هل تمنع «قوانين بازل 3 للإصلاح المصرفي» وقوع أزمة مالية جديدة؟

أبرزها إجبار المصارف على رفع نسبة احتياطي القروض من 2 إلى 7%

القوانين الجديدة التي وضعها رؤساء البنوك المركزية في مدينة بازل السويسرية ستصبح قوانين سارية المفعول بعد أن يصدق عليها اجتماع الـ«G20» في نوفمبر من هذا العام (رويترز)
TT

بعد الأزمة المالية المخيفة التي عاشها العالم خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وتسببت فيها البنوك، كان لا بد من إعادة النظر في القوانين والقواعد الدولية التي تنظم عمل المصارف. وهذا ما حدث بالفعل يوم الأحد الماضي، 12 سبتمبر (أيلول). وتتلخص التعديلات التي أطلق عليها «قواعد بازل 3» في التالي: إجبار المصارف على زيادة الأموال التي تخصصها (كبند احتياطي) لسد الثغرات المالية، في حال حدوث أزمة أو شح في النقد، مثلما حدث في أزمة الائتمان الأخيرة. وعادة ما يحدث هذا الشح بسبب الديون الهالكة أو الديون المعدومة، وهي الديون التي يفشل أصحابها في سدادها للبنوك، ومن ثم يتحمل البنك خسائرها.

وحسب القوانين السارية حاليا، فإن على البنوك تخصيص نسبة 2 في المائة فقط من إجمالي القروض كأموال احتياطية لتعويض هذه الخسارة، لكن قوانين بازل الجديدة رفعت هذه النسبة بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل إلى 7 في المائة. كما شجعت «لجنة بازل للرقابة المصرفية» البنوك الكبيرة على الاحتفاظ باحتياطيات أكبر من نسبة الـ7 في المائة، لأن انهيار مثل هذه البنوك يمكن أن يدمر النظام المالي بأكمله، لكن اللجنة لم تحدد بعد النسبة الإضافية التي تتوقع المصارف الكبيرة أن تلتزم بها. وبالفعل فإن المصارف البريطانية الكبيرة قد رفعت نسبها إلى ما يتراوح ما بين 13.7 في المائة (بنك «باركليز») و9.2 في المائة (بنك «لويدز»).

تشدد القوانين الجديدة على أنه في حال أخل أحد البنوك بهذه القواعد، أي انخفضت نسبة الأموال الاحتياطية لديه عن 7 في المائة، فسيحق للسلطات المالية أن تمنع البنك من توزيع أرباح على المساهمين، أو منح مكافآت مالية لموظفيه، أو حتى تخفيض رواتبهم.

ولكي تستطيع البنوك مواكبة هذه الزيادة الكبيرة، فعليها إما رفع رؤوس أموالها (عبر طرح أسهم جديدة للاكتتاب العام، أو إيجاد مصادر أخرى للتمويل)، أو التقليل من حجم قروضها. وفي الحالتين، فإن الأمر يحتاج لبعض الوقت. لذا فقد منحت اتفاقية «بازل» الجديدة المصارف حتى عام 2019 فرصة لتطبيق هذه القواعد كلية، على أن يبدأ التطبيق تدريجيا مع بداية عام 2013. وبحلول عام 2015 يجب على البنوك أن تكون قد رفعت أموال الاحتياط إلى نسبة 4.5 في المائة، وهو ما يعرف باسم «core tier - one capital ratio»، ثم ترفعها بنسبة إضافية تبلغ 2.5 في المائة بحلول عام 2019، وهو ما يعرف باسم «counter - cyclical». كما أن بعض الدول مارست ضغوطا من أجل إقرار نسبة حماية إضافية بمعدل 2.5 في المائة، ليصل الإجمالي إلى 9.5 في المائة، بحيث يفرض هذا المطلب في أوقات الرخاء. غير أن مجموعة «بازل» أخفقت في الاتفاق على هذا الإجراء وتركت أمره للدول الفردية.

