لندن: خطط اقتطاع 83 مليار جنيه من الإنفاق العام تعيد كابوس المظاهرات العمالية

النقابات تتهم حكومة كاميرون بـ«الكذب» وتخطط لبدء سلسلة مظاهرات الشهر المقبل

أعضاء الوفود المشاركة يحتفلون بانطلاق حملة «معا من أجل الخدمات العامة» التي نظمها المؤتمر السنوي لنقابات العمال في بريطانيا خلال اجتماعها في شمال غربي إنجلترا (إ.ب.أ)
TT

عادت مظاهرات النقابات العمالية والاضطرابات لتطارد بريطانيا، بعد عقود من الهدوء الذي عاشته البلاد، مع إعلان اتحاد النقابات استعداده لبدء مظاهرات منسقة، احتجاجا على خطط الحكومة لخفض الإنفاق العام. وتنتظر النقابات تقرير وزير الخزانة جورج أوزبورن بعد نحو شهر، حيث سيعلن فيه تفاصيل خطط اقتطاع 83 مليار جنيه إسترليني من الإنفاق العام.

وعلى الرغم من أن حزب المحافظين الذي يرأس الحكومة الائتلافية، قد أعلن في حملته الانتخابية عزمه تخفيض الإنفاق، فإن المزاج الشعبي يبدو أنه بدأ ينقلب ضد هذه الخطط كلما اتضحت الصورة أكثر، وتبين حجم التخفيضات.

وقد أظهر استطلاع أجراه معهد «بوبولوس» لصحيفة الـ«تايمز» أمس، أن الناخبين البريطانيين يرفضون سرعة وحجم خطط تخفيض النفقات التي تتبعها الحكومة، وأنهم يؤيدون اتحاد النقابات العمالية وحزب العمال المعارض في دعواتهما الحكومة إلى تعديل هذه الخطط.

ومع زيادة النقمة والمخاوف من أن تؤدي خطط حكومة ديفيد كاميرون إلى رمي مئات الآلاف في سوق البطالة، اتحدت النقابات العمالية وأطلقت صوتا موحدا في مؤتمرها السنوي الذي عقدته في مدينة مانشستر أول من أمس، وتوعدت بالنزول إلى الشارع لمواجهة التخفيضات «المتهورة والفاحشة».

وتعتبر هذه هي المرة الأولى منذ حكومة مارغريت ثاتشر، التي تتحد فيها النقابات العمالية بهذا الشكل في مواجهة الحكومة. وكانت ثاتشر، التي ترأست حكومة المحافظين من عام 1979 حتى عام 1990، قد قلصت كثيرا من قوة النقابات التي كانت قوية جدا وظلت تنظم مظاهرات تشل البلاد منذ الستينات.

وقال البروفسور بول ويب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ساسكس، لـ«الشرق الأوسط»، إن بريطانيا قد تشهد اضطرابات جدية، هي الأكبر منذ عهد ثاتشر، في حال قررت الحكومة المضي قدما في خططها. وعلى الرغم من أن بريطانيا شهدت مظاهرات متفرقة في السنوات الماضية، وحتى الأسبوع الماضي شهدت خلاله إضرابا لعمال مترو الإنفاق، فإنها تعد المرة الأولى منذ الثمانينات التي تتحد فيها النقابات وتهدد بخطوات جماعية. وقال ويب إن «موظفي القطاع العام يواجهون أكبر تهديد منذ عقود، وهذا ما جعل النقابات تتوحد هذه المرة».

وقال ديفيد برانتيس، أمين عام نقابة «يونيزو»، إحدى النقابات الكبرى، أن الحكومة «تكذب» عندما تقول إن البلاد لا يمكنها تحمل الإنفاق على قطاع الخدمات العامة، ويجادل بأن الحكومة تريد ذريعة للتحول إلى الخصخصة. وقال: «إذا كانت هناك أموال لكفالة المصارف ودفع المكافآت، وإذا كانت هناك أموال للحرب ولنظام الدفاع النووي، فهناك أموال للخدمات العامة». وأضاف: «إذا لم تكن هناك أموال، فلماذا تجميد أجورنا فقط؟ وماذا عن تجميد أجور عمال المصارف؟ لقد رأينا كفاية ماذا فعلوا، وشاهدنا غرورهم وطبعهم».

وتعتزم النقابات بدء تحركاتها في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، عشية إعلان أوزبورن تفاصيل برنامج خفض النفقات، في ويستمنستر في لندن، على أن تليها مظاهرات على الصعيد الوطني في مارس (آذار) المقبل، وتتبعها بخطوات عمالية منسقة بعد ذلك. وتحاول جمعية النقابات أن تؤجل بدء المظاهرات الكبرى إلى الربيع المقبل، لاعتقادها أن التحركات ستحظى حينها بدعم شعبي أكبر عندما تبدأ نتائج التخفيضات تظهر بوضوح.

وتخطط الحكومة لاقتطاع من 20 إلى 45 في المائة من نفقات كل الوزارات، باستثناء الصحة والدفاع، وقد حذرت من أن التخفيض سيطال حتى الشرطة. إلا أن ذلك دفع بأحد كبار رجال الشرطة للتحذير من أن ذلك سيهدد أمن البلاد، وسيحد من قدرة الشرطة على التعاطي مع مظاهرات محتملة قد تندلع في البلاد، اعتراضا على خطط الحكومة. وقال ديريك بانيت، رئيس جمعية مفتشي الشرطة، في خطاب أمس: «في أجواء من التخفيضات التي تطال كل القطاعات العامة، نحن مقبلون على مرحلة، حيث السخط الاجتماعي والتوترات النقابية سترتفع». وكانت ثاتشر قد أعفت الشرطة من التخفيضات الحكومية، خلال عهدها، واعتمدت عليها لكسر إرادة عمال المناجم الذي بدأوا مظاهرات في بداية الثمانينات استمرت عاما، خسروا في نهايتها حربهم مع الحكومة.

وأدخلت حكومة «المرأة الحديدية» حينها قوانين جديدة حدت من قدرة النقابات على التحرك. وأسهم أيضا في إضعاف النقابات حينها، ارتفاع نسبة البطالة بعد أن أغلقت الكثير من المصانع والمعامل، وطرحت مئات الآلاف في سوق البطالة. وعلى الرغم من أنه من غير الواضح بعد ما إذا كانت النقابات قد اكتسبت من جديد بعضا من قوتها، قد تخولها لبدء معارك طويلة مع الحكومة الحالية، فإن هناك ما يساعدها على التفاؤل. قال البروفسور ويب، إن هناك سببين يجعلان النقابات «تجد نفسها في موقع قوي نسبيا، أولا في السنوات الأخيرة اندمج عدد كبير منها، وأصبحت النقابات الحالية ضخمة ولديها إمكانيات وطاقات كبيرة، ويمكن أن تنظم مظاهرات بشكل جيد. ثانيا، أعتقد أن الحكومة تلعب دورا بشكل ما في التشجيع على هذه المظاهرات من خلال خططها، فالعاملون في القطاع العام لن يخسروا شيئا إذا تظاهروا، فهم في كل الأحوال سيخسرون وظائفهم بمئات الآلاف».

ويعتقد ويب أن النقابات قد تحظى بتعاطف شعبي هذه المرة، على عكس ما كان يحصل في الماضي، بسبب حجم التخفيضات التي تطال فئات كبيرة من المجتمع البريطاني، من بينهم العائلات التي تستفيد من نظام الفوائد والتخفيضات على الأطفال والأولاد الذين يعانون من إعاقات. وقال أستاذ العلوم السياسية: «الكثير والكثير من الناس سيتأثرون بخطط تخفيض النفقات التي ستطال أيضا تخفيض عدد الشرطة، وهذا لا يحظى أبدا بشعبية، ولذلك قد يحاطون بتعاطف كبير هذه المرة».

قد لا تنجح تحركات النقابات العمالية كما كان يحدث في فترة السبعينات، ولكن المؤكد أن تشبث الحكومة بتطبيق خططها بالسرعة نفسها، والحجم نفسه، سيؤدي إلى اضطرابات لم تشهدها البلاد منذ رحيل ثاتشر عن السلطة.