أسواق الفواكه والخضار في العراق تتحول إلى معارض دولية

شح المياه والمنتجات النفطية وغلاء أسعار البذور وراء رفع تكلفة الإنتاج

استغل التجار انعدام القوانين الجمركية وعدم فرض الرسوم في إغراق الأسواق بالخضر والفاكهة المستوردة (رويترز)
TT

تحولت أسواق الفواكه والخضار في العراق إلى ما يشبه معارض للتسوق تابعة للأمم المتحدة، بعد أن عمد أصحاب المحال والبسطيات المتخصصون بعرض المنتجات الزراعية إلى كتابة لافتات تعلن عن وجود برتقال باكستاني وآخر إسباني، ورقي مصري وسوري، وبطاطا تركية وإيرانية وموز أفريقي وتفاح أميركي وثوم مغربي وغيرها الكثير من السلع أنتج كل منها في بلد يختلف عن الآخر، لكنها تجمعت في مكان واحد أو مكانين، مثل أسواق جميلة في مدينة الصدر أو ما يطلق عليها محليا (علاوي الخضار) للبيع بالجملة والمفرد.

مشاركة العراق في هذه المعارض الدولية اليومية للخضار كانت متباينة وبحسب المواسم، رغم أن المستهلكين يميلون للمنتج المحلي، كونه الأقرب لأذواقهم، لكنهم أجبروا على شراء منتجات لم يستطع المزارع العراقي تأمينها لمشكلات كثيرة تتعلق بشح المياه وقلة تزويد مضخاتهم بالطاقة الكهربائية وغلاء أسعار البذور وحراثة الأرض وشح المنتجات النفطية، كل هذا يزيد من تكاليف منتجاتهم، وقد يصل سعر الكيلو الواحد من البرتقال لأكثر من دولار، لكنه يتضرر لبيعه بنفس سعر البرتقال الإسباني بنصف السعر المذكور، وهنا ترجح الكفة الربحية للتجار الذين استغلوا انعدام القوانين الجمركية وفرض الرسوم على البضائع المستوردة. وقد لجأت الحكومة العراقية إلى اعتماد مبدأ القرارات التنظيمية التي تصدر بين الحين والآخر فكل عدة جلسات يصدر المجلس المذكور إما بالسماح وإما بمنع استيراد مادة أو اثنتين أو أكثر من الفواكه والخضار، وهذا يتبع وبحسب المتحدث باسم وزارة الزراعة، المواسم الزراعية المحلية ووفرة المنتج وأيضا مراقبة ارتفاع أسعار هذه المواد من خلال مجسات نشرت في جميع محافظات العراق.

أحمد سفيان، مزارع من محافظة واسط أكد لـ«الشرق الأوسط» أن القدرة على مواصلة الإنتاج الزراعي تباينت بين فلاح وآخر وتبع هذا الأمر المتغيرات التي طرأت في السوق بعد عام 2003 فكان الفلاح يعتمد على الحكومة في تأمين جميع احتياجاته، وهنا ينتج ويبيع بأي سعر وهو محقق للربحية، أما الآن فأصبحت أشبه بمقامرة، فقد نضع كل ما نملك من أموال في مزرعة لإنتاج خضار صيفي ونبدأ البيع ونواجه عرض منتج مستورد بأسعار أقل من التي وضعناها في حساباتنا بموجب مقدار المنفق، وهنا نخسر أموالنا ومقدراتنا لا تسمح بمثل هذه الخسائر ولعدة مرات. وهنا لجأنا إلى زراعة منتجات مضمونة الربحية وبشكل حذر جدا من خلال متابعة السوق وحركة تجار الخضار، أما اعتمادنا في المعيشة فيكون على قطاعات أخرى، مثل العمل في الجيش والشرطة والقطاع العام أو القطاع الخاص من نقل وخدمات وغيرها من الأعمال مستمرة العائد.