* ترحيب وتخوف في آن واحد

* وعلى الرغم من أن غالبية الاقتصاديين والمسؤولين الماليين في الدول الغربية قد رحبوا بالقوانين الجديدة، فإن بعضهم قد عبر عن خشيته من أن تؤدي هذه الخطوة إلى وضع المزيد من الضغوط المالية على المصارف، بحيث تضطر إلى تقليل حجم القروض التي تمنحها، مما سيؤثر بدوره سلبا على النمو الاقتصادي، والخروج من حالة الركود التي لا تزال الاقتصادات الغربية تعاني منها.

وفي هذا الصدد قال لـ«الشرق الأوسط» أدريان كلتربك، من بنك «باركليز» إن «غالبية الشركات والأعمال التجارية، خصوصا المتوسطة الحجم والصغيرة، تعتمد اعتمادا كبيرا على القروض والتسهيلات البنكية التي تحصل عليها من المصارف. وكلما جفت هذه المصادر انحسرت بطبيعة الحال الأنشطة التجارية والتوسع في العمل، مما يعني أيضا انحسارا في خلق فرص عمل جديدة، وربما زيادة في البطالة. وسينتج عن هذا تقلص في النشاط الاقتصادي، لأن النظام المصرفي هو عصب الحياة الاقتصادية، فهو أشبه بالزيت الذي تعمل به محركات السيارات».

غير أن المناوئين لهذا الرأي، مثل أنزاس رودريغاس من «بنك أوف أميركا - ميريل لينش» قال لـ«الشرق الأوسط» إن القواعد القديمة التي تفرض على البنوك نسبة 2 في المائة فقط كأموال احتياطية، سمحت للبنوك بالدخول في قروض واستثمارات عالية المخاطر دون أن يكون لديها المال الكافي لسد الثغرات في حال ضاعت هذه القروض أو فشلت الاستثمارات. وهذا يجعل البنك عرضة للإفلاس، ويعرض مجمل الاقتصاد للخطر، مثلما حدث في عامي 2007 و2008 عندما انهارت، أو كادت أن تنهار، غالبية البنوك الكبرى، لولا التدخل الحكومي، وإنفاق مليارات الدولارات لإنقاذها.

وبالطبع دفع الجميع ثمن الخطأ الذي ارتكبته المصارف، لأن الأموال الحكومية جاءت من الخزينة العامة وأموال دافعي الضرائب.

وربما يتلخص الرأيان المتعارضان في الآتي: أحدهما يقول إن القوانين الجديدة ستضمن عدم انهيار المصارف إذا حدثت أزمة مالية جديدة، بينما يقول الرأي الآخر إن هذه القوانين ستفرض على البنك الاحتفاظ بمليارات الدولار كاحتياط، بينما يجب إنفاقها على الاقتصاد في هذا الوقت بالذات لكي تساعد على إنعاشه وإخراجه من الركود. وربما انعكس الرأيان أيضا في مواقف الدول الكبرى، لأن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا تريدان تطبيق القوانين الجديدة بأسرع فرصة ممكنة (بحد أقصى عام 2018) بينما كانت ألمانيا ترغب في تطبيقها في عام 2023، بعد التأكد من أن الاقتصاد قد خرج بالفعل من دائرة الركود.

يذكر أن القوانين الجديدة، التي وضعها رؤساء البنوك المركزية والمسؤولون عن السلطات المالية، في مدينة بازل السويسرية، الأسبوع الماضي، ستصبح قوانين سارية المفعول بعد أن يصدق عليها اجتماع الـ«G20» في نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام. ومن بين التعديلات الأخرى التي طالب بها زعماء الـ«G20» لإقرارها في اجتماعهم المقبل:

> إشراف أكثر دقة على المصارف المحلية والدولية.

> تنظيم وتوحيد مركزية سوق المشتقات (Derivatives) بحلول عام 2012.

> الحصول على تصديق لإنشاء الصناديق الاستثمارية التحوطية (Hedge Funds) التي تتعدى رؤوس أموالها مبالغ معينة، كما ستكون هذه الصناديق ملزمة بكشف حساباتها لسلطات الإشراف بشكل دوري.

> وضع مسودة قانون أوروبي لتنظيم عمل الصناديق الاستثمارية الخاصة، التي تأتي من خارج دول الاتحاد الأوروبي، وتسعى للحصول على مستثمرين من داخل دول الاتحاد.

