نائب رئيس لجنة الصناعة في «الغرف السعودية»: القطاع بحاجة إلى مرجعية ثابتة تجنبه تداخل الاختصاصات

الجشي لـ «الشرق الأوسط»: الصناعيون يترقبون إقرار استراتيجية الـ10 مليارات دولار

سلمان الجشي (تصوير: عمران حيدر)
TT

كشف سلمان الجشي، نائب رئيس اللجنة الصناعية بمجلس الغرف السعودية، عن أن الصناعة السعودية تعاني من عدم الحماية والرعاية من بعض الأجهزة الحكومية وعدم تنفيذها للقرارات الصادرة في هذا الشأن، مبينا أن القطاع الصناعي يعاني أيضا من عدم وجود مرجعية واحدة تحد من تداخل الصلاحيات وتقضي على الإجراءات الروتينية التي تعد من أسباب تباطؤ الحركة الصناعية.

وأفصح الجشي عن مشكلة الإعفاءات الجمركية التي ما زالت قائمة منذ عام ونصف العام في الوقت الذي لم تجد فيه اللجنة الصناعية الوطنية تجاوبا من مدير عام الجمارك السعودية للالتقاء بأعضاء اللجنة ووضع حلول جذرية لهذه المشكلة التي ساهمت في تعطيل وتوقف أعمال الكثير من الصناعيين، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات الجمركية من شأنها أن تفتح مجال التحايل والتلاعب على مصلحة الجمارك.

وطالب الجشي، وهو الذي يعمل رئيسا للجنة الصناعة والترويج في اتحاد الغرف الخليجية وكذلك رئيسا للجنة الصناعية بغرفة المنطقة الشرقية بالسعودية، وزير العمل الجديد بإيجاد حلول جذرية للإجراءات العقيمة داخل الوزارة. وتطرق الجشي إلى كثير من المعوقات ووضع بعض الاقتراحات التي تدفع بالصناعة السعودية إلى الأمام.

مزيد من التفاصيل في هذا الحوار الذي خص به «الشرق الأوسط»:

*كنائب رئيس اللجنة الصناعية بمجلس الغرف وكرئيس للجان خليجية ومحلية، وهو ما كان يتطلع منكم للوصول إلى منجزات تفيد القطاع، فما هي الإنجازات التي حققتها اللجنة خلال فترة ترؤسكم لها؟

- دور اللجنة يتمثل في التنسيق والعمل على حل المشكلات التي تعترض الصناعيين إضافة إلى بناء كوادر تساعد الصناعيين على تطوير علاقتهم بالجهات الأخرى، في هذا الجانب عملنا على تنظيم ثلاثة ملتقيات وفي الملتقى الماضي التقى وزير التجارة والصناعة بالصناعيين في المنطقة واستمع لآرائهم، وآخر ملتقى كان يتعلق بالفرص المتاحة في الصناعات المتوسطة وكذلك الصناعات الصغيرة التي ما زلنا إلى الآن نستوردها من الخارج وهذه فيها فرص كثيرة، كذلك الحال ينطبق على صناعات «أرامكو»، فكان هدف الملتقى توضيح الفرص للمستثمرين. كما كانت لنا لقاءات مع جهات عدة لها علاقة بالصناعة مثل مدير عام هيئة المدن الصناعية لحل مشكلة الأراضي، والالتقاء بمدير عام شركة الكهرباء كل سنة قبل الصيف لمحاولة إيجاد آليات تعاون مشترك بين الصناعيين وشركة الكهرباء وكذلك المسؤولين في مكتب العمل بهدف تسهيل وتدبير العقبات التي تواجه الصناعيين.

*كيف تنظر إلى قطاع الصناعة وحركة تطوره في السعودية؟

- أعتقد أن السبيل والطريق الوحيد أمام تنويع مصادر الدخل غير النفطي هو الصناعة وذلك في ظل عدم الاعتماد على القطاع الزراعي لشح المياه، وكذلك ضعف الجانب السياحي عدا السياحة الدينية، وليس أمامنا وسيلة أو طريق لتحقيق نمو اقتصادي إلا عن طريق الصناعة، وفي الوقت نفسه يجب تنويع الاستثمارات الصناعية وفقا للموارد المتاحة في مختلف مناطق السعودية لتحقيق تنمية مستدامة. ولا شك أن القطاع الصناعي واعد ويقف على أرض صلبة ويبشر بالخير.