مسلم عباس، صاحب بسطية لبيع الفواكه في إحدى أسواق بغداد، بين أن «الأسعار ولجميع البضائع متباينة، لكنها متقاربة وتحدث طفرات فيها، لكنها بسيطة لأن التجار تمكنوا من وضع موازنات خاصة بالسوق ويتمكنون من قياس شح أي مادة وكيفية تأمينها وبسرعة فائقة، كاشفا عن أن صدور قرار حكومي بمنع استيراد مادة معينة لا يعني فقدانها في السوق في حال عدم وجود بديل محلي فهناك طرق كثيرة لاستيرادها، مثل إدخالها عبر منافذ إقليم كردستان ومن ثم توزيعها بين المحافظات كتجارة محلية، لكنها في الأصل منتجات لدول الجوار».

وبشأن تنوع هذه المواد من حيث بلد المنشأ قال مسلم لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تنوع وحاجة كبرى لاستهلاك مختلف أنواع الخضار والفاكهة بعد تحسن مستوى دخل الفرد وتمكنه من شراء أي سلعة في السوق وبشكل طبيعي، فلا مشكلة تذكر إذا عرضنا تفاحا أميركيا بسعر 3 دولارات أو أقل للكيلوغرام الواحدة أو حبة واحدة من الأناناس الأفريقي تصل إلى أربعة دولارات وهناك من يستطيع شراءها وهناك من يكتفي بالنظر إلى شكلها الجميل ويعتبرها من الكماليات ونقول لهذه الشريحة عندما يسألوننا عن السعر: سيأتي اليوم الذي تشترون الأناناس كما تشترون أي مادة أخرى».

المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية سمير دهش، أكد من جانبه لـ«الشرق الأوسط»، أن «قرارات المنع أو السماح تصدر وبشكل مستمر من قبل مجلس الوزراء وأثناء جلساته الاعتيادية فهناك تقارير ترفع وبشكل مستمر من قبلنا للمجلس نبين فيها حاجة السوق لمادة وشحها محليا أو توفرها وهنا يمنع استيرادها لفترة لتشجيع الفلاح العراقي على بيع إنتاجه بالسعر الذي يرى فيه جدوى اقتصادية له».

وأضاف دهش «أن قرارا كان قد صدر قبل رمضان بفترة قصيرة منع فيه استيراد جميع الفواكه والخضار، كونه موسم صيف وفيه وفرة المنتج المحلي لكن قبل رمضان رفع المنع عن أربع مواد أساسية وهي الرقي والبطيخ والبطاطا والطماطم لوجود طلب عليها في هذا الشهر، ونصل لقياس هذا الأمر من خلال فرق جوالة تعمل داخل علاوي بيع الخضار وهي مسؤولة عن موازنة الأسعار في الأسواق لمنع الجشع والاحتكار وزيادة الأسعار بشكل يضر بقدرة المواطن الشرائية».

وبشأن شمول إقليم كردستان بالمنع أو السماح قال سمير إن «قرارات مجلس الوزراء صدر بشمول جميع منافذ العراق البرية والجوية والبحرية وهنا يكون الإقليم ضمن رقعة الشمول. وهناك تنسيق ومراقبون في جميع المنافذ وأيضا محاجر وتعاون مع جميع الجهات وعلى مستوى العراق ككل»، وأكد أن المنتجات تأتي للعراق من مختلف دول العالم، مشيرا إلى عدم شمول الفواكه من قرارات المنع، نافيا أن تكون هناك أرقام محددة لحجم الاستيراد من الخارج، مؤكدا أنها من مهام وزارة التخطيط وأيضا وزارة التجارة التي تكون مسؤولة عن إعطاء إجازات الاستيراد.

وبين أن هناك عدة وسائل لدعم القطاع الزراعي في العراق، من بينها سياسة السماح والمنع للاستيراد والتي تعطي الفلاح فرصة للإنتاج والبيع بأسعار جيدة، وأيضا هناك وسائل الدعم المادي ومنح القروض وتزويدهم بوسائل الإنتاج من آلات ومنتجات نفطية وبذور ومكافحة حكومية وكلها إما مجانية وإما بأسعار رمزية والقروض تكون من دون فوائد.