> توحيد قوانين «الحسابات والمحاسبة» (Accounting) على المستوى الدولي بحلول منتصف العام المقبل.

> سن تشريعات في المصارف توقف منح حوافز للعاملين والمديرين الذين يجيزون صفقات وقروضا تنطوي على مخاطر كبيرة، خصوصا إذا كانت قصيرة الأجل.

> تسجيل وتنظيم عمل «وكالات التصنيف الائتماني» (Credit Rating Agencies).

وفي الولايات المتحدة، أصدرت أكبر 3 جهات تنظيمية مصرفية - وهي بنك الاحتياطي الفيدرالي وشركة التأمين على الودائع الفيدرالية ومكتب مراقبة العملة - بيانا مشتركا أعلنت فيه أن الاتفاق يشكل خطوة مهمة على طريق تقليص معدلات الأزمات المالية المستقبلية. كما علق وزير الخزانة الأميركي، تيموثي جيتنر، على الاتفاق قائلا: «نرحب بهذه الخطوة على الطريق إلى إصلاحات مالية عالمية قوية، ونتطلع لمراجعة تفاصيل هذه الإصلاحات المقترحة للاشتراطات الرأسمالية العالمية». ومن جانبه، قال رئيس البنك المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، إن الاتفاق يعد «تعزيزا لمعايير رأس المال العالمية، وإن ترتيبات الفترة الانتقالية ستمكن البنوك من تلبية المتطلبات الجديدة دون التقليل من دعمها للتعافي الاقتصادي».

* أزمة الائتمان هي السبب

* قبل ثلاثة أعوام لم يكن العالم قد سمع بتعبير «أزمة الائتمان» (credit crunch)، أما اليوم فقد دخل هذا التعبير القواميس الاقتصادية. وهو يعني باختصار: شحا كبيرا في السيولة لدى البنوك. وعلى الرغم من أن الاقتصاديين اختاروا تاريخا محددا لبداية الأزمة (وهو 9 أغسطس (آب) 2007، عندما أعلن بنك «بي إن بي بريبا» الفرنسي عن زيادة ضخمة في سعر الفائدة على القروض التي يمنحها)، فإن بداية الأزمة كانت في الولايات المتحدة قبل فترة طويلة من هذا التاريخ. وكما يقول الاقتصاديون دائما: «عندما تعطس الولايات المتحدة، يصاب بقية العالم بالرشح».

فخلال العامين بين 2004 و2006 رفعت الولايات المتحدة سعر فائدتها الأساسي مرة تلو الأخرى، ليصل من 1 في المائة إلى 5.35 في المائة. وكانت نتيجة ذلك أن فشل عدد كبير من الأميركيين في سداد الأقساط الشهرية على قروضهم التي اشتروا بها منازلهم. ومع فشلهم في السداد لاحت بداية أزمة السيولة لدى البنوك، خصوصا تلك التي كانت تمنح قروضا بمئات الآلاف بكل سهولة، دون التدقيق في قدرة العملاء على سداد هذه الديون. وفي أغلب الأحيان تفرض البنوك أسعارا مرتفعة للفائدة على هذه القروض، علما منها بأن أصحابها لا يستطيعون الحصول على قروض بالطريقة العادية وبأسعار فائدة عادية.

* الإقراض السهل ومخاطره

* وبالطبع فقد اضطرت البنوك إلى تحمل خسائر هذه الديون التي تعرف باسم «الديون المعدومة» أو «الديون الهالكة». كما أن القروض التي تمنح بسهولة دون التدقيق في القدرة المالية للعميل نمت وانتشرت بسرعة في الأسواق الغربية، بحيث أصبحت تعرف باسم خاص بها «sub - prime»، وتخصصت فيها بعض البنوك. وربما ما دفع المصارف إلى تسهيل منح القروض هو المنافسة فيما بينها على «خطف الزبائن من السوق» قبل أن يذهبوا إلى بنك آخر. فكل بنك كان يسعى إلى الحصول على عدد أكبر من العملاء، ومن ثم حصة أكبر في السوق.

ومع بداية عام 2007 وصل حجم «القروض الخطرة» إلى أعلى مستوى له على الإطلاق، الأمر الذي دفع بعض الخبراء الماليين إلى التحذير من خطورة سياسة الإقراض المتساهلة، وإمكانية تأثيرها على استقرار النظام المالي بشكل عام. وهذا ما حدث بالفعل في ربيع ذلك العام.