*ولكن يبدو أن الحكومة كانت لها تحركات ملموسة على صعيد إضافة تطورات للقطاع، كيف ترى البنية التحتية لقطاع الصناعة؟

- لا أخفيك أن المدن الصناعية كانت شبه ميتة وإن كان هناك انتعاش ملحوظ منذ تعيين الدكتور توفيق الربيعة مديرا عاما للهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية قبل سنتين، ولمسنا بعض الحراك وإعادة بناء البنية المتهالكة لمعظم المناطق لكننا لم نر ميزانية معتمدة لها من الدولة. ولعلنا نشكر وزير المالية لاعتماده 530 مليون ريال (141.3 مليون دولار) للمدينة الصناعية في سدير (وسط السعودية) وهذه خطوة جبارة، خاصة أن منذ 8 سنوات لم يعتمد ريال واحد لأي مدينة صناعية، وأعتقد أن هيئة المدن قامت بدور كبير في الفترة الماضية لتحريك الأمور لبناء مدن جديدة ونتطلع إلى اعتماد ميزانية أخرى لبناء المدينة الصناعية الثالثة بالدمام. وكلنا ثقة أن إبراهيم العساف، وزير المالية، سيكون داعما لهذا الموضوع. ومسؤوليتنا كصناعيين أن نتحمل تكلفة التشغيل إذا اعتمدت ميزانيات دائمة لهيئة المدن الصناعية تساعدها على تنفيذ خططها المستقبلية.

*وهل تعتقد أن المملكة خطت خطوات متقدمة في هذا القطاع الصناعي، قياسا بالموارد المتاحة؟

- لا، لو قلنا وصلنا إلى أهدافنا وطموحاتنا في هذا القطاع لتوقفت عملية التطور والبناء، ولكننا ما زلنا بحاجة إلى نقلة نوعية في هذا المجال، وذلك بإيجاد مرجعية ثابتة لقطاع الصناعة بدلا من تداخل الاختصاصات وتعدد القطاعات التي تتحكم في مسيرة الصناعة. والبداية للحل أن تكون وزارة التجارة والصناعة هي المرجعية لكل القطاعات الأخرى لدفع تنمية القطاع الصناعي. ومعروف أن الاستراتيجية الصناعية أقرت من مجلس الوزراء منذ 4 سنين وحدد لها 40 مليار ريال (10.7 مليار دولار) ووضعت آليات تنفيذ لكنها لم تعتمد من المجلس الاقتصادي الأعلى وما زالت تدور في فلك بين جهات مختلفة، وأصبح لزاما علينا إيجاد مرجعية موحدة لكل ما يتعلق بالصناعة.

*وما هي المعوقات والمشكلات الأخرى التي تواجهونها كصناع؟

- قلت لك تداخل الصلاحيات وتعدد الجهات التي تتحكم في الصناعة مثل وزارة البترول وهيئة المدن الصناعية ودخول «أرامكو» الآن في هذا المجال، إضافة إلى أننا منذ سنة ونصف السنة نواجه مشكلات كبيرة مع الجمارك فيما يتعلق بالإعفاءات الجمركية ونتطلع إلى الوقت الذي نلتقي فيه المسؤولين للوصول إلى حلول للمشكلات.

وحسب النظام الصادر بالمرسوم الملكي، فإن الإعفاءات هي من مسؤوليات وزارة التجارة والصناعة، والجمارك هي واحدة ممن يشارك في لجنة الإعفاءات لكن إذا صدر الإعفاء الجمركي بموافقة كل الجهات تعترض الجمارك، وهذا يجب ألا يحدث. والجمارك أحيانا تتهم الصناعيين بالهروب والمشاركة في عمليات تحايل على الجمارك، وبدورنا نطالب بمعاقبة المخطئ لكن لا نعاقب الجميع كما هو حاصل الآن، وتوقفت المصالح بسبب قرارات الإعفاءات التي لم تنفذ.

*ألا ترى أنه بالإمكان أن يعتمد القطاع الصناعي على نفسه الآن في تمويل البنية التحتية بدلا من الاعتماد الكلي على الدولة؟

- يعرف الجميع أن الصناعة استثمار طويل المدى وعادة الدولة تعتني ببناء البنية التحتية لجذب الاستثمارات، والمواطن هنا عنده سيولة، لا نحتاج إلى الاستثمارات الخارجية بقدر ما يحتاج القطاع الصناعي إلى حماية من الدولة وحماية منتجاتنا، ولكن مع الأسف نجد أن المصنع الوطني مجبر بشروط توطين بينما الإعفاءات الجمركية لم تنته في الوقت المناسب، كما أن المصانع الوطنية ليس لديها حماية أو رعاية لمنافسة أي مستورد أجنبي حتى في المناقصات الحكومية، مع أنه صدر قرار بإعطاء 10 في المائة للمصانع الوطنية ولكن هذا القرار لم يفعل، كما أن وزير المالية أكثر من مرة يؤكد على تفعيل ذلك ولكن لم يحدث شيء على أرض الواقع.

