نريد أنظمة تتواكب مع التطلعات

سعود الأحمد

TT

نتحدث كثيرا عن أهمية دعم أنشطة التبادل التجاري بين الدول العربية. وهناك رغبة صادقة على أعلى المستويات لتذليل كل الصعوبات أمام هذا التوجه. فعبر وسائل الإعلام نسمع ونقرأ عن قرارات صدرت لأجل دعم وتمويل التبادل التجاري، كلما عقدت اجتماعات ولقاءات قمة على مستوى المنظمات العربية وعلى مستوى الاجتماعات الثنائية بين الدول العربية، وكلها تؤكد على أهمية هذا التوجه.. فأين هي المشكلة إذن؟

المشكلة أن هناك فجوة بين التوجهات العليا التي تخدم الوطن والمواطن العربي، ومعاني مفردات ونصوص الأنظمة المعمول بها بمعظم الدول العربية!.. وانظر إلى البيانات الختامية لاجتماعات السوق العربية الحرة، والتي يبحث فيها موضوع التبادل التجاري بين الدول العربية، فما أجملها من قرارات مشجعة ومحفزة للدخل في هذا النشاط الواعد. لكنك تصاب بالإحباط عندما لا تجد على أرض الواقع ما تستهلكه أو تقتنيه من بضاعة مشتراة من السوق العربية المشتركة.. فأين ذهبت قرارات القمة، وأين ذهبت الاتفاقيات ونصوص البيانات الختامية؟ إذن المشكلة لدينا وبتشخيص دقيق في عدم وجود آليات تحقق الأهداف والخطط المتفق عليها على أعلى المستويات.

وقد سألت أحد التجار عن السبب الذي يمنعه من استيراد الخضراوات والفواكه والاستثمار بشراء أراض زراعية بالدول العربية، التي أعرف على حد علمي أنها من الدول الغنية بالمياه الحلوة والمتوافر بها مساحات أراض زراعية شاسعة وغير مستغلة ومتاحة للبيع بأسعار رخيصة، وأنه يمكنه إنشاء مصانع للتعبئة والتغليف في تلك الدول العربية والتصدير منها إلى الدول الخليجية وإلى أوروبا وغيرها. وهذه المشاريع أكثر ربحية من الاستثمار في أقصى الشرق، من حيث الجدوى الاقتصادية. ومن جانب لتعم المنفعة دولة شقيقة عوضا عن التنمية بالدول الأخرى، وليكون سمننا في دقيقنا (كما يقال)، لا سيما أن قادة ووزراء هذه الدول العربية ينادون ويعلنون في كل مناسبة رغبتهم في تشجيع الاستثمار الأجنبي في المجال الزراعي، وأنهم يمنحون لأجل ذلك قطع أراض زراعية بالمجان! لكن هذا المستثمر ذكر لي أن الحكومة (على أعلى المستويات) تشجع الاستثمار الأجنبي في تلك الدول.. لكن عندما تتورط وتبدأ أي مشروع فإنك تصطدم بعراقيل لم تحسب لها حسابا!.. إلى درجة أنه لو كان لك دين عند أحد المواطنين ببعض الدول العربية، فإنك لا تستطيع أن توكل محاميا ليترافع عنك ويحصل لك مديونيتك. بل إن عليك أن تحضر بنفسك وترفع القضية ضده. وفي هذا بالطبع تعطيل لك ولمصالحك في الداخل. وحتى لو طلبت تأشيرات لعمالة مدربة من الخارج، فإنك تجد نصوص النظام تسهل لك هذه المهمة، لكن الحقيقة على أرض الواقع تعرقل لك كل مجهود!.

وعلى صعيد التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي، فإن العامل لديك في دولة خليجية عندما تريد له أن يسوق لك بضاعة أو يتابع لك مشروعا أو يحصل لك مديونية بإحدى الدول الخليجية، فإنك تواجه صعوبات التأشيرات لكي يتنقل من دولة خليجية إلى أخرى، بحجة أنه ليس مواطنا خليجيا!.. وبالتالي فإنك وفي أحيانا كثيرة ولأجل ضيق الوقت تحتاج إلى أن تتابع أمورك بنفسك وتسافر لقضاء ومتابعة أمور كان يمكن أن يتابعها أحد موظفيك!.

الشاهد أننا في هذه المرحلة بالذات بحاجة إلى غربلة أنظمتنا وبالأخص القديمة منها، حتى تتواكب مع التغيرات وتتواكب أيضا مع تطلعات قادة وشعوب الدول العربية.

* كاتب ومحلل مالي