بعد الأسعار المميزة خلال الركود.. أسعار النقل الجوي تشتعل

شهدت 20% زيادة على الرحلات المحلية و30% للدولية

يتوقع الخبراء اعتدال الزيادات التي تطرأ على أسعار التذاكر خلال الشهور المقبلة عندما تتباطأ حركة السفر كما جرت العادة (أ. ف. ب)
TT

شهدت الشهور الأخيرة ارتفاعا مستمرا في أسعار تذاكر النقل الجوي، واقتربت الآن من مستوياتها قبل موجة الركود الأخيرة، وذلك حتى مع عدم حساب جميع الرسوم، التي أقرتها شركات الطيران مؤخرا.

وتعد الزيادة في أسعار تذاكر النقل الجوي، نتاجا لالتزام لافت أبدته شركات الطيران، التي امتنعت بوجه عام عن زيادة عدد رحلاتها الجوية هذا العام على الرغم من تحسن الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات الطلب. وبالنسبة لشركات الطيران، فقد أتت سياسة تقليل عدد رحلات الطيران مع حمل الطائرات لأعداد أكبر من الركاب بعوائد طيبة، إلا أن الركاب هم من يتكبد الثمن. وبالنسبة للمسافرين لأغراض الترفيه، فقد ارتفعت أسعار تذاكر الرحلات الداخلية بمعدل تجاوز 20 في المائة خلال الربع الثاني، مقارنة بعام مضى، طبقا للبيانات التي تكلف بتجميعها موقع معني بالسفر على شبكة الإنترنت، (أوروبيتز).

وعلى الطرق الدولية خلال تلك الفترة، جاء الارتفاع أكبر، مع زيادة أسعار التذاكر، بنسبة 30 في المائة. أما بالنسبة للمسافرين في درجات رجال الأعمال، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 12 في المائة خلال النصف الأول من العام.

وعلى سبيل المثال، بلغ سعر السفر في الدرجة الاقتصادية لرحلة ذهاب وعودة بين شيكاغو وأتلانتا هذا الصيف قرابة 250 دولارا، بزيادة قدرها 50 دولارا عن العام الماضي. ووصل سعر تذكرة ذهاب وعودة من نيويورك إلى باريس، التي بيعت بأقل من 700 دولار العام الماضي، إلى أكثر من ألف دولار هذا الصيف.

وأشار خبراء إلى أنه حتى مع اقتراب الصيف من نهايته، فإنهم لا يتوقعون أن تعاود الأسعار المميزة الظهور في وقت قريب.

وبينما يتوقع الخبراء اعتدال الزيادات التي تطرأ على أسعار التذاكر خلال الشهور المقبلة عندما تتباطأ حركة السفر كما جرت العادة، فإنه ينبغي على المسافرين الاستعداد لمواجهة مزيد من الزيادات خلال موسم عطلة نهاية العام.

من ناحيته، قال ريك سيني، الرئيس التنفيذي لـشركة «فير كومبير» FareCompare.com، وهو موقع على شبكة الإنترنت معني بالسفر: «نصيحتي الآن لا تؤجلوا خطوة شراء التذاكر إذا كنتم تنوون السفر خلال العطلات».

وقد تبدو الزيادة في أسعار التذاكر مرتفعة على نحو خاص، بالنظر إلى أنها تأتي في أعقاب فترة انحسار لصناعة الطيران.

ومع انكماش الاقتصاد العام الماضي، عمد المستهلكون لتقليص إنفاقهم وانهار النقل الجوي، مما دفع الأسعار نحو الانخفاض إلى أدنى مستوياتها طيلة عقد.

وخلقت هذه الأسعار المنخفضة ضغوطا هائلة على شركات الطيران، التي كانت تناضل بالفعل في مواجهة ارتفاع أسعار الطاقة.