والمصنع الوطني مثله مثل أي مستورد كما أن المستخلصات تحتاج إلى عدة شهور كي تصرف وتأخذ دورة روتينية لا مبرر لها، لكن الأجنبي لا يشحن من هولندا ولا من أميركا، فلوسه تدفع له. ويتوجب أن يفرض على المكاتب الهندسية استخدام المنتج السعودي في المشاريع التي يتم تصميمها من قبلهم، مع أن المنتج السعودي الذي يتم تصديره ينافس المنتجات الأخرى في الخارج.

*وكيف ترى دور صندوق التنمية الصناعي؟

- الصندوق يعد من أفضل أجهزة الدولة التي لها اهتمام بالتمويل الصناعي، وتمويله ذاتي من المصانع، بمعنى أن رأس المال الذي وضع من البداية هو نفسه رأس المال الذي يتم من خلاله التمويل، إضافة إلى التأهيل العالي لموظفيه، وكانت لديه مشكلتان إحداهما ساهم في حلها وزير المالية وتكرم وزاد رأس مال الصندوق إلى 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار)، ونتطلع إلى زيادة رأس المال إلى 30 مليارا (8 مليارات دولار) وهذا أفضل من الودائع التي نضعها في الخارج، لأنه يحقق عائدا في نهاية السنة للدولة، غير أن العائد المباشر هو الذي يخلق صناعة وبالتالي إيجاد وظائف ويساهم في النمو الاقتصادي. أما مشكلة الصندوق الثانية فتتمثل في تطبيق النظام الذي أنشئ عليه بموجب مرسوم ملكي كجهاز مستقل، ولكن فيه تدخل من جهات حكومية أخرى في موضوع رواتب ومكافآت الموظفين وهذا أحدث عدم استقرار وعدم استمرارية للموظفين، ومع ذلك فإن الصندوق ساهم بشكل فعال في دعم الصناعات الوطنية.

*وهل هناك عوائق تواجهونها في التمويل من الصندوق؟

- السعودية من كبار المؤسسين لبنك التنمية الإسلامي ومن كبار المساهمين في صندوق النقد الدولي وهي تمول مشاريع في الدول الأخرى، ومن حقنا نحن أن يكون فيه نوع من «كوتا» خاص لتمويل مشاريع في السعودية ولكن للأسف صندوق التنمية الإسلامي مول مشاريع خارج السعودية أكثر من داخلها، ونحن المساهم الرئيسي فيه، وصندوق النقد الدولي نادر تمويله للمشاريع، ويجب على وزارة المالية أن تتبنى تحديد هدف معين لتمويل مشاريع سعودية مقابل مساهماتنا فيه.

ونتطلع إلى أن يكون لوزارة التجارة والصناعة دور لتوقيع اتفاقات مع الدول التي تمتلك صناديق أو جهات لدعم الصادرات، وبالتحديد التي نستورد منها المعدات والتي لديها آليات تمويل، ومن خلال الاتفاقات يتم تحديد مبالغ معينة للسعودية ومن خلالها يستطيع الصناعيون استيراد معدات من ألمانيا وكوريا كما هو الحال لمشاريع «سابك» و«توتال» الكبيرة، ويتم التمويل من صندوق تنمية الصادرات لمدة 6 أو 7 سنوات، وأيضا في إيطاليا توجد مثل تلك الصناديق. ونتمنى من وكيل وزارة الصناعة المكلف الدكتور توفيق الربيعة أن ينظر إلى هذا الجانب بعين الاعتبار.

*كيف هي العلاقة بين البنوك المحلية والصناعيين، خاصة فيما يتعلق بالتمويل؟

- يجب أن ننظر إلى الصناعة على أنها استثمار طويل المدى وليست تجارة ولكن ليس لدينا قروض طويلة المدى وإن وجدت فهي تعطى لأسماء معينة فقط وليس بشكل عام. وهنا يجب أن تتدخل مؤسسة النقد بتحديد نسب معينة لكل قطاع سواء السكني أو الصناعي، وليس أن يكون القرار بيد البنوك.

