السعودية: إنشاء خزانات استراتيجية لتأمين المياه عند الأعطال والكوارث

«المياه الوطنية» لـ «الشرق الأوسط»: تقام في 4 مواقع منفصلة وتخزن 6 ملايين متر مكعب من المياه

جانب من خزان مياه جدة (تصوير: غازي مهدي)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر رفيع في شركة «المياه الوطنية» عن مشروع ضخم لإنشاء خزانات استراتيجية للمياه في مدينة جدة، بهدف تأمين المياه وتخزينها لإمداد مدينة جدة بالمياه عند حدوث أي عطل في محطات التحلية أو كارثة طبيعية.

وأوضح لؤي المسلم، الرئيس التنفيذي لشركة «المياه الوطنية»، في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «إن الشركة وجهت عددا من الدعوات لعدد من الشركات الاستشارية لدراسة مشروع إنشاء خزانات استراتيجية بمدينة جدة، بهدف تأمين المياه وتخزينها بطاقة 6 ملايين متر مكعب في 4 مواقع منفصلة استراتيجيا، لإمداد مدينة جدة بالمياه عند حدوث أي عطل في محطات التحلية أو كارثة طبيعية».

وأضاف «تم توقيع عقد أعمال المساحة واختبارات التربة لموقع المشروع مع إحدى الشركات المتخصصة، ليتم الانتهاء من هذه الأعمال نهاية الشهر الحالي، ومن ثم يتم طرح المرحلة الأولى».

وبين «أن المرحلة الأولى تتضمن إنشاء الخزان الأول بسعة مليون ونصف المليون متر مكعب في منطقة بريمان، ومدة تنفيذ سنتان ونصف السنة. حيث سيهدف مشروع الخزن الاستراتيجي إلى تحسين وتطوير شبكات مياه الشرب، وشبكات الصرف الصحي بجدة، كما تعمل الشركة حاليا على إنهاء إجراءات الترسية، بتكلفة تقديرية بلغت 15 مليون ريال، ومدة التنفيذ بعد الترسية واستلام الموقع تبلغ 12 شهرا».

وفي سياق آخر، حول العمل في مشاريع الصرف الصحي في جدة، قال المسلم «وفق تقارير الإنجاز والمتابعة، تسير عمليات تنفيذ مشاريع منظومة الصرف الصحي في مدينة جدة، وفق الجداول الزمنية للخطط المعتمدة، فقد تم الانتهاء من تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية وتشغيلها، ويجرى حاليا استكمال تنفيذ المشاريع المتبقية، وتسريع إنجازها، إضافة إلى تطوير المشاريع الموجودة سابقا، التي تشمل محطات المعالجة، حيث عملت الشركة على إنشاء محطة المعالجة (المطار - 1)، التي ستخدم الأحياء الشمالية الوسطى وجزءا من المنطقتين الشمالية والجنوبية الوسطى. إذ ستعمل هذه المحطة على استقبال مياه الصرف الصحي من بحيرة الصرف في شرق جدة، ابتداء من الشهر الحالي بطاقة معالجة تبلغ 60 ألف متر مكعب يوميا، وترتفع تدريجيا حتى تصل إلى 250 ألف متر مكعب، كما يجري العمل بشكل مستمر على استكمال تنفيذ محطة المعالجة (الخمرة - 4)، وهي محطة تصل طاقتها إلى 250 ألف متر مكعب، ومن المتوقع تشغيلها نهاية عام 2011».

واستطرد الرئيس التنفيذي لشركة «المياه الوطنية»: «إن هذه المحطات الجديدة ستعمل مع المحطات القائمة حاليا، التي تمت توسعتها، لتبلغ الطاقة الإنتاجية للمحطات الحالية من المياه المعالجة مجتمعه 384 ألف متر مكعب يوميا، الأمر الذي يجسد اهتمام الشركة برفع الكفاءة التشغيلية للقطاع، ومواكبة التدفق المتزايد لمياه الصرف الصحي. كما تقوم الشركة حاليا بتنفيذ محطة ضخ شمال جدة بتكلفة 900 مليون ريال، وتصل طاقتها إلى مليون متر مكعب يوميا، كما طرحت الشركة مشروع إنشاء محطة الضخ في الجنوب، وهي حاليا تحت إجراءات الترسية، ونتوقع، إنشاء الله، أن تسهم عملية إنشائها في رفع كفاءة محطات الرفع القائمة في المنطقة المخدومة بمدينة جدة».

وأضاف «ومن المشاريع الحيوية لاستكمال منظومة الصرف الصحي بمدينة جدة، والمتعلقة بعملية نقل مياه الصرف الصحي لتلك المحطات، نفذت الشركة مشاريع أنفاق رئيسية ناقلة لمياه الصرف الصحي، وفق منهجية تضمن الانسيابية والمرونة والفاعلية، من خلال تنفيذ أنفاق بأعماق تزيد على 50 مترا، وتصل أقطارها إلى 3500 مم، وتجزئتها على ثلاثة عقود، أولها عقد (4)، وقد تم بحمد الله الانتهاء من تنفيذه، والعقد الآخر (4أ)، ويبدأ تنفيذه من شارع الأمير سلطان بن عبد العزيز إلى مشارف مطار الملك عبد العزيز بجدة، وعقد (4ب)، وهو المكمل لهذا المشروع، ويبدأ من مشارف المطار ليصل إلى محطة الرفع التي يجري العمل حاليا على تنفيذها شمال محطة المطار 1، ويتوقع أن ينتهي العمل فيها بنهاية العام المقبل 2011، وتهدف هذه المشاريع لتجميع مياه الصرف الصحي من عدة أحياء ونقلها إلى محطة (المطار 1).

يأتي ذلك في وقت أكدت فيه مطلع العام الحالي 2010، مصادر رسمية في شركة «المياه الوطنية» انخفاض عدد شكاوى انقطاع المياه في مدينتي الرياض وجدة خلال الربع الأول من العام الحالي، من 45 في المائة إلى 4 في المائة مقارنة بالعام الماضي.

وعزا في ذلك الحين، لؤي بن أحمد المسلم، الرئيس التنفيذي لشركة «المياه الوطنية»، لـ«الشرق الأوسط» ارتفاع رضا العميل إلى تحسن مستوى الشركة، من حيث تحسن مستوى الضخ في المياه، والصرف الصحي، وخدمة العملاء بفتح مراكز الخدمات، إضافة إلى خدمة الهاتف المجاني، التي ساعدت السكان في طلب الخدمة من مكان إقامتهم.

وأضاف لؤي المسلم أن الشركة استعانت بمركز دراسات متخصص للخروج بإحصائية، ووجد من خلال هذه الدراسات تطور ملحوظ في مستوى رضا العملاء عن الخدمات المقدمة من خلال مراكز خدمات العملاء ومراكز الاتصال الموحد، حيث ارتفع معدل رضا عملاء الشركة من 46 في المائة خلال شهر مارس (آذار) 2009 إلى 85 في المائة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، على أعمال الشركة إجمالا.

وأضاف أن معدل انتظار العملاء المتصلين على الرقم المجاني في عام 2010 تحسن، ليصبح 3 ثوانٍ، مؤكدا أن الشركة قلصت نسبة شكاوى العملاء التي لم يتم حلها في مدينة الرياض، حيث كانت نسبتها 45 في المائة في عام 2009، وتم تقليصها إلى 4 في المائة في الربع الأول من العام الحالي.

يذكر أن فريقا من الخبراء يعكف على إعداد دراسة عن كيفية الاستفادة من مياه الأمطار الكبيرة التي هطلت على بعض المدن السعودية وإمكانية تخزينها تحت الأرض وفق طرق علمية، وسط توقعات بأن تتعرض الجزيرة العربية خلال الـ20 عاما المقبلة لسيول كبيرة تفوق كميات الأمطار التي مضت بـ30 في المائة.

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» البروفسور زكائي شن، المتخصص في هندسة المياه الجوفية والخبير المشارك بكرسي الأمير سلطان في جامعة الملك سعود، خلال لقاء عقده في هيئة المساحة الجيولوجية بجدة في مايو (أيار) الماضي: «أن دراسة تطبيقية بدأت خلال مرحلة التطبيق التجريبي للاستفادة من كميات الأمطار الكبيرة التي هطلت على السعودية هذا العام، وعلى منطقة الرياض بشكل خاص، وذلك عبر تخزينها وفق طرق علمية تحت سطح الأرض، وهي الطريقة التي ستوفر للمملكة مستقبلا ما نسبته 25 في المائة من المياه الصالحة للشرب».

وأضاف أن «النماذج العالمية والإقليمية الخاصة بتقييم تأثيرات التغير المناخي للمملكة، ولمنطقة الرياض بشكل خاص، تشير إلى زيادة معدلات الأمطار، وذلك من خلال النماذج والأرقام العلمية التي أثبتتها الدراسات».

وبين شن حينها قائلا: «لا يجب النظر إلى الموضوع بشكل سلبي، ولكن يجب التفكير والاستفادة من كيفية تحويل تلك المياه، خاصة أن الحاجة أصبحت ملحة أكثر من ذي قبل لإيجاد مصادر أخرى للمياه، وأن الجزيرة العربية بإمكانها توفير هذه الموارد من خلال المخزون الكبير الذي سيتكون لديها».

وأشار إلى أن «الجزيرة العربية، والسعودية على وجه الخصوص، ستتعرض خلال السنوات العشرين المقبلة وحتى عام 2030، لعدد من السيول الكبيرة بنسبة تفوق 30 في المائة عن الوضع الحالي، وذلك وفق التنبؤات والتصورات المستقبلية». مرجعا أسباب زيادتها إلى ظاهرة التغير المناخي والاستخدام غير الأمثل للطاقة في كل أنحاء العالم.

واستطرد الخبير زكائي شن حول برنامج تخزين المياه الذي تم العمل به مؤخرا في منطقة الرياض، موضحا «تعتمد الفكرة على حفر أوعية كبيرة جدا تحت الأرض وجمع المياه فيها بكميات كبيرة ووضع بعض العوازل عليها ومدها إلى الأماكن التي تعاني من نقص وشح في المياه، وقد تتم مستقبلا معالجتها وإمكانية استخدامها للاستهلاك الآدمي، وهو ما من شأنه تحويل تلك الكميات من الأمطار والسيول إلى مورد مائي كبير».

وأكد الخبير المشارك بكرسي جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه السعي لتنفيذ أبحاث حصد وخزن مياه الأمطار والسيول بالمملكة من خلال كرسي جائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه، حيث تتم حاليا دراسة مستفيضة لمناطق المملكة المتوقع زيادة هطول الأمطار عليها، وتحديد الأسلوب الأمثل لحصد مياه الأمطار والسيول في كل منها في ضوء ما هو متوقع من تأثيرات التغير المناخي.

وبين أن «مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، سيستفيد من مياه الأمطار التي تسقط عادة بغزارة ولفترات زمنية قصيرة خلال فصلي الخريف والربيع بدلا من فقد جزء كبير منها بالتبخر، لشدة حرارة الجو وتوفير المياه لسقي الماشية وري المزروعات من دون مقابل مادي وزيادة المخزون الاستراتيجي من المياه للأجيال المقبلة، وتخفيف عبء السحب المتواصل من خزانات المياه الجوفية سواء القريبة من سطح الأرض أو العميقة وربط الهجر والبادية بمواطنهم الأصلية، وبالتالي تخفيف الضغط على المدن المزدحمة وتحسين الظروف البيئية بالأودية حول السدود الركامية المقترحة».