أوكرانيا تفاقم أزمة الشعير في السعودية بإيقاف التصدير

مصادر عاملة في السوق ترجع أسباب ارتفاع الأسعار إلى «المضاربة» و«التوزيع»

تستورد السعودية نحو 7 ملايين طن من الشعير سنويا يأتي معظمها من الدول الأوروبية (رويترز)
TT

رجحت مصادر مطلعة في قطاع الشعير بالمملكة العربية السعودية ارتفاع أسعار الشعير في الفترة المقبلة، وذلك نتيجة ضغوطات على الأسعار تتمثل في توقف أوكرانيا عن التصدير إلى المملكة، في الوقت الذي قفزت أسعاره في الأسواق المحلية إلى 55 ريالا (14.6 دولار) للكيس الواحد ذي الـ50 كيلوغراما، خلال الأيام الحالية.

ويعد الشعير أهم المكونات الرئيسية للأعلاف الحيوانية في السعودية، وأرجعت المصادر تلك التوقعات إلى قرار السلطات الأوكرانية بإيقاف تصدير عدد من شحنات الشعير بينها شحنات كانت متجهة إلى السوق السعودية، في الوقت الذي سجل سعر طن الشعير، يوم أمس، في الأسواق العالمية 340 دولارا.

وبحسب المعلومات الواردة لـ«الشرق الأوسط»، فإن القرار الذي اتخذته السلطات الأوكرانية جاء نتيجة تنظيم جديد للشركات المصدرة للشعير، ستعود بعده حركة تصدير الشعير بعد أن تستوفي تلك الشركات متطلبات التنظيم الجديد.

وتمثل مبيعات أوكرانيا للشعير ما بين 50 إلى 60 في المائة من الواردات السعودية، حيث تعد أهم الدول الأوروبية المصدرة للشعير، إلا أن مستثمر - فضل عدم ذكر اسمه – أشار إلى أن إيقاف تصدير الشعير الأوكراني جاء نتيجة الجفاف الذي تعرضت له أوكرانيا هذا العام، مما أدى إلى انخفاض في كمية المحصول هذا العام.

وتحصل السعودية على احتياجاتها من الشعير من عدد من الدول الأوروبية بينها فرنسا وألمانيا، ولكن معظم الاحتياجات تأتي من أوكرانيا، ويتوقع أن ينعكس قرار السلطات الأوكرانية على السوق المحلية سلبيا.

وفي الوقت ذاته كشف محمد المعجل، المستثمر في قطاع الشعير بالسعودية، أن الأسعار العالمية ارتفعت خلال الفترة الماضية بأكثر من 100 في المائة، حيث ارتفع سعر الطن في الأسواق العالمية من 675 ريالا (180 دولارا) وهو المتوسط السعري خلال الربع الأول من العام الحالي إلى نحو 1275 ريالا (340 دولارا)، يوم أمس.

وأوضح المعجل أن الأسعار خلال الفترة المقبلة سترتفع بشكل واضح ما لم يكن هناك تدخل حكومي برفع الدعم المقدم للمستوردين إلى مستويات أعلى في الفترة الحالية، حيث يشير إلى أن الدعم الحالي يضع الأسعار في حدود 32 ريالا (8.5 دولار) للكيس ذي الـ50 كيلوغراما، بنحو 500 ريال للطن (133.3 دولار).

وكانت لجنة حكومية مكونة من 3 وزارات في السعودية أوصت مؤخرا بعدم وجود حاجة لزيادة الدعم الحالي لسلعة الشعير، لكفاية الدعم المقدم من الدولة، الذي يقترب من 300 دولار للطن الواحد المستورد من الخارج.

ويؤكد التجار الموردون لسلعة الشعير أن الأسعار العالمية سجلت 340 دولارا لطن الشعير الأوروبي، و310 دولارات لطن الشعير الأسترالي خلال الأيام الثلاثة الماضية، مشددين على أن بإمكان الجميع معرفة ذلك ومقارنة الأسعار العالمية بالأسعار المحلية.

أمام ذلك أشار ناصر العبد الكريم، باحث اقتصادي متخصص في الاقتصادات الزراعية، إلى أن الأزمة مفتعلة والأسعار التي يروج لها التجار في الفترة الحالية ليست هي أسعار الشعير الذي تم شراؤه قبل ثلاثة أشهر.

وبين أن الأسعار في الفترة الحالية تتراوح بين 260 و266 دولارا للطن، في حين أن الأسعار التي تم الشراء بها قبل ثلاثة أشهر هي 150 دولارا للطن، وبعد احتساب الإعانة التي تقدمها الحكومة للموردين ومقدارها 200 ريال (53 دولارا) للطن، يصبح سعر التكلفة 18 ريالا (4.8 دولار) للكيس، ويفترض أن يكون السعر للمستهلك النهائي يتراوح بين 24 و25 ريالا (6.4 و6.6 دولار) للكيس.

وتابع العبد الكريم تحليله للأزمة: «التجار يسعون من خلال تصعيد أسعار الشعير إلى الحصول على دعم للسعلة التي هي أصلا مدعومة، فالشعير المطروح في السوق تم استيراده منذ 3 أشهر، أي قبل ارتفاع الأسعار العالمية، وتم احتساب الدعم له، بينما يعمل التجار خلال هذه الفترة على الحصول على دعم إضافي»، في الوقت الذي يعتقد أن الحل يكمن في استيراد الحكومة الشعير وتثبيته عند سعر 25 ريالا (6.6 دولار) للكيس، وفي حال انخفاض الأسعار عالميا تستفيد خزينة الدولة من فارق السعر، وفي حال ارتفاعها تتحمل خزينة الدولة الفارق السعري.

