نصف سكان العراق دخلهم من دون مستوى الكفاف أو مع حد الكفاف، وهذه قياسات معيبة بحق القائمين على السلطة لأن يديروا بلدا غنيا جدا وأمر معيب بحقهم ألا يستطيع نصف شعبهم تأمين كامل احتياجاتهم من ملبس ومأكل وغيرهما.

مشكلة أخرى ظهرت منذ سنوات في السوق العراقية لكنها الآن بدأت تنعكس بشكل خطير على الاقتصاد العراقي ككل، وهي ظاهرة تحول أسواق العراق إلى مركز لاستقبال أي سلع مقلدة تنتجها شركات وهمية ومافيات وحتى بيوت غير مجازة، وتباع بأسعار مرتفعة، كونها تحمل ماركات لشركات رصينة، لكن المنتج رديء جدا، وهذا ما أكده عبد الستار هادي، تاجر ملابس، وقال إن سوق العراق انفتحت أمام السلع الرديئة منذ عام 2003 وسافرت مرات عدة ورأيت تجارا عراقيين يجوبون المراكز الصناعية هناك بحثا عن سلع معدة للتلف أو سلع كدست منذ سنوات ولم يتمكنوا من بيعها، فيقومون بشرائها أو في بعض الأحيان يعطونهم إياها من دون مقابل وهنا يتحمل فقط أجرة النقل ويفرض أسعار بيع عالية.

وأضاف عبد الستار أن تجارا آخرين يقومون بالسفر إلى أوروبا وسحب نماذج من صناعاتهم المختلفة من أجهزة ملابس وعطور وأغذية وينقلونها مباشرة للصين لتقليدها، مطالبا الجهات الحكومية بإيقاف ما سماها بمهزلة التجارة الخارجية العراقية التي أصبحت عبارة عن سرقة لأموال العراق والعراقيين في وضح النهار وأمام أنظار الحكومة وبموافقتها وكل يوم يمر يفقد الشعب أمواله على بضائع من دون فائدة وتزداد فيه أرصدة تجار ضعاف النفوس، لا يمكن إطلاق تسمية عراقيين عليهم، وأيضا إعطاء أموال للصين من دون مقابل.