ففي أبريل (نيسان) 2007 أعلنت مؤسسة «نيو سنتشوري فاينانشيال» الأميركية، التي تتخصص في القروض المتساهلة، إفلاسها. وكان هذا أول مؤشر للعالم بأن سوق القروض المتساهلة sub - prime بالفعل يعاني من أزمة خطيرة. لكن في سبتمبر (أيلول) 2008 أعلن بنك «ليمان بروذرز» الأميركي العملاق، الذي يبلغ عمره 150 عاما إفلاسه، وفي نفس اليوم أعلن بنك «ميريل لينش» الذي لا يقل حجما وأهمية عن أنه قبل عرضا من «بنك أوف أميركا» للاستيلاء عليه. واعتبر يوم هذين الإعلانيين من أسوأ أيام الأزمة وبدايتها الحقيقة، نظرا لحجم وعراقة البنكين.

وفي هذا الصدد قال لـ«الشرق الأوسط» الخبير المالي ألين تايلي، من بنك «إتش إس بي سي» إن العامل النفسي البديهي هو تضاؤل ثقة المستثمرين والمتداولين والمستهلكين في الأسواق المالية، وفي النظام المصرفي بشكل عام. وأضاف: «من كان يتصور أن مؤسسات مالية كبيرة، مثل بنك (ليمان بروذرز) و(ميريل لينش) ستتهاوى». ولا ينحصر انعدام الثقة في المستثمرين والأفراد فحسب، بل إن المصارف نفسها أصبحت لا تثق في بعضها بعضا، لذا فقد شددت سياسة الإقراض فيما بينها.. وهذا هو سبب المشكلة أصلا. فالمصارف أصبحت تخشى إقراض أي بنك ثم تكتشف في صباح اليوم التالي أنه يخبئ «مصائب» بين دفاتر حساباته، وأنه قد يفشل في السداد، أو حتى ينهار، بين ليلة وضحاها.

ومن جانبه أيد كيلي تيرنر من مؤسسة «فيرست أكشن» المالية، لـ«الشرق الأوسط» ما ذهب إليه تايلي، مضيفا أن استعادة الثقة عادة تستغرق وقتا طويلا حتى بعد انقشاع الأزمة «تماما مثل الخوف الذي لا يخرج من قلوب الناس في أعقاب تعرضهم لإعصار، حتى بعد أن يرحل عنهم الإعصار بأسابيع طويلة». وهذا ما تسعى قوانين بازل الجديدة إلى تحقيقه الآن، أي استعادة الثقة في النظام المصرفي.

* هل يحتاج اقتصاد السوق الحر إلى مراجعة نظرياته؟

* تقوم فكرة الاقتصاد الحر على عدم تدخل الدولة في السوق. والمقصود بعدم التدخل هنا هو أن الدولة لا تدخل كبائع أو مشتر، لكنها بالطبع تحتفظ بدورها كمراقب ومشرع لجملة النشاط الاقتصادي في البلاد. وعلى عكس فكرة الاقتصاد الحر، تمارس بعض الدول فكرة الاقتصاد المركزي الذي تملك فيه الدولة وسائل الإنتاج والشركات الكبرى والخدمات العامة والمرافق الحيوية، وبالطبع هناك بعض الدول التي خلطت بين النظامين، أو ما يعرف بالاقتصاد المشترك.

وعبر التاريخ الحديث، ظلت الولايات المتحدة تقود فكرة الاقتصاد الحر الذي تترك فيه الدولة الغالبية العظمى من النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص وفق فلسفة مفادها «أن السوق يضبط نفسه بنفسه».

فحتى أوروبا، التي أيضا تطبق نظام الاقتصاد الحر، لم تصل إلى درجة الولايات المتحدة قبل أن تبدأ في عمليات التخصيص التي قادتها بريطانيا إبان عهد رئيسة الوزراء السابقة، مارغريت ثاتشر، في الثمانينات من القرن الماضي، حين شرعت أوروبا في بيع الشركات التي كانت تملكها الدولة إلى القطاع الخاص. وتبعت بريطانيا كل من ألمانيا وفرنسا اللتين لا تزال الدولة تملك فيهما شركات كبيرة ومرافق خدمية.