واعتبر الباحث الاقتصادي المتخصص في الاقتصادات الزراعية، أن دعوة الدكتور فهد بالغنيم، وزير الزراعة السعودي، مربي الماشية للجوء إلى الأعلاف المركبة في غير محلها، لأن المطروح من الأعلاف المركبة في السوق السعودية غير كاف ليكون البديل عن الشعير الذي تضاعف سعره بصورة غير مبررة، على حد وصفه.

وطالب الدكتور فهد بالغنيم، وزير الزراعة السعودي، قبل أيام، مربي الماشية بالتخلي تدريجيا عن الاعتماد على الشعير كعلف رئيسي، وسلعة استراتيجية، في أعقاب الارتباك الذي طال مؤشر أسعار الشعير، وبلغ في بعض المناطق السعودية حاجز الـ50 ريالا للكيس الواحد، بينما ترى جهات حكومية أن بيع الكيس ذي الـ50 كيلوغراما بـ28 ريالا، سعرا عادلا، كون الشعير من السلع التي تلقى دعما من الدولة.

واستند الوزير في مطالباته تلك، إلى القيمة الغذائية لكيس الأعلاف المركزة، التي أكد أنها تعادل في قيمتها الغذائية ثلاثة أكياس شعير.

وتشير التوقعات إلى أن أزمة القمح الروسي نتيجة الحرائق التي تعرضت لها روسيا في الفترة الماضية، ستنسحب على الشعير، مما سيخفض حصص التصدير إلى الدول المستهلكة، التي تأتي على رأسها السعودية، حيث تستحوذ عن حصة تتراوح بين 50 و60 في المائة من الكميات المتاحة للتصدير عالميا.

وبدأ أهم مصدر أوروبي للشعير بالاحتفاظ بالفوائض التي يتمتع بها من الحبوب الغذائية التي منها الشعير، في الوقت الذي يعتبر فيه البديل للقمح والشعير الروسي، حيث قد يتجه التصدير إلى روسيا لتعويض النقص في السوق المحلية من الحبوب.

وتستورد السعودية نحو 7 ملايين طن سنويا، يأتي معظمها من الدول الأوروبية بنسبة تتراوح بين 85 و90 في المائة، بينما يستورد التجار السعوديون ما بين 10 إلى 15 في المائة من حاجات السوق السعودية من أستراليا.

وكانت أسعار الشعير المخصص لعلف الحيوانات في السعودية في السوق المحلية ارتفعت فوق 50 ريالا (13.3 دولار) للكيس زنة 50 كيلوغراما، بعد أن كانت تتراوح بين 35 ريالا (9.3 دولار) و36 ريالا (9.6 دولار)، بينما تصل إلى نحو 38 ريالا (10.1 دولار) و39 ريالا (10.4 دولار) في المحافظات والمدن البعيدة عن الموانئ في النصف الأول من العام الحالي.

وتقدم السلطات السعودية دعما ماليا من الخزينة العامة للتجار المستوردين للشعير يبلغ في الوقت الراهن 200 ريال (53.3 دولار)، وذلك لكي تكون الأسعار في متناول المستهلك المحلي، بينما بلغ الدعم الحكومي الذي تقرره لجنة مشكلة من وزارة المالية ووزارة التجارة ووزارة الزراعة في فترة سابقة نحو 1200 ريال للطن (320 دولارا).

وهنا يؤكد الباحث الاقتصادي، ناصر العبد الكريم، أن التجار يسعون إلى العودة إلى هذه المستويات من الدعم واستنزاف المال العام من خلال الضغط على المواطن البسيط الذي يعتمد في دخله على تربية الماشية.

وأصدرت منظمة الأغذية العالمية (الفاو) تقريرا خلال الأيام القليلة الماضية يؤكد عدم وجود أزمة غذاء عالمي، إلا أن التقرير أشار إلى ارتفاع في أسعار الحبوب عالميا بنحو 80 في المائة، عن مستوياتها قي العام الماضي.

وأكد أحد كبار الموردين - فضل عدم ذكر اسمه - أن أزمة الشعير في السعودية بسبب المضاربين والموزعين، الذين يتحملون 95 في المائة من ارتفاع الأسعار، على حد قوله، مشيرا إلى أن دخول عدد من التجار الموسميين لسوق الشعير بهدف شراء الشعير وتخزينه للاستفادة من فارق السعر أمر ملاحظ في السوق السعودية.

وأضاف: «الموزعون يعمدون إلى تخزين كميات إضافية وإيقاف منافذ البيع، وعندما تتصاعد الأزمة يستفيدون من الأسعار التي تصل إليها السوق»، موضحا أن تلافي هذه الأزمة يكون بإنشاء شركة توزيع وطنية تشتري من التجار وتكون لها مواقع في مختلف المدن والهجر كمنافذ للتوزيع. وبموازاة ذلك فإن الموردين يخفضون المطروح يوميا في الأسواق - بحسب قول أحد الموردين - حتى يثبتوا وجودهم في السوق ويستفيدوا من التصاعد السعري للسوق.

وأوضح العبد الكريم أن هذه الأزمة أشبه ما تكون بموضة سنوية يحدث على هامشها ما يشبه دخول الهوامير في سوق الأسهم، حيث يتوازى مع أزمة الشعير بيع كبير للمواشي بسبب التكلفة المالية العالية، التي ترهق الأسر التي تمتهن تربية المواشي، بينما تسجل السوق - على حد قوله - شراء للأغنام بكميات كبيرة من قبل مقتنصي الفرص، ويتم شراء قطعان من الأغنام بالآلاف، ويتم تجفيف السوق، ومن ثم تعود أسعار الشعير إلى المستويات المعهودة بين الـ20 و30 ريالا.