واشنطن تضغط لتقليص الأعضاء الأوروبيين بمجلس إدارة صندوق النقد الدولي

تريد إفساح المجال أكثر أمام ممثلي الدول النامية

الفرنسي دومينيك ستراوس كان رئيس صندوق النقد الدولي («الشرق الأوسط»)
TT

شنت إدارة أوباما معركة لخفض أعداد الدول الأوروبية الغربية بمجلس إدارة صندوق النقد الدولي، وتوفير مساحة لمزيد من ممثلي الدول النامية.

وهددت الإدارة بترك المجلس ينحل إذا لم يتنازل الأوروبيون عن مقعدين أو ثلاثة من المقاعد التسعة التي تستحوذ عليها. يذكر أن الممثلة الأميركية في مجلس إدارة الصندوق، ميغ لوندسيغر، عاقت في أغسطس (آب) تصويتا كان لازما لانتخاب أعضاء جدد بمجلس الإدارة، في إطار جهود إعادة توزيع السلطة والنفوذ داخل صندوق النقد الدولي، والحفاظ على مصداقية المنظمة داخل المناطق الجديدة ذات النفوذ على مستوى العالم، حسبما أعلنت الإدارة.

تشير التقديرات جميعها تقريبا إلى أن دور دول أوروبا الغربية في الاقتصاد العالمي لم يعد كما كان. ومع ذلك، تشكل المنطقة أكثر من ثلث مقاعد مجلس إدارة الصندوق، البالغ إجمالي عددها 24 مقعدا. وتقول الكثير من الدول الأوروبية الأصغر إن وجودها بمجلس الإدارة لا يزال يحمل أهمية حيوية.

عندما تفكك الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، اكتسبت بلجيكا دورا رياديا باعتبارها تمثل بعض دول الكتلة السوفياتية السابقة وبعض الدول الجديدة في أوروبا الشرقية، مثل جمهورية التشيك. أما هولندا، فتمثل مجموعة متنوعة من الكيانات، تضم أجزاء من يوغوسلافيا السابقة والاتحاد السوفياتي السابق، بجانب إسرائيل، الأمر الذي منح الدولة اليهودية تمثيلا بعيدا عن وفد الدول العربية الذي تتزعمه مصر.

وعلى الرغم من اكتساب الإدارة العامة للصندوق قدرا أكبر من التنوع بمرور السنوات، فإنها لا تزال تتسم بميل شديد تجاه أوروبا، فبجانب المديرين التنفيذيين، ينتمي ثلاثة من أكبر سبعة مسؤولين بالصندوق إلى دول أوروبية غربية، بما في ذلك المدير الإداري، دومينيك ستراوس كاهن.

في كلمته خلال جلسة استماع عقدها الكونغرس الأسبوع الماضي، قال وزير الخزانة الأميركي، تيموثي إف. غيتنر: إن صندوق النقد الدولي «لا يزال يتسم بهيكل حكم يفتقر إلى التوازن بصورة كبيرة»، مع تمتع دول غرب أوروبا «بنصيب غير متناسب» من المقاعد داخل مجلس الإدارة التنفيذي.

الملاحظ أن الصراع الدائر حاليا يحمل أهمية رمزية أكبر، حيث تحاول المنظمة إصلاح علاقاتها بالدول الآسيوية التي أصابها التوتر منذ عقد أثناء الأزمة المالية التي ضربت المنطقة. أيضا، من المتوقع أن يضطلع الصندوق بدور كبير في المعاونة في إدارة الاقتصاد العالمي بعد أزمته الأخيرة، وهي أهداف تتطلب بناء تأييد قوي له بين الدول النامية التي من المتوقع أن تحفز النمو العالمي. وقد أثار الخلاف الراهن بعض التساؤلات حول الإدارة المستقبلية لكل من صندوق النقد والبنك الدوليين.

من جهتهم، أشار مسؤولون أوروبيون إلى أنهم إذا تخلوا عن مقاعد في صفوف الإدارة التنفيذية، فإن على واشنطن التخلي عن حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به حيال بعض قرارات الصندوق، وتنحية الاتفاق القائم منذ أمد بعيد، الذي يجري في إطاره اختيار المدير الإداري للصندوق من أوروبا ورئيس البنك الدولي من الولايات المتحدة، جانبا. ويرى هؤلاء المسؤولون أنه في خضم عالم متعدد الأقطاب، ينبغي أن تتاح المناصب أمام الجميع، الأمر الذي لم تقبل به واشنطن، أكبر الدول المانحة لكلا المنظمتين، بعد.

وقال أحد المديرين الأوروبيين، رفض الإفصاح عن هويته، مثلما الحال مع المسؤولين الآخرين الذين التقيناهم بسبب حساسية القضية: «ليس من المنافي للمنطق التطلع نحو التغيير، والناس لا تعترض على ذلك، لكن التغييرات المقترحة تشكل خطوات كبرى».