وعلى الرغم من أن أوروبا الغربية كانت تعتبر نفسها رأسمالية في الأساس، فإن كثيرا من الأفكار الاشتراكية (الاقتصاد الموجه) تسربت بعد الحرب العالمية الأولى إلى أركان كثيرة من أنشطتها الاقتصادية، بحيث أصبحت أنظمتها الاقتصادية عبارة عن اقتصاد مشترك بين القطاعين الخاص والعام. وبالطبع كانت درجة هذا الاختلاط تختلف من دولة إلى أخرى، ففرنسا مثلا كانت أكثر اختلاطا من بريطانيا وألمانيا، والدولة فيهما أكثر سيطرة على الاقتصاد من القطاع الخاص.

وعلى طرف النقيض من أوروبا كانت هناك الدول الاشتراكية (كالاتحاد السوفياتي والصين وشرق أوروبا)، حيث تملك الدول جميع وسائل الإنتاج، ولا تسمح للقطاع الخاص بأي نشاط اقتصادي، وتتحكم الدولة مركزيا في جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية، إلى حد تحديد سعر صرف العملة، بل تحديد أسعار الخضراوات في السوق. وفي المقابل كانت الدولة في الولايات المتحدة لا تملك شيئا، فحتى شركات المرافق الحيوية - كالماء والكهرباء – كانت قطاعا خاصا (على عكس أوروبا الغربية، التي كانت حتى وقت قريب تملك فيها الدولة هذه الشركات، بل شركات الطيران وحافلات النقل والقطارات العامة).

غير أن خطة الإنقاذ المالية التي تبنتها الحكومات الغربية خلال الأزمة المالية الأخيرة تعتبر أكبر تدخل للسلطات الحكومية في السوق منذ أزمة «الركود الكبير» في الثلاثينات من القرن الماضي.

لذا فقد أثارت مخاوف بعض الاقتصاديين الغربيين، من أن بلادهم قد تكون على أعتاب «عصر الدولة المساهمة»، مما يشكل منعطفا تاريخيا يبقى حجمه مرهونا بعواقب تطبيق خطة الإنقاذ وملكية الدولة لأسهم عدد من البنوك. فوفق الخطة التي دفعت فيها الحكومات مئات المليارات (ليس كتبرع، بل مقابل حصولها على أسهم في الشركات المتعثرة)، أصبحت الدولة مالكة لحصص كبيرة في مؤسسات مالية وشركات كثيرة، مما يعني أنها ستستفيد من الربح والخسارة اللتين ستحققهما هذه الشركات في المستقبل، أي أن الدولة ستصبح صاحبة مصالح تجارية في السوق تتنافس مع شركات أخرى ذات ملكية خاصة مائة في المائة.

كما وضعت خطط الإنقاذ الحكومي شرطين مهمين لمساهمة الدولة في الشركات الخاصة، وهما أولا: ألا تكون وزارة الخزانة مساهما كالآخرين فور دخولها إلى رأسمال شركة ما، مع الاستفادة من ضمانات محددة تكفل لها عدم خسارة حجم مشاركتها في حال زيادة رأسمال الشركة أو اندماجها مع شركة أخرى. وثانيا: أن الدولة لا يمكن أن تكون خاسرة. فبعد خمسة أعوام سيكون على الرئيس الأميركي حينها تقديم مشروع قانون يفرض رسوما على القطاع المالي تعادل الخسائر المالية للدولة، في حال خسارتها. وبذلك تصبح الدولة مساهما في السوق، وبشروط تفضيلية. وبينما تبرر الدول هذه الإجراءات، بحجة أن المال الذي ستستخدمه في شراء هذه الأسهم هو مال عام، ولا بد من حمايته من الخسارة، يخشى بعض الاقتصاديين من أن يمثل هذا تحولا جوهريا في دور الدولة في الاقتصاد الحر، خصوصا أن الولايات المتحدة ظلت تجادل عددا من الدول حول العالم، لإقناعها برفع الحماية عن منتجاتها، وفتح أسواقها أمام المنافسة الحرة.