لبنان: مخاوف من تقلص تدفق الرساميل والاستثمارات الوافدة

ميزان المدفوعات يفقد مليار دولار من فائضه في 7 أشهر

يبدي اقتصاديون وخبراء تخوفهم من تنامي مسار التراجع في الأشهر المقبلة بسبب الاستعادة المتكررة للتصعيد السياسي الداخلي («الشرق الأوسط»)
TT

يسجل ميزان المدفوعات اللبناني تراجعا لافتا عن مستويات الفوائض القياسية التاريخية المحققة خلال العام الماضي، التي بلغت حصيلتها الإجمالية نحو 7.9 مليار دولار، مدفوعا بارتفاع عجز الميزان التجاري من جهة وانخفاض نسبي لحجم الرساميل الوافدة من جهة مقابلة.

ويؤشر هذا التراجع إلى تقلص جزئي في حركة الاستثمارات والرساميل الوافدة إلى لبنان. بعدما استفاد من عدم سقوط اقتصاده ومؤسساته المالية في دوامة الأزمة المالية الدولية وتداعياتها في العامين الماضيين، بالتزامن مع تحسن الأوضاع الداخلية التي قادته إلى تحقيق أرقام قياسية غير مسبوقة خصوصا في قطاعات المصارف وإدارة الأموال والسياحة والخدمات والأنشطة العقارية وسواها.

ويبدي اقتصاديون وخبراء تخوفهم من تنامي مسار التراجع في الأشهر المقبلة بسبب الاستعادة المتكررة للتصعيد السياسي الداخلي، على خلفية قضايا خلافية، والمنضبط، حتى الآن، تحت مظلة التوافق السعودي - السوري. في وقت تعود فيه الأسواق الإقليمية والدولية إلى الانتعاش، ولو جزئيا، مما يسهم في تحول بعض الاستثمارات والتوظيفات الواردة صوب منافذ بديلة.

وترافق التراجع المسجل مع تباطؤ وتيرة النمو في المؤشرات الأساسية للقطاع المصرفي اللبناني. وهذا ما تم رصده وفق تقييم ورد في النشرة الأسبوعية التي يصدرها بنك عودة خلص إلى أنه «في الوقت الذي يعبِّر تواصل النمو في القطاع المصرفي المحلي عن عافية النشاط الاقتصادي الوطني وعن استمرار تدفّق الرساميل إلى لبنان، فإنه يبقى تقريبا نصف النمو المسجَّل في الفترة ذاتها من عام 2009، علما بأن السنة الماضية شهدت تدفقا كبيرا غير معهود للرساميل الوافدة إلى البلاد عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية، التي أفادت منها المصارف اللبنانية المعروفة بسياساتها المحافظة وإطارها الرقابي المتشدد». ففي حصيلة مجمعة استقطب لبنان في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي نحو 10.3 مليار دولار كرساميل وافدة زادت عن عجز الميزان التجاري البالغ نحو 8 مليارات دولار. فيما استقطب، خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، نحو 10.7 مليار دولار قابلها عجز في الميزان التجاري بلغ نحو 7.4 مليار دولار. وذلك رغم ارتفاع حركة التصدير بنحو 500 مليون دولار.

وأفضت هذه الحصيلة إلى تقلص الفائض التراكمي لميزان المدفوعات حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي من نحو 3.35 مليار دولار في العام الماضي إلى نحو 2.31 مليار دولار في العام الحالي، أي بتراجع قدره نحو 1040 مليون دولار ونسبته 45 في المائة.

ولوحظ أن أعلى فائض لميزان المدفوعات تم تسجيله خلال شهر يوليو ذاته من العام الحالي، وبلغ نحو 994 مليون دولار أي ما نسبته 43 في المائة من إجمالي الفائض المحقق في 7 أشهر. وذلك مقابل 1246 مليون دولار شكلت نحو 37 في المائة من الإجمالي خلال الشهر ذاته من العام الماضي.

وعلى خط مواز تراجعت نسبيا وتيرة النمو القياسي في الجهاز المصرفي بعدما سجلت مستويات تجاوزت 23 في المائة كمتوسطات نمو في العام الماضي، حيث سجَّلت الأصول (الموجودات) المجمعة للمصارف العاملة في لبنان نموا بنسبة 7.6 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة، مقابل 11.8 في المائة في الأشهر السبعة الأولى من العام الماضي. فارتفعت من 115.3 مليار دولار مطلع العام إلى 124 مليار دولار في نهاية يوليو الماضي.

وكان اللافت، وفق نشرة بنك عودة، النمو الاستثنائي للنشاط المصرفي خلال شهر يوليو بالذات، حيث شهدت كل من الودائع والتسليفات نموا قياسيا مقارنة بالأشهر السابقة من السنة. فقاعدة الودائع نمت بقيمة 1.8 مليار دولار، مدفوعة بنمو ودائع المقيمين بقيمة 1.3 مليار، بالتزامن مع نمو في ودائع غير المقيمين بقيمة 557 مليون دولار.