*السعودية دولة استهلاكية ومقصد لتسويق المنتجات المستوردة، ألا ترى أنه في المستقبل القريب وفي ظل العولمة، سيكون لذلك تأثير سلبي على المنتجات الوطنية وبالتالي على إنتاج المصانع الوطنية؟

- المنافسة في حد ذاتها جيدة وتتيح للمواطن الحصول على السلعة بالسعر المناسب وبالجودة المناسبة، ومن جانب آخر تدفع المصانع الوطنية إلى تطوير منتجاتها ورفع مستواها كي تنافس عالميا وينعكس ذلك إيجابا على الصناعة الوطنية، لكن الأهم أن تتبنى الدولة رعاية الصناعة مثل الدول الأخرى، وخاصة كوريا والصين، منها إلزام الشركات التي توقع عقودا بالمليارات أن تستخدم 50 في المائة من المنتج السعودي أو خلق صناعة سعودية خلال فترة معينة، وهذا الأمر غير حاصل في كل عقود الدولة وعقود الجهات الأخرى، بما فيها «أرامكو» مع الأسف، ولو هناك مرجعية للصناعة لاستطعنا كصناعيين تطوير الكثير من الأفكار.

*هل تؤمن بإيجابية تبني القطاع الخاص تدريب الشباب وفق الصناعات القائمة؟

- التدريب من مسؤولية الدولة التي أنشأت معاهد التدريب المهنية كمحاولة، ولكن هذه المعاهد ليست لديها الخصوصية أو تلمس الاحتياجات في كل منطقة، ومن الأولى إيجاد شراكة مع الغرف التجارية لتوجيه التدريب بما يخدم المشاريع القائمة في كل منطقة.

*ولماذا لا تبادر الغرف التجارية لتعزيز مثل هذه الشراكة التي تدعو لها؟

- أعتقد أن الغرف لها مبادرات جيدة في هذا الجانب، وهناك ملتقيات توظيفية في غرفة الشرقية، والمفروض أن يكون هناك توجيه وإيمان بهذه الشراكة بين الغرف والمؤسسة العامة للتدريب المهني وتشكيل مجلس مشترك لأن كل منطقة لها مميزاتها.

*وأنت كأحد الصناعيين والعاملين في القطاع الخاص، هل تعتقد أن القطاع بإمكانه توفير وظائف نسائية؟

- أنا أول من وظف امرأة في مصنع (فنية مختبر) في «الصناعية الثانية» بالدمام، ونظام العمل وفقا للمادة 50 أعطى المرجعية لتوظيف النساء لمكتب العمل، ولكن الشروط التي وضعت فيها بعض التعقيد، ومنها إيجاد مدخل مستقل في الشركة للمرأة ونحن مؤمنون بخصوصية المرأة السعودية وفي الوقت نفسه نتطلع من وزير العمل إلى أن يصدر قرارات من شأنها أن تفعل القرارات المتعلقة بتوظيف بناتنا وزوجاتنا في قطاع الأعمال بصفة عامة.

*سبق أن أعلن عن الاستراتيجية الصناعية.. فماذا تم بشأنها؟

- الاستراتيجية أقرت من مجلس الوزراء قبل 4 سنوات بنحو 40 مليون ريال (10.7 مليون دولار) وأقرت آليات التنفيذ في السنة الماضية، وهي متوقفة الآن على اعتمادها من مجلس الاقتصاد الأعلى واعتماد الميزانية. ونتمنى من كل الجهات المرتبطة بالاستراتيجية أن تعمل على اعتماد وصرف الميزانية لوزارة التجارة والصناعة لتنفيذ هذه الاستراتيجية التي من خلالها نستطيع التحرك وتنويع مداخيل إضافية للبلد.

*بصفتك رئيسا للجنة الترويج في اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي.. ألا ترى أن الترويج للاستثمارات في السعودية أو دول الخليج بصفة عامة ضعيف؟

- أول أعمالنا تنظيم ملتقى التمويل الخليجي في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل برعاية وزير التجارة والصناعة وحضور وزراء خليجيين، والهدف من الملتقى تعريف الصناعيين الخليجيين بآليات التمويل المتاحة في كل دولة وآليات تمويل الصناعة بشكل عام، بمشاركة من شركتي «سابك» و«التصنيع» وبعض البنوك، وكذلك تعريف الصناعيين بكيفية بناء مصنع، وهناك ملتقى آخر من المزمع إقامته في العام المقبل في الإمارات.

*وما هي الخطط المستقبلية بالنسبة إلى مجموعتكم الصناعية؟

- لا أخفيك أنه تم الانتهاء من دراسة 3 مشاريع، أحدهما يتعلق بالمواد التي تدخل في صناعة الإسمنت والحديد، والثاني في قطاع البتروكيماويات، والثالث سنفصح عنه في وقته، وسيتم إنشاء هذه المصانع في «الصناعية الثانية» بالدمام.