على سبيل المثال، من الممكن أن تفوز تركيا، التي تمثلها الآن بلجيكا، الأصغر منها بكثير، بمقعد على طاولة إدارة الصندوق بالنظر لمكانتها كسوق صاعدة بارزة، لكن دولا أوروبية أخرى قد ترفض فكرة أن يجري تمثيلها عبر تركيا.

وتعد بولندا، أحد الاقتصاديات المهمة في شرق أوروبا، دولة أخرى مؤهلة لنيل مقعد في إدارة الصندوق، طبقا لآراء الكثير من مديرين المنظمة. وربما تحصل دول جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا، التي يجري تمثيلها حاليا بمقعدين في مجلس الإدارة التنفيذي (على الرغم من أنها تضم أكثر من 40 دولة) على مقعد ثالث.

من ناحية، تهدد التغييرات المقترحة رزق بعض الأفراد، حيث يتناقش المسؤولون الأوروبيون حاليا حول من منهم قد يضطر لترك وظيفة تدر عليه 248 ألف دولار سنويا. ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى الطابع الجيوسياسي الخاص الذي تتميز به المنظمة، فإن التغييرات تؤثر على أسلوب تمثيل مناطق كاملة من العالم.

جدير بالذكر أن جميع الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولي الـ187 تعين ممثلا لها في مجلس المحافظين بالمنظمة، لكن هذا الكيان الضخم لا يجتمع سوى من حين لآخر، ويتسم بنفوذ محدود على سياسات المنظمة وأسلوب إدارتها والقرارات الصادرة عنها. الملاحظ أن الجزء الأكبر من النفوذ داخل المنظمة يكمن في مجلس الإدارة التنفيذي، الذي يتسم بعدد مقاعد أقل كثيرا، ويتواجد أعضاؤه الـ24 بصورة دائمة في واشنطن.

وقد حصلت خمس دول على مقاعد دائمة في مجلس الإدارة التنفيذي عندما تأسس الصندوق بعد الحرب العالمية الثانية، وظلت هذه المجموعة في معظمها من دون تغيير، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا واليابان. وتبعث ثلاث دول أخرى، نظرا لحجمها أو دورها في الاقتصاد العالمي، بمديرين تنفيذيين يمثلون دولتهم فقط: الصين وروسيا والسعودية.

أما الدول الـ179 الأخرى فتتنافس على المقاعد الـ16 المتبقية، في إطار انتخابات داخلية تجبرها على بناء تحالفات، واختيار أي الدول داخل كل تحالف تحصل على مقعد تنفيذي. وغالبا ما تعتمد «مجموعات النسب» تلك، مثلما أطلق عليها المؤرخ جيمس بوتون المعني بصندوق النقد الدولي، على سمات مشتركة، مثل الجغرافيا أو اللغة.

لكن الاعتبارات السياسية تدخل أيضا في تشكيل التحالفات، مما جعل دولة آسيوية مثل تيمور الشرقية تستسيغ تمثيلها من قبل إيطاليا، بدلا من الانضمام لمجموعة تضم إندونيسيا، التي سبق لها السيطرة على تيمور الشرقية.

ويمتنع المديرون التنفيذيون عن الحديث علانية حول القضية، لكن الكثير من مسؤولي أوروبا أعربوا عن اعتقادهم خلال محادثات غير معلنة بأن واشنطن تحدث خللا في نظام يعمل بصورة جيدة. وأشار مديرو المنظمة إلى أنه على الرغم من أن مجلس الإدارة ربما لا يمثل دول العالم على نحو كامل، فإن النظام القائم سمح لصندوق النقد الدولي باستيعاب عشرات الأعضاء الجدد في مطلع تسعينات القرن الماضي، كما أنه قادر على امتصاص مجموعة واسعة من الحساسيات الإقليمية والسياسية.

ويرى هذا الفريق أنه إذا كانت هناك مشكلات، فإنه ينبغي تصحيحها ذاتيا، بمعنى أن تنتقل الدول التي تشعر بأنه لا يجري تمثيلها على نحو مناسب إلى تحالفات مختلفة، وينبغي أن تعكس صيغ توزيع الأسهم في الأصوات، بصورة تدريجية، النفوذ المتصاعد لدول الأسواق الناشئة، من دون الحاجة للمقايضة بنتائج الانتخابات الداخلية. إلا أنه بالنسبة لأنصار التغيير، تبقى النتيجة واضحة. في هذا الصدد، قال عمرو بتاتشاريا، مدير من المجموعة 24، وهي ائتلاف من وزراء مالية دول نامية: «الاقتصاد العالمي يشهد تغييرات كبرى»، مع قيادة آسيا لحركة الاقتصاد نحو استعادة عافيته وجمود معدلات النمو السكاني والاقتصادي بأوروبا. وأضاف: «تدور المسألة الأساسية حول النقطة داخل العالم المتقدم التي ينبغي أن يبدأ من عندها التعديل، وعندما تنظر إلى الاقتصاد العالمي من حيث السكان والمؤشرات الأخرى، فستجد أن دائرة الضوء تتركز بالفعل على أوروبا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»