ولوحظ أن الجزء الأكبر من نمو الودائع كان بالعملات الأجنبية خلال شهر يوليو بما يوازي 80.4 في المائة أو 1.5 مليار دولار، في حين أن الودائع بالليرة اللبنانية نمت بمقدار 354 مليون دولار مع تراجع وتيرة التحويلات من الوفورات بالدولار إلى وفورات بالليرة.

أما بالنسبة إلى التسليفات، فقد ارتفعت بمقدار 1.2 مليار دولار، مع ارتفاع التسليفات الممنوحة للمقيمين بمقدار 530 مليون دولار، والتسليفات الممنوحة لغير المقيمين بما يقارب 617 مليون دولار، وذلك في ظل نموٍ للتسليفات الممنوحة للمؤسسات الإقليمية انطلاقا من لبنان.

أما ودائع الزبائن، وهي المحرك الأساسي لنمو القطاع المصرفي، فقد استأثرت بنسبة 82.2 في المائة من إجمالي أصول (موجودات) المصارف، إذ زادت 6.4 في المائة في الأشهر السبعة الأولى، أي بما قيمته 6.1 مليار دولار، لتبلغ رقما قياسيا جديدا ناهز المائة مليار دولار.

ويبين تحليل الودائع المصرفية، أن ودائع المقيمين استأثرت بالقسم الأكبر من نمو الودائع المسجّل في الأشهر السبعة الأولى من 2010 (88.1 في المائة من المجموع)، في حين أن ودائع غير المقيمين سجلت تغيرات طفيفة منذ بداية السنة.

ويظهر توزع الودائع وفق نوع العملة، أن الودائع بالليرة استحوذت على الحصة الأكبر من نمو إجمالي الودائع المصرفية في الأشهر السبعة الأولى من 2010 بنسبة تقارب 62 في المائة، وذلك في ظل أوضاع نقدية مستقرة وتحويلات مستمرة من العملات الأجنبية إلى الليرة. لكن النمو الملحوظ في الودائع بالعملات الأجنبية بما يقارب 1.5 مليار دولار خلال شهر يوليو أعاد رفع نسبة دولرة الودائع إلى 62.9 في المائة، وذلك من نسبة 62.5 في المائة وهي الأدنى لها منذ أكثر من 10 سنوات تم تسجيلها في يونيو (حزيران) الماضي.

وقد شهدت حركة التسليف المصرفي انتعاشا، في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، في ظل طلب متزايد على التسليفات المصرفية في السوق المحلية وتحسن نسبي في أوضاع أسواق التسليف عبر العالم. فقد زادت التسليفات المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاص بنسبة 15.8 في المائة. وذلك من 28.4 مليار دولار مطلع العام إلى 32.9 مليار دولار في نهاية يوليو، أي بما قيمته 4.5 مليار دولار، وهو رقم قياسي بالنسبة للفترات المماثلة من الأعوام السابقة، متجاوزا الزيادة المحققة عام 2009 بكامله والبالغة 3.3 مليار دولار. ويمكن أن يعزى الارتفاع القياسي في التسليف، حسب التقرير المصرفي، إلى المتانة المالية للمصارف اللبنانية. كما إلى مرونتها الكبيرة، كونها مصارف غنية بالودائع ومتمتعة بمستوى عال جدا من السيولة مع رافعة استدانة منخفضة، الأمر الذي يمكنها من تلبية الحاجات الاقتصادية المتزايدة، في الوقت الذي لا تزال حركة التسليف المصرفي ضعيفة عبر العالم في ظل انتعاش اقتصادي بطيء وتقلص مستمر لأثر الرافعة. علما بأن التسليفات المصرفية الممنوحة من المصارف اللبنانية مخصصة بشكل أساسي للقطاع الخاص المقيم، باعتبار أن هذا الأخير يستأثر بنحو 82 في المائة من إجمالي نمو التسليفات خلال هذه السنة.

ويظهر توزع التسليفات المصرفية وفق نوع العملة، أن التسليفات الممنوحة بالليرة تحظى بحصة متزايدة من إجمالي نمو التسليفات (32.7 في المائة في الأشهر السبعة الأولى من 2010) مقارنة بالأعوام السابقة، وذلك يعود إلى تدابير مصرف لبنان الرامية إلى تشجيع التسليف بالعملة الوطنية في ظل أوضاع محلية مواتية. علما بأن نسبة دولرة التسليفات لا تزال تتراجع بانتظام، ولكنها لا تزال مرتفعة بحيث سجلت 81.7 في المائة في نهاية يوليو 2010.