الين القوي يؤدي إلى زيادة في الاستحواذات الخارجية اليابانية

«مصائب» انخفاضه عند بعض الشركات فوائد.. ومجموع إنفاقها بلغ 27 مليارا من بداية العام

الاستحواذات الخارجية اليابانية شملت كل أنحاء العالم من جنوب أفريقيا إلى أميركا إلى أوروبا («نيويورك تايمز»)
TT

تتراجع الصفقات في أهميتها بالمقارنة مع استحواذ «سوني» على «كولومبيا بيكتشرز» أو شراء «ميتسوبيشي» و«روكفلر سنتر»، وكلاهما كان في ذروة الفقاعة الاقتصادية داخل اليابان عام 1989.

ولكن الظروف الحالية - والأكثر برزوا بينها الين القوي الذي رفع من القوة الشرائية لليابان في الخارج – يمكن أن تدفع الشركات اليابانية إلى القيام بعمليات تسوق في الخارج، مما يعزز من دورها العالمي على الرغم من الاقتصاد الراكد في الداخل.

وقد أنفقت الشركات اليابانية 27 مليار دولار حتى الآن خلال 2010 في عمليات استحواذ على شركات في الخارج، ويزيد هذا الرقم بالفعل عما أنفق خلال 2009. ويتضمن ذلك مجموعة من الصفقات قام بها عملاق الاتصالات «إن تي تي»، ومن بينها اتفاق الشركة خلال يوليو (تموز) على شراء «دايمنشن داتا»، وهي مزود خدمة شبكات مقرها جنوب أفريقيا، مقابل 3.24 مليار دولار. وخلال الأسبوع الماضي، قدمت سلسلة المتاجر «7 إليفن»، التي تمتلكها «سفن آند 1 هولدنغز» اليابانية، عرضا لشراء منافس أميركي أصغر «كاسيز جنرال ستورز».

ويتخذ المنحى المغامر نفسه، على نطاق مالي أصغر، شركة التجارة الإلكترونية الأكبر داخل اليابان «راكوتن». وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة، استحوذت على موقع تجارة التجزئة الإلكتروني الأميركي Buy.com مقابل 250 مليون دولار، كما دفعت مبلغا مماثلا مقابل موقع تسوق إلكتروني أوروبي «بريس مينيستر».

وقال هيروشي ميكيتاني، وهو مؤسس «راكوتن» ورئيسها التنفيذي، خلال مقابلة أجريت معه: «تعد هذه فرصة نادرة للشركات اليابانية كي تستحوذ على شركات أجنبية. لديهم المال، ويمكنهم تمويل ذلك. ويجب عليهم القيام بذلك، والتأكيد على وجودهم عالميا».

وقد أثر الين المرتفع على الانتعاشة اليابانية التي تدفعها الصادرات، حيث تشعر شركات، مثل «تويوتا» و«سوني»، بالقلق وهي واقفة مكتوفة اليدين ومنافسين أجانب يتميزون على أسعارهم. ولكن تقوم شركات مثل «راكوتن» بالاستفادة من الين مرتفع القيمة لتذهب في عمليات تسوق عالمية.

ويقول كازوكي أوهارا، وهو مستشار بارز في معهد أبحاث نومورا داخل طوكيو: «يحتاج الاقتصاد الياباني إلى التجديد وإلى تعزيز شركات جديدة. وسيكون من المحرج لليابان أن تتعامل مع الين القوي مثلما كان يحدث على الدوام – من خلال خفض قيمة عملتها أو اللجوء إلى الادخار إلى أن يضعف الين مرة أخرى». وهؤلاء الذين يبتهجون بالطفرة الصغيرة في عمليات الدمج لا يمكن الإنصات إليهم دوما، على ضوء حالة التذمر بشأن الين القوي، الذي ارتفع بنسبة 10 في المائة في مقابل الدولار خلال العام الحالي، حيث يبحث مستثمرون عن ملاذات آمنة نسبيا في غمرة الأسواق العالمية المتقلبة. وقد أضرت العملة، التي تحوم حول أعلى معدلات خلال 15 عاما، بالمصنعين اليابانيين بأن جعلت صادراتهم أقل قدرة على المنافسة – ويعد ذلك مبعث قلق كبير لدولة تعتمد على الصادرات من أجل تحقيق النمو الاقتصادي.