ومنذ ذلك الحين، فقد حرص المسؤولون التنفيذيون في شركات الطيران على الدعوة إلى الحاجة لتقليص أعداد المقاعد التي يوفرونها، إما عبر إجراءات تقليص أو اندماج. وقد أدى هذا التفكير لظهور خطط للاندماج بين «يونايتيد إيرلاينز» و«كونتيننتال إيرلاينز». وقد حصلت الشركتان مؤخرا على موافقة الحكومة على الصفقة، ومن المتوقع إنجاز الاندماج في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

من جهته، قال هنتر كي، المحلل المعني بشؤون الطيران بشركة «ستيفيل نيكولوس»: «لا تزال تبدي شركات الطيران قدرة على الالتزام الطوعي للمرة الأولى، ليس فقط خلال هذا العقد فحسب، وإنما منذ تحرير الصناعة عام 1978».

بطبيعة الحال، تبقى حالة الاقتصاد العامل الجوهري وراء جهود الصناعة لتحسين دخلها. ومع حالة تردي الأوضاع الاقتصادية، سيتضاءل إقبال الناس على السفر، مما سيؤدي بدوره إلى انخفاض الأسعار.

وفي تلك الأثناء، شهدت شركات الطيران بعض التحسن في صافي دخلها.

وتشير البيانات التي جمعها «اتحاد النقل الجوي» إلى أن العائد المتوسط، أو السعر الذي يدفعه راكب واحد للطيران لمسافة ميل واحد، كان 14.95 سنت في يوليو (تموز)، وهو ثاني أعلى سعر خلال هذا الشهر، على امتداد العقد الماضي. (يتمثل سعر الذروة بالنسبة ليوليو في 15.56 سنت عام 2008).

وارتفعت العائدات من وراء الركاب بنسبة 20 في المائة، ليشكل سابع شهر متوال من نمو العائدات، حسبما أعلن الاتحاد خلال تقريره الشهري الأخير.

ولا شك أن مسافرين أمثال ديمون ميرز قد لاحظوا ارتفاع الأسعار. وعن ذلك قال ميرز، المستشار التقني في بروكلين بينما كان في طريقه لاستقبال صديق له في المطار: «من الصعب الحصول على تذاكر رخيصة هذه الأيام. إن الأسعار آخذة في الارتفاع، وفي جميع رحلات الطيران الآن تقريبا تسمع عبارة (لقد حجزنا في طائرة كاملة العدد)».

من جانبها، رفضت شركات الطيران التعليق على الأسعار، مبررة ذلك بمخاوف تتعلق بمكافحة الاحتكار. إلا أن أحد المسؤولين التنفيذيين قال إنه في الوقت الذي تمكنت فيه شركات الطيران من فرض زيادات على أسعار التذاكر عبر مختلف الفئات هذا العام، فإنها نجحت في الاستفادة من العائدات التي نالتها من وراء المسافرين في درجة أصحاب الأعمال. مع حصولها على المزيد من هؤلاء العملاء الذين يدفعون مزيدا من المال، تمكنت شركات الطيران من خفض أعداد المقاعد الأرخص المتوافرة، مما رفع إجمالي العائدات بالنسبة لرحلة الطيران الواحدة.

في الوقت ذاته، رفعت شركات الطيران عددا من الرسوم، وأضافت أخرى. وعن ذلك، قال سيني: «كل شيء يمكن فرض رسوم أجرة عليه في إطار عملية الطيران، أصبحت تفرض عليه أجرة الآن. وقد راودت شركات الطيران الرغبة في القيام بذلك لسنوات».

وربما تحمل الرسوم الجديدة الكثيرة قدرا من التعقيد البالغ من وجهة نظر البعض. وحاليا تفرض معظم شركات الطيران رسوما على الأطعمة والمشروبات التي تقدم داخل الطائرات وعلى تفتيش الحقائب. ويتكلف تغيير التذاكر ما بين 50 دولارا و250 دولارا. وتبيع شركة «جيت بلو» «تجهيزات للنوم» تضم وسادة وبطانية مقابل 7 دولارات، بينما تفرض «كونتيننتال إيرلاينز» رسوما بقيمة 20 دولارا لتقديم إيصال حال التقدم بطلب للحصول عليه بعد أكثر من سبعة أيام من رحلة الطيران.

وعلى مدار الشهرين الماضيين، توصلت «أميركان إيرلاينز» إلى مجموعة متنوعة من الخدمات الجديدة الجديرة بفرض رسوم عليها، على سبيل المثال، مقابل 9 دولارات بمقدور الركاب أن يكونوا بين أوائل من يستقل طائرة ما، الأمر الذي يثير اهتمام كثير من الركاب هذه الأيام لحمل المسافرين غالبا حقائب أكبر مما تتسع له الشبكات المخصصة للأمتعة فوق المقاعد.

ومقابل ما يتراوح بين 25 دولارا و49 دولارا، يمكن للركاب زيادة أعداد الأميال التي يحصلون عليها في رحلة طيران، لضعفين أو ثلاثة أضعاف.

ومقابل رسوم تتراوح بين 19 دولارا و39 دولارا، تسمح «أميركان إيرلاينز» لركابها بحجز مقاعد في واحد من أول صفين من المقاعد داخل الدرجة الاقتصادية. يذكر أن هذه المقاعد تسمح للركاب بأن يكونوا أول من يدخل ويخرج من الطائرة.

وفي هذا الصدد، أعرب جامي كاونتر، مدير «تريب أدفيزر فلايتس»، وهي شركة توفر أداة بحث عبر شبكة الإنترنت عن رحلات الطيران، عن اعتقاده بأن «شركات الطيران أصبحت مبدعة على نحو متزايد، في فرضها رسوما على العناصر التي كانت تقدمها قبل ذلك مجانا. بالنسبة للعملاء، مما يكتنف الغموض محصلة هذه الإجراءات».

من جهته، قال ماثيو بولسن، أميركي يعيش في الأرجنتين، إنه اعترض مؤخرا على اضطراره لدفع 3.50 دولار مقابل وجبة خفيفة في رحلة طيران من ميامي إلى نيوارك. وخلال رحلته من بيونس آيريس إلى نيويورك، فضل الحجز لدى «إل إيه إن إيرلاينز» بدلا من «أميركان إيرلاينز»، لأن الثانية تفرض رسوما بقيمة 7 دولارات على المشروبات. وقال: «أرغب في الحصول على امتيازات، وأرغب في الحصول على بطانية ووجبة خفيفة ومشروبات مجانية، من دون الشعور بالقلق حيال التكاليف».

إلا أنه مع تضاعف الرسوم، انتعشت عائدات شركات الطيران، حيث حققت أربع من أكبر خمس شركات طيران أرباحا خلال الربع الثاني من هذا العام.

في يوليو (تموز)، أعلنت «دلتا إيرلاينز»، أكبر شركة نقل جوي بالبلاد، عن تحقيقها أكبر أرباح ربع سنوية في عقد، بلغت 467 مليون دولار في الربع الثاني. وقفزت عائداتها من وراء الركاب، التي تتضمن ارتفاع أسعار التذاكر ومزيدا من الرسوم، بنسبة 19 في المائة. ونجحت الشركة في ملء 85 في المائة من مقاعدها خلال تلك الفترة، وهو رقم أعلى بكثير عما اعتادته الصناعة.

من ناحيته، قال ويليام إس. سويلبر، مهندس لدى «المركز الدولي للنقل الجوي»: «تحسن الأداء العملي للصناعة بصورة كبيرة».

لكن سويلبر أضاف أن شركات الطيران ربما تواجه مصاعب في التمسك ببعض مكاسبها في حال تباطؤ الاقتصاد.

وقال: «رغم رغبتي في الاعتقاد بظهور توجه نحو الربحية، فأنا لست على ثقة منه بسبب هشاشة حركة الاقتصاد نحو استعادة عافيته».

* خدمة «نيويورك تايمز»