الشركات الأميركية تطرح أسهمها للاكتتاب رغم أحوال السوق الصعبة

تساؤل حول إمكانية استيعاب السوق هذا القدر

بعد سنتين من الأزمة المالية العالمية، لا تزال سوق الأسهم هشة (أ.ب)
TT

مسار الاكتتاب العام الأولي في وول ستريت مزدحم، وأشارت شركة «رينيسانس كابيتال» لأبحاث الاكتتاب العام الأولي إلى أن 161 شركة تسعى إلى جمع أكثر من 56 مليار دولار عبر الاكتتاب العام الأولي. وهو ما يشكل أكبر عدد من الشركات التي تطرح أسهمها الاكتتاب العام الأولي منذ عام 2000 وأضخم كمية من الدولارات تم تسجيلها.

وتقول ليندا كيليان، المسؤولة في شركة رينيسانس: «لم نر مثل هذا العدد الضخم من الشركات منذ فترة. لكن القضية هي ما إذا كانت السوق قادرة على استيعاب ذلك كله».

يؤكد هذا العدد الكبير من الشركات على حقيقة مروعة وهي أنه بعد سنتين من الأزمة المالية العالمية، لا تزال سوق الأسهم هشة. فعلى الرغم من التحسن القوي في سوق السندات، والذي ظهر جليا في إصدار الشركات للدين للاستفادة من فرصة الفائدة المنخفضة، فإن الشهية للأسهم لا تزال ضعيفة، وستمثل قدرة مصرفيي وول ستريت على تنفيذ هذه الاكتتابات العامة الأولية عبر نهاية العامة اختبارا لمدى تعافي سوق الأسهم.

عنق الزجاجة بالنسبة للاكتتاب العام الأولى يكمن بصورة جزئية في تقلب سوق الأسهم بشدة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث جمدت الأزمة المالية الأخيرة بصورة كبيرة أسواق الأسهم على مدار 18 شهرا ومنعت الشركات من جمع الأموال.

لكن بعد موجة صعود في سوق الأسهم - من الانخفاض الذي شهدته في مارس (آذار) 2009 ووصولها إلى الذروة في أبريل (نيسان) 2010 حيث ارتفع مؤشر ستاندرد أند بور 500 بما يقارب 78 في المائة - طرحت ما يقرب من 130 شركة أسهمها للاكتتاب العام الأولي في النصف الأول من العام الحالي، بحسب شركة «رينيسانس».

ثم جاءت أحداث الربيع الحالي التي أحدثت تراجعا في سوق الأسهم - أزمة الديون الأوروبية والتسرب النفطي مع شركة «بريتش بتروليم» وما أطلق عليه التحطم السريع في مايو (أيار) عندما انخفض مؤشر داو جونز ما يقرب من 1,000 نقطة. نتيجة لذلك سعى المستثمرون القلقون إلى تجنب شراء الأسهم ولم يتمكن سوى عدد قليل من الشركات من استكمال الاكتتاب العام الأولي.

ويقول ديفدي غولدشميدت، المحامي في شركة «سكدين، آربس، سلات، ميغر أند فلوم» المتخصصة في تحويلات أسواق الأسهم: «شهدت سوق الأسهم تراجعا كبيرا منذ شهر أغسطس (آب) 2007، وكل هذا التقلب والشكوك يجعل من الصعب بيع الأوراق المالية».

وتشير البيانات الواردة من ديالوجيك، مزود بيانات مالية، إلى أن الشركات التي تهيمن على مسار الاكتتاب العام في الوقت الحالي تبدو مختلفة عن نظيراتها في عام 2000. ففي تلك الفترة، حاولت 237 شركة جمع 28.5 مليار دولار عبر الاكتتاب العام الأولي. كان ذلك في ذروة فقاعة الدوت كوم، عندما قامت شركة ناشئة مثل «ويب فان» و«بيتس دوت كوم» باستغلال شهية المستثمرين النهمين لأسهم التكنولوجيا، والتي لم تنته نهاية سعيدة.

واليوم فإن أضخم الشركات التي تدخل الاكتتاب العام الأولي هي الشركات الضخمة القوية التي خصصت خلال فترة ازدهار الاستحواذ في الفترة بين عامي 2005 و2007. وتلك الشركات معرضة الآن للعودة إلى الأسواق العامة. تضم القائمة شركات مثل «تويز آر يوز» و«نلسن» وشركة الاستشارات «بوز آلن». وعبرت شركة «هوسبيتال» عن أملها في 4.6 مليار دولار.

أما الشركة الأضخم بين هذه الشركات المطروحة للاكتتاب العام فهي شركة «جنرال موتورز» التي تملك الحكومة الأميركية 61 في المائة من أسهمها. ومن المتوقع أن تمثل نتيجة الاكتتاب العام لشركة «جنرال موتورز» أضخم سؤال على صعيد الاكتتاب العام الأولي. ومن المتوقع أن يطرح الاتفاق في الأسواق خريف العام الحالي ويتوقع أن يجمع 15 مليار دولار. وهو ما سيجعله ثاني أضخم اكتتاب عام أولى في تاريخ الولايات المتحدة بعد جمع الاكتتاب العام لـ«فيزا» في عام 2008 19.7 مليار دولار.

وقال، جون تشيريكو، مدير قطاع أسواق الأسهم في «سيتي غروب»: «سوق الاكتتاب العام لا تشبه مثيلتها في عام 2000 عندما كانت الشركات في حاجة إلى جمع الأموال من أجل تطوير العقاقير الجديدة والتكنولوجيا. أما غالبية الشركات التي طرحت أسهمها للاكتتاب العام اليوم شركات موثوقة والعديد منها يملك المرونة المالية للبقاء كشركة خاصة».

ولا تزال شركات الأسهم الخاصة متلهفة لبيع الأسهم التي في حوزتها. وفي بعض الحالات كانت الشركات تخطط لاستخدام عوائد الاكتتاب لتطوير شركاتها موازنة ميزانياتها وسداد كميات كبيرة من الدين التي اقترضتها كي تتحول إلى شركات خاصة. وفي بعض الحالات الأخرى كانت هناك شركات ترغب في إعادة الأموال التي جمعتها من الاكتتاب العام مرة أخرى إلى مالكي أسهمها، الذين لم يتمكنوا من الحصول على أرباح خلال العامين الماضيين.

وفي حالة اكتتاب «جنرال موتورز» فإن الحكومة متلهفة لبيع نصيبها.

ركوب تيار الاكتتاب العام الأولي سيساعد عشرات الشركات الأخرى المملوكة للقطاع الخاص في الاستفادة من الأسواق العامة. فخلال الشهور القليلة الماضية اجتمع مصرفيون بشركات استحواذ حول عروض ممكنة لبعض أضخم استثماراتها، ومن بين هذه الشركات «فريسكال سميكونداكتور» و«مايكلز ستورز»، بحسب مسؤولين شهدوا هذه النقاشات.

الشركات القليلة التي حاولت مؤخرا طرح أسهمها للاكتتاب العام وسط سوق متقلبة شهدت نجاحا مخيبا. فتسعير سوق الأسهم الجديد في الولايات المتحدة في عام 2010 كان الأضعف خلال خمس سنوات، بحسب بيانات مؤسسة «تومسون وريترز».

فعلى سبيل المثال، تمكنت شركة «إن إكس بي سميكونداكتورز»، صانعة الرقائق الإلكترونية الهولندية والمملوكة لشركة «باين كابيتال» وشركة «كولبيرغ كرافيس أند روبرتس» في يوليو (تموز)، من جمع 476 مليون دولار بعد خفض اكتتابها العام بمقدار 33 في المائة.

بدلا من بيع الأسهم في سوق غير مهيأة والمخاطرة بصفقة مخيبة للآمال تسعى عدد من شركات الأسهم الخاصة إلى انتهاج استراتيجية «المسار المزدوج» - من التقدم للاكتتاب العام بالتزامن تقييم العروض من المشترين المحتملين وسط تعافي السوق عمليات الاندماج والاستحواذ.

وخلال الأسبوع الماضي سحبت شركة «يونيفار» موزع الكيماويات الضخم والمملوكة لشركة «سي في سي كابيتال بارتنرز» للأسهم الخاصة، عرضها بالاكتتاب العام الأولي وقامت بدلا من ذلك ببيع نصف أسهمها إلى شركة «كلايتون دوبيلير أند رايس».

هناك بعض الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل مع اقتراب فصل الخريف، حيث يشير استطلاع «سيتي غروب» الأخيرة من لمستثمري المؤسسات - الصناديق التبادلية وصناديق التحوط وصناديق المعاشات التقاعدية التي تمثل الجزء الأكبر من مشتري الاكتتاب العام الأولي - يظهر تراكم كميات نقدية كبيرة في محافظهم الاستثمارية، مما يدل على إمكانية سعيها لشراء الأسهم، ومع ذلك، فإن التقرير نفسه يقول «هناك الكثير من المال، ولكن الثقة منخفضة جدا». وأضاف غولدشميت من شركة «سكدن آربس»: «أعتقد أن المستثمرين يرغبون في استثمار رأس المال في العمل، لكني متفائل».

* خدمة «نيويورك تايمز»