ولكن، يوم الأربعاء تدخلت اليابان في أسواق العملة للمرة الأولى خلال ستة أعوام من أجل تخفيض قيمة الين في مقابل الدولار، وهو الإجراء الذي أظهر كيف أن الحكومة لا تزال حريصة على دعم المصدّرين اليابانيين.

ولكن، بدلا من الاعتماد على الإجراءات الحكومية من أجل مساعدة الشركات، يقول محللون إن اليابان يجب أن تعيد توجيه اقتصادها تجاه صناعات القيمة المضافة مثل الخدمات وتقنية المعلومات - وتعزيز وضعها في هذه المجالات في الخارج. وهذه هي الاستراتيجية التي تتبعها «راكوتن».

ومنذ أن أسس ميكيتاني، الذي تخرج في كلية التجارة بجامعة هارفارد، «راكوتن» هنا عام 1997 وطرحها للاكتتاب العام عام 2000، زادت شعبية نشاطه التجاري الإلكتروني، كما ذات كفاءته كقالب تجاري.

ولم تقم الشركة، التي لديها 64 مليون عميل داخل اليابان وبلغت مبيعاتها 298 مليار ين (3.54 مليار دولار) العام الماضي، بإنشاء مخازن لها. ولكن، تعمل كبوابة لقرابة 36.000 تاجر من مختلف أنحاء اليابان يبيعون تشكيلة من المنتجات مثل أدوات التجميل والأدوات الرياضية. وبالمثل، تعتمد أنشطة «راكوتن» في الخارج على لعب دور الوسيط الرقمي، من غير أن تثقلها منتجات مادية أو عقارات.

وبعد بناء متجر في تايوان عام 2008 وتايلاند عام 2009، سرع ميكيتاني من الوتيرة. وفي يناير (كانون الثاني)، أعلنت «راكوتن» عن مشروع تجاري إلكتروني مشترك مع عملاق البحث الصيني «بايدو». وعقد صفقة «Buy.com» في مايو (أيار)، وفي نهاية الشهر نفسه أعلنت عن نشاط تجاري بالشراكة مع إندونيسيا. وساعدت صفقة «برايس مينيستر» في يونيو (حزيران) «راكوتن» على الوصول إلى عملاء داخل فرنسا وبريطانيا وإسبانيا، وتوجد خطط من أجل تقديم الخدمات إلى المزيد من الدول الأوروبية.

وتقف الرغبة في التوسع العالمي والنشاط في مجال الخدمات وراء عمليات الاستحواذ التي تقوم بها «إن تي تي». وتقدم «دايمنشن داتا»، ومقرها ساندتون بجنوب أفريقيا، صيانة لأنظمة شبكات معلومات مؤسساتية داخل 49 دولة. وفي أغسطس (آب)، أعلنت «إن تي تي» أنها ستستحوذ على شركة أمن المعلومات الرقمية السويدية «سيكود» مقابل 23 مليون دولار.

وتأتي هذه الصفقات في أعقاب شراء وحدة التليفون الجوال «إن تي تي دوكومو» داخل شركة «إن تي تي» حصة نسبتها 26 في المائة داخل «تاتا تلي سيرفسيس» الهندية مقابل 2.7 مليار دولار، وقرابة 80 في المائة من «نت موبايل» الألمانية مقابل 51 مليون دولار.

وفي وقت سابق من العام الحالي، رفعت «سوفت بنك»، ناقل التليفون المحمول اليابانية وشركة خدمات الإنترنت، من استثماراتها داخل شركتين ناشئتين في وادي السيلكون: «توتير» للتدوين المصغر وشركة «يوستريم» لبث الفيديو المباشر.

وبعيدا عن عمليات الاستحواذ والدمج، فقد ساعد الين القوي قطاعات يابانية أخرى بالصورة نفسها. واستفادت الخطوط الجوية اليابانية، حيث قللت العملة المرتفعة بصورة فعالة من تكاليف الوقود من مصادر أجنبية، بالإضافة إلى رسوم الهبوط داخل مطارات أجنبية وغيرها من النفقات.

وقد شجعت القوة الشرائية للين اليابانيين على السفر إلى الخارج، مما أعطى دفعة قطاع الطيران داخل اليابان. واستخدم نحو قرابة 4 ملايين مطار ناريتا الدولي خلال ذروة الصيف من العام الحالي، بزيادة نسبتها 8.6 في المائة عن صيف العام الماضي.

وقالت شركة الخطوط الجوية اليابانية الأكبر «أول نيبون» الأسبوع الماضي إنها سوف تنشئ خطا منخفض التكلفة – وهي خطة يحتمل أن تعزز منها التكاليف المخفضة في الخارج.

ويمكن أن يعزز الين القوي أيضا اليابان في السباق العالمي من أجل ضمان موارد وتعزيز بنية تحتية. وقالت «ميتسيو» إن لديها خططا تسعى من خلالها إلى ضخ استثمارات أجنبية قيمتها 14.29 مليار دولار خلال العامين المقبلين.

وفي أغسطس (آب)، على سبيل المثال، أعلنت «ميتسيو» عن نشاط في مجال المياه قيمته 237 مليون دولار مع شركة المياه السنغافورية «هاي فلكس» من أجل دخول قطاع معالجة المياه الصيني وقطاع البنية التحتية.

وفي 2008، ساعد الين القوي على عقد صفقات غير مسبوقة وصلت إلى 68 مليار دولار في شكل عمليات الاستحواذ والدمج، قبل أن تؤدي الأزمة الاقتصادية العالمية إلى تراجع الشركات اليابانية. ولكن في الوقت الحالي، لدى الكثير من الشركات كميات كبيرة من الأموال، ويقول الكثير من المحللين إنه يجب عليهم استخدام هذه الأموال بالشكل الأفضل.

ووصل إجمالي الأموال التي لدى شركات غير مالية في القطاع الرئيسي من بورصة طوكيو إلى معدل قياسي بلغ 580 مليار دولار مطلع العام الحالي، مما رفع «رغبتهم في الاستحواذ»، بحسب ما أفاد به تقرير أصدرته «غولدمان ساكس» في نهاية أغسطس (آب).

وكتبت كاثي ماتسيو، واضعة الاستراتيجيات البارزة المرتبطة باليابان داخل «غولدمان ساكس» في التقرير: «من المحتمل أن تكون الفورة في نشاط الاستحواذ والدمج إيجابية لليابان في المجمل، حيث يمكن أن يؤدي إلى نمو أكبر ويثمر وفورات في الحجم تمكّن الشركات اليابانية من المنافسة بكفاءة أكبر داخل الأسواق العالمية».

وداخل «راكوتن»، يساعد الين القوي على دفع الشركة ناحية مستهدفها القائم على الدخول أكثر من 24 سوقا في الخارج خلال ما بين 3 إلى 5 أعوام. وعلى الرغم من أن الشركة تفرعت إلى مجموعة صغيرة من الخدمات الإلكترونية – مثل موقع سياحة وسفر وموقع مزادات وتداول أسهم عبر الإنترنت – فإن احتمالية نمو أكبر داخل اليابان محدود، بالمقارنة مع الفرص في الخارج، بحسب ما يقوله ميكيتاني.

ولدى «راكوتن» أيضا الكثير من الأموال بعد أن حققت أرباح تشغيل قياسية قيمتها 336.5 مليون دولار خلال النصف الأول من العام الحالي، بزيادة 20.6 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.

وعلى الرغم من نفوذها داخل اليابان، لا تزال الشركة صغيرة نسبيا في كل مكان آخر بالمقارنة مع «أمازون»، التي تزيد مبيعاتها عن مبيعات «راكوتن» بمقدار خمسة أمثال.

ويعرف ميكيتاني أنه يحتاج إلى أكثر من عملة مرتفعة لمساعدته على بناء شركة عالمية على نطاق أوسع. وفي وقت سابق من العام الحالي، صدم الشركات داخل اليابان بأن أعلن أن لغة العمل داخل «راكوتن» ستكون الإنجليزية من الآن فصاعدا، حتى في الحوارات بين الموظفين اليابانيين.

وقال ميكيتاني خلال المقابلة: «سنرى الكثير من المديرين الأميركيين والكثير من المديرين الأوروبيين والكثير من المديرين الصينيين داخل هذا المكتب، وسنرسل مديرين يابانيين إلى الخارج. وستكون هذه مؤسسة عالمية، فإذا كنتم غير راغبين في تعلم الإنجليزية، فعليكم الرحيل».

* خدمة «نيويورك